أخيراً وبعد انتظار دام 17 سنة، أنجز الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة ما وعد، بتمريره دستوراً جديداً
أخيراً وبعد انتظار دام 17 سنة، أنجز الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة ما وعد، بتمريره دستوراً جديداً، أبرز ما تضمنه هو تقييد فترة تولي المنصب الرئاسي بولايتين، الأمر الذي سينطبق على خليفته بعدما كان بوتفليقة فتح الولاية الرئاسية في دستور 2008 ليترشح لولايتين ثالثة ورابعة على التوالي. ولعل موضوع تقييد الولاية الرئاسية قد يكون الوحيد الذي لا خلاف عليه مبدئياً، اذا اعتبرنا ان ليست لدى الجزائريين معارضة لتحديد الأمازيغية لغة وطنية في الدستور الجديد، وإن اعتبرت «دسترة» الأمازيغية محاولة لترضية هذه الفئة الأكثر عرضة أمام الضائقة الاقتصادية في البلاد والأكثر نزعة للنزول الى الشارع احتجاجاً.
لكن ما أثار وسيثير مزيداً من السجالات على الساحة السياسية هو التعديل الدستوري القاضي بمنع مزدوجي الجنسية من تقلد مناصب في الدولة. وهذا أمر قوبل باحتجاجات لدى الجزائريين المقيمين في الخارج خصوصاً في فرنسا. وقد يكون الأمر هنا مجحفاً ما لم تسارع السلطة الى تبرير خيارها هذا، وما اذا كان مرتبطاً بوجود قياديين اسلاميين خارج البلاد.
الدستور الجزائري ما زال يعطي عموماً صلاحيات واسعة للرئيس، كونه «قائداً أعلى للقوات المسلحة يتولى مسؤولية الدفاع الوطني ويقرر السياسة الخارجية للأمة ويوجهها ويرأس مجلس الوزراء ويعين رئيس الحكومة».
صحيح أن بوتفليقة دفع بهذا الدستور من خلال غالبية برلمانية كبيرة، وتفادى طرح الأمر في استفتاء شعبي، قد لا يكون مضمون النتائج، خصوصاً ان مقاطعة الاسلاميين العريضة لجلسة إقرار الدستور، مؤشر الى عدم استعدادهم للتنازل بسهولة عن مساعي ابقائهم بعيداً من السلطة.
لكن تمرير الدستور عبر البرلمان لم يتم بسهولة، بل تطلب عملية جراحية في جسم النظام، تم من خلالها استئصال جهاز الاستخبارات الذي كان «دولة ضمن الدولة»، وذلك من أجل تسهيل عملية تنفيذ بنود الدستور الجديد.
يقول منتقدو الدستور إن أبرز نقاط ضعفه هي في أنه لا يزال يمكن الدولة من التفرد في الاشراف على الانتخابات، ويعطي المعارضة فقط حق المشاركة في «مراقبة» الاقتراع، وهو أمر غير كافٍ في تقديرها.
في المقابل، لم تكن الرئاسة تتوقع او تنتظر موافقة المعارضين على الدستور، بل ما سعت اليه هو صورة جيدة لجلسة الدستور يشارك فيها الجميع ويعبرون عن آرائهم المختلفة. لكن الشق الإسلامي في المعارضة لم يتجاوب مع هذا الطرح وقاطع الجلسة.
ولم تنفع محاولات رئيس الحكومة «إغراء» الإسلاميين، بإعطائهم فرصة كافية للتعبير عن موقفهم في جلسة التصويت. وانتهى الأمر بمقاطعة تكتل «الجزائر الخضراء»، وهو تكتل إسلامي مؤلّف من «حركة مجتمع السلم» و «حركة النهضة» و «حركة الإصلاح الوطني» رسمياً، مقاطعة جلسة التصويت الاحد. ويضم التكتل 41 نائباً، ما صعب على أحزاب الموالاة مهمة ضبط قائمة المصوتين.
وذكر بيان تكتل «الجزائر الخضراء»، أن المجموعة البرلمانية «تؤكد رفضها التعديل وتعبّر عنه بمقاطعة جلسة التصويت». وأضاف البيان أن الموقف تم «بناءً على قرار الأحزاب الـ3 المشكِّلة للتكتل وتماشياً مع الموقف العام للمعارضة، والمتمثل برفض التعديل الدستوري».
عموماً تضمن الدستور الجديد الذي أقرّ بغالبية 499 نائباً من أصل 517 حضروا الجلسة، نقاطاً ايجابية عدة مثل: تجريم المعاملات اللاإنسانية ضد المواطن، وتعزيز حرية العدالة، ومنع أي تدخّل في مسار القضاء، وتجريم عرقلة تنفيذ قرار العدالة، وحرية التظاهر السلمي للمواطن، وضمان حرية الصحافة المكتوبة والمسموعة والإلكترونية، ومنع السجن للصحافيين، ودسترة حماية الحريات الشخصية والبيانات عبر البريد الإلكتروني. لكن العبرة في كل ما تقدم، تبقى في حسن التطبيق.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة