ليس في قديم الزمان ولا في غابر الأجيال، بل في عام 1830، حيث أخطأ طاه بلجيكي، بسبب السرعة، خلال إعداد الوجبات في مطعم فخم
ليس في قديم الزمان ولا في غابر الأجيال، بل في عام 1830، حيث أخطأ طاه بلجيكي، بسبب السرعة، خلال إعداد الوجبات في مطعم فخم، ووضع حبات البطاطا المقطعة في إناء الزيت المغلي بدل وضعها في إناء الطبيخ، مع المكونات الأخرى.
حاول الطاهي تصحيح غلطته ، لكنه لم يجد في مخزنه بطاطا كافيه، لكن في ذات الوقت انتشرت رائحة زكية جراء قلي البطاطا في الزيت- وهي طريقة لم تكن معروفة آنذاك- . فقام الطاهي بتقديم هذه البطاطا المقلية الى زبائنه ، فانبهروا بها ، وانتشرت طريقة قلي البطاطا، في العالم أجمع، من ذلك الحين حتى الان ، وربما ستبقى للأبد.
تأتي هذه المعلومات ضمن المنوعات حول الأخطاء الحميدة في التاريخ ، ومن بينها تصنيع البشاكير ، حينما أخطأ احد النساجين خلال نسج القماش بالآلة المبتكرة حديثًا، فتكتلت الخيوط على بعضها، الى أن خرجت قطعة غير منسوجة جيدا، وتم رميها في الحمام، وتبين للعاملين ان هذه القطعة القماشية الفاشلة تمتص المياه بسهوله وتساعد في التنظيف ، فتم اعتمادها من ذلك الوقت حتى الان ، وربما تستمر الى الأبد.
لا أنوي استعراض الأخطاء الحميدة في التاريخ ، لكني أضع الأمثلة على كيفية تحويل الأخطاء إلى ابتكارات واكتشافات واختراعات، وتحويلها إلى أدوات دافعة للحضارة البشرية إلى الأمام، لكن للأسف فهذه عادة إفرنجية وغربية، لم تصلنا عدواها بعد.
أما نحن، وما أدراك ما نحن، نحن سادة وقادة تحويل المسارات الصحيحة إلى مسارات خاطئة ، وتحويل الانتصارات إلى هزائم ، كما فعلنا في معركة أحد، وفي معركة بلاط الشهداء، ولو كانت لدينا نهضة صناعية مشابهة لأوروبا، لكانت صناعاتنا أخطاء في أخطاء في اخطاء، لكنها ستكون أخطاء غير مستغلة طبعًا.
حتى العلوم التي وضعنا أسسها ، من الصفر العربي، وهو أهم ابتكار عربي ، وعلم الجبر والهندسة مرورًا بالفلك والطب والتشريح وعلوم الضوء والكيمياء والفيزياء وغيرها، تحولت هذه العلوم عندنا، مع مرور الزمن إلى (أساطير أولين ) واستبدلناها بالسحر والتنجيم والغيبيات، والحنتش بنتش والجلا جلا.
وبعد أن تقدمنا حضاريًّا وإنسانيًّا على الأمم الأخرى، وأسسنا إمبراطورية كبرى، عدنا إلى بداوتنا الأولى ومشاعيتنا الثانية، لكأننا لم نكن رواد علم وحضارة في يوم من الأيام، ولم نصنع التاريخ والجغرافيا قبل قرون.
لا ننسى علم العمران البشري الذي ابتكرناه على يد ابن خلدون، وتحول فيما بعد إلى (علم اجتماع ) على يد الفرنجة وحولنا مقدمته إلى مؤخرة، هذا العلم العربي- علم العمران البشري- الحسب والنسب واللسان، والذي كان أول نظرة علمية للتاريخ البشري ودراسة واقعية لأحوال المجتمعات بشكل منطقي، من أجل الاستفادة من تحليل الماضي لبناء مستقبل أفضل.
حتى هذا العلم، علم العمران البشري، سرقوه منا، وتحول عندهم الى أب لجميع العلوم الأخرى، وأنجب فروعًا كثيرة، وتحول إلى نهضة علمية وأدبية شاملة لديهم، ولم نخرج نحن، إلا بسواد الوجه.... وصرنا نستخدم الماضي لتدمير الحاضر والمستقبل معًا.
وهكذا، خسرنا الماضي، وخسرنا الحاضر ..وسوف نخسر المستقبل، إذا بقينا على هذه الحالة.... ونكون الأمة التي ابتكرت الصفر ، ثم عادت إلى الصفر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة