أهم ما جاء فيما كتبه هو الاعتراف كحاكم عربى أن الاهتمام بالشباب وتمكينهم لا يناسب حجمهم المتزايد فى بلادنا العربية
الإخوة والأخوات.. يمثل الشباب تحت سن 25 نحو نصف مجتمعاتنا العربية ومن المنطق أن يكون الاهتمام بهم وبقضاياهم يوازى هذه النسبة، للشباب آمال وطموحات وقضايا وتحديات وبهم تنهض المجتمعات أو تنهار وعلى أيديهم تتحقق الإنجازات أو الإخفاقات، أريد أن نختار شابا أو شابة تحت سن الـ25 ليمثل قضايا الشباب وطموحاتهم، أريده وزيرا معنا فى حكومة الإمارات، أطلب من جامعاتنا فى الدولة ترشيح 3 شباب و3 شابات من كل جامعة ممن تخرج فى آخر عامين أو ممن هم فى سنواتهم الأخيرة لنختار منهم وزيرا، دولتنا دولة شابة قامت على الشباب ووصلت للمراكز الأولى عالميا بسببهم وهم سر قوتها وسرعتها، وهم الكنز الذى ندخره للأيام القادمة.
هذا ما كتبه محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبى على حسابه على تويتر منذ يومين، لعل أهم ما جاء فيما كتبه هو الاعتراف كحاكم عربى أن الاهتمام بالشباب وتمكينهم لا يناسب حجمهم المتزايد فى بلادنا العربية، كما لفت النظر إلى أن الشباب قد يكونون مصدر الإنجازات أو مصدر الإخفاقات إذا لم يتم استيعابهم واحتواؤهم وتوظفيهم فى المسارات الصحيحة لخدمة أوطانهم.
***
استدعت هذه الكلمات مشاهد جموع شباب الألتراس وهم يزأرون بالهتاف ضد السلطة بسبب ما يرونه من ضياع الحقوق وإهدار الدماء وإفلات قتلة زملائهم فى مذبحة استاد بورسعيد وغيرها من الأحداث التى كست وجه مصر بالدماء على مدى السنوات الماضية، استدعت هذه الكلمات صورة الباحث الشاب إسماعيل الإسكندرانى المعتقل منذ شهور بلا تهم مقنعة سوى التعبير عن آرائه كذلك الباحث والإعلامى المهنى المتميز هشام جعفر الذى يتم تجديد حبسه بلا مبرر مقنع لأى شخص يعرف قيمة الرجل وتأثيره الإيجابى على مئات الإعلاميين الذين قام بتدريبهم وتأهليهم بينما يتم اتهامه بهذه التهمة المضحكة بالانتماء لجماعة أسست خلافا لأحكام القانون والدستور الغرض منها تعطيل مؤسسات الدولة ومنعها من ممارسة عملها وتلقى رشوة دولية! استدعت هذه الكلمات صورة الطبيب طاهر مختار عضو لجنة الحقوق والحريات بنقابة الأطباء الذى تم اعتقاله بتهمة محاولة قلب نظام الحكم لأنه تجرأ على الحديث عن حقوق الرعاية الصحية للمعتقلين السياسيين، أما الطبيب أحمد سعيد الذى جاء لإجازة من ألمانيا وحمل لافتة تحيى شهداء محمد محمود فى ذكراهم فقد تم الحكم عليه وعلى زملائه بعامين سجن وتم تأييدهم فى الاستئناف بعد أن صدر حكم حبسهم من محكمة جنح عابدين من أول جلسة لتنتهى مراحل التقاضى فى القضية خلال أقل من 68 يوما فقط، أما الطفل محمد محمود المعروف بمعتقل الـ«تى شيرت» والمسجون أكثر من عامين فقد تضامن العالم كله مع قضيته ولكن السلطة فى مصر ترى أنه لا يستحق الحرية وأن عامين اعتقال غير كافيين لتأديبه على جريمته الكبرى وهى ارتداء تى شيرت مكتوب عليه (لا للتعذيب)، أما آية حجازى التى جاءت لتساعد أطفال الشوارع وتعيد تأهيلهم إنسانيا فقد مر عام على حبسها بتهم أيضا غريبة حولتها من ملاك للرحمة إلى عدو للوطن، وقبل هؤلاء يقبع أحمد ماهر ومحمد عادل وعلاء عبدالفتاح ورفاقهم فى السجون بسبب قانون معيوب دستوريا يساوى بين المتظاهر السلمى وبين البلطجى والإرهابى!
نسمع من السلطة فى مصر كلاما رائعا ومتكررا عن الشباب ودورهم وأهميتهم وحرص الدولة على رعايتهم لكن الواقع تصدمه أفعال تنافى الأقوال، شباب الألتراس كمثال تتهمهم أبواق السلطة وإعلاميوها المقربون أنهم جماعة إرهابية وممولة من الخارج وتتخابر مع جهات خارجية وتطالب بسحقهم جميعا، الشباب المعروف بانتمائه لثورة يناير تطارده دعايات التحريض والاغتيال المعنوى والاتهامات التى لا تقوم على أى أساس سوى الرغبة فى الانتقام منهم وتحجيم تأثيرهم، الحراك الطلابى الأخير تم إجهاضه بعد مسلسل تضييق وتأميم للعمل العام داخل الجامعات بدعوى حمايتها من الإرهاب، العمل المدنى والنشاط الأهلى التطوعى صار مقيدا بالهواجس الأمنية غير المنطقية التى تؤسس لدولة الخوف التى تخاف من كل شيء فتسعى لتجميده أو منعه أو اتهامه وتشويهه.
***
لم تعد القضية إثبات فشل السلطة الحالية أو مكايدتها بممارساتها الخاطئة، لكن القضية الأخطر هى إنقاذ الوطن من تراكم المظالم وزيادة الاحتقان القابل للانفجار فى أى وقت، لا الاعتقالات ستمنع الشباب عن التمسك بأفكارهم ولا الممارسات القمعية ستؤدى للاستقرار، من يحاربون الشباب يحاربون المستقبل ويسعون لتقويض آمال المصريين فى حياة كريمة يتوقون إليها، كل يوم يمر على مصر يزيد عدد شبابها ويتضاعف غضبهم وإحباطهم مما يلاقونه من تهميش واستهداف لا يمكن إنكاره، لا نتحدث عن بعض الفاعلين السياسيين أصحاب الخصومة المباشرة مع السلطة فقط بل نتحدث عن أجيال متلاحقة تنضم لطابور الساخطين، إذا كنا بالفعل نعترف بالمشكلة ونقول أن الوطن فى ورطة فما الذى نفعله للخروج من هذه الورطة؟ وكيف نترك نفس المعطيات التى أدت لما وصلنا اليه قائمة دون تغيير؟
ليست معركة حول من يحتكر الحقيقة وصحة الفهم وصواب الرؤية بل معركة لإنقاذ الوطن من مصير مظلم نهرول إليه على الرغم من كل صيحات التحذير التى نسمعها، الشباب ثروة الوطن وليسوا أعداءه، فلننقذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة