في أدبياتنا الدينية والثقافية وحتى الاجتماعية تظل ثقافة المحبة الغائب الأكبر والقيمة الأسمى التي ترتهن إلى رزنامة غير المفكر فيه
في أدبياتنا الدينية والثقافية وحتى الاجتماعية تظل ثقافة المحبة الغائب الأكبر والقيمة الأسمى التي ترتهن إلى رزنامة غير المفكر فيه، وإن حضرت فهي تندرج في مستوى ودرجة الاستثناء من القاعدة الأعمق معضلة "الكراهية" التي تحكم وتهيمن على إطار علاقاتنا ووعينا بما في ذلك الدينية والمدنية، كأننا اتفقنا وتقاطعنا على هذا الوعي السلبي.
في جانب موروثنا التيولوجي الديني الفقهي واللاهوتي "العقائدي" ثمة إلحاح على تكريس عقيدة الكراهية والنبذ بوصف الكراهية معنى ومعطى دينيا تعبديا، يكرس هذه الكراهية مثلاً مفهوم "الولاء والبراء" والذي يشطر المجتمع والآخر عموماً إلى منبوذين مكروهين تديناً باسم الموالاة في الله وفئة مقربين محبوبين باسم الموالاة والحب في الله، في عصر الدولة الحديثة الدولة الوطنية يستحيل تطبيق مثل هذه العقائد التي تفسطط المجتمع، ذلك أن الدولة الوطنية تعتمد القيمة الوطنية والتي يتحول فيها الأفراد إلى مواطنين سواسية في الحقوق والواجبات والمسؤوليات لا تمييز فيها على أساس ديني أو إثني، وذلك ما لا تتسامح فيه العقائديات الدينية التي تجعل العلاقات الاجتماعية قائمة على منصة العقيدة لا الوطنية،
ما نعيشه في الراهن هو ذروه الكراهية حيث الانفلات اللامتناهي للمشاعر والمستضمرات العدائية فيما بيننا أبناء اللغة الواحدة والوطن الواحد والدين الواحد، وما ذلك إلا لوجود القابلية المؤسسة للكراهية ولعدم تكرس عقيدة المحبة والتي من شيمها التعاذر والتسامح.
"نموذجاً" ما يحدث في العراق من قتل منهجي عدائي مجاني ما بين إخوة الدم والدين، قبل سنوات ليست بالبعيدة كان العراقيون سنة وشيعة لا يفترضون وجود ذلك الفرق بين مذهبياتهم لمرحلة أن الاختلاف المذهبي لم يكن ذي بال وحضور إلا بشكل عرضي وهامشي غير مؤثر أو فاعل بدليل التجاور والتزاوج، لكن مع استدعاء الانتماء المذهبي دبت الضغية والتنافر.
وإن نسبت الكراهية لتدخل الأجنبي الإيراني وأنه قابس تلك الكراهية والتنابذ بين العراقيين لكن الحقيقة تتجاوز ذلك بعيدا، حيث الموجودات المذهبية العميقة والماكثة في اللاوعي والتي تجذر في تلافيفها اللامحبة وجذور الضغينة تطغى على المشهد ناسفة أي لحظات وئام كما لو كان هذا الوئام حالة استثنائية تتداخل مع الحالة الأصل وهو الكراهية المنهجية،
أتيت بالعراق كنموذج ليس بوصفه نموذجاً ناتئاً غريباً بل باعتباره نموذج يمثل عامة اللوعي والمستضمر العربي الذي ينتظر الفرصة حتى يعلن عن مخزوناته العدائية الثقافية المطمورة ظرفياً ولحظياً وليس غير ذلك وبرهان ذلك سوريا ولبنان واليمن وليبيا التي كشفت عن أتون الكراهية العميقة والمستكنّة رهن أي هبّة تأذن بالإعلان عن معتقداتها وما تحمله من قيم في مقدمتها الإقصاء والنفي والكراهية والعنف الذي يحكي كمية الغلو في تقديم الهويات الصغرى على حساب الهوية الكبرى ذات المشتركات الأهم "الوطن".
(المختصر) مهما توهّمنا تماسنا في روح وقيم العصر وعلى رأسها المدنية والوطنية فإننا نظل أسرى لمكوننا التيولوجي والفكري الضيق الذي يأبى تقبل الآخر مهما كان سلمياً ومدنياً انطلاقاً من المكنون الوجداني العتيق والذي تكرسه الأدبيات الدينية على المستوى الشعبي وحتى السياسي، إيران التي نزعم أنها سبب ما نعانيه من كراهية ليست جمعية خيرية يرتجى منها الفضيلة والمحبة فهي تتعاطى النفعية السياسية التي تخدم أجندتها، إيران أدركت جيداً عطبنا التاريخي فاشتغلت عليه وجعلتنا نتحارب بالوكالة عنها ونستحق ذلك لأننا أهملنا وعينا وتركنا شيطان الكراهية يتغوّر في أعماق عقيدتنا وثقافتنا وحتى تعليمنا الرسمي وغير الرسمي وها نحن نقطف غراس جهلنا وضيق أفقنا، لا يمكن توجيه اللوم لمذهب عقائدي دون آخر في تكريس العنف والكراهية فكل المذاهب تتعبّد بكراهية المختلف وتشرعن ذلك بوصف الكراهية جزءاً من العقيدة والدين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة