"الجمعة السوداء" برفح على طاولة الجنائية الدولية
يونس لـ"العين": العالم أمام اختبار إنصاف الفلسطينيين
بعد ساعات من تقديم مؤسسات فلسطينية ملفًا للجنائية الدولية حول "الجمعة السوداء"، يخشى حقوقي من ضغوط على المحكمة.
بعد ساعات من تقديم 4 مؤسسات حقوقية فلسطينية ملفًا جديدًا إلى المحكمة الجنائية الدولية حول "الجمعة السوداء" التي تعرضت لها رفح جنوب قطاع غزة، خلال عدوان 2014، يبدي الحقوقي الفلسطيني البارز عصام يونس، مخاوف من تأثيرات الضغوط الخارجية على المحكمة، مع قناعته بأن هذا الخيار جاد لوضع مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام طائلة العدالة.
بالنسبة ليونس الذي يرأس إحدى المنظمات الأربعة التي تقدمت، أمس الأربعاء، بثاني ملف لها أمام المحكمة الجنائية، الأمر يتعلق بالبعد الوطني والقانوني بالأساس، والثاني يتعلق به شخصيًّا، فقد استشهد والده وزوجته في تلك الحرب المدمرة.
عينة من جرائم الحرب:
ويؤكد عصام يونس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، في مقابلة شاملة مع بوابة "العين"، أن "خطوة التوجه للمحكمة الجنائية تأتي في سياق الشأن القانوني الذي بدأ منذ توقيع الفلسطينيين اتفاق روما".
وأضاف: "ملف اليوم والملفات التي رفعناها قبل أشهر تمثل عينة من أنواع جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني".
الجمعة السوداء:
ويتعلق الملف الذي قدمه مركز الميزان بالشراكة مع مؤسسات الحق والضمير والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، بما تعرضت له مدينة رفح جنوب قطاع غزة فيما عرف بـ"الجمعة السوداء" خلال عدوان 2014.
وبحسب توثيق هذه المنظمات الأربعة، فقد اقترفت قوات الاحتلال خلال الفترة بين 1 و 4 أغسطس 2014 جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بعدما استخدمت مسوغ "هانيبال" المثير للجدل الذي يقصف الاحتلال بموجبه بشكل عشوائي لمنع تنفيذ عملية خطف وأسر لجنود إسرائيليين.
تفاصيل المأساة التي أسفرت عن استشهاد 255 فلسطينيًّا، من بينهم 212 مدنيًّا، بدأت صباح 1 أغسطس إثر فقدان الاحتلال الاتصال بضابطه الملازم هدار غولدن، ليفعل مسوغ هانبيال ويبدأ دك رفح بآلاف القذائف من الجو والأرض والبحر، واستمرت هذه الموجة حتى الرابع من الشهر نفسه.
وقال يونس: "خلال 4 أيام أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي المدفعي المكثف، ودبابات، والهجمات الجوية على السكان المدنيين في رفح، هوجمت منازل مأهولة دون سابق إنذار ليلًا، الوثائق المقدمة من قبلنا تكشف أن 119 من الشهداء لقوا حتفهم في منازلهم، أسقطت قنبلتين الواحدة منهما تزن طنًّا على مبنى مدني، مما أسفر عن مقتل 16 شخصًا في شارع قريب، تم استهداف المدنيين في الشارع من قبل الطائرات بدون طيار، جنبًا إلى جنب مع الأموات، وكان هناك انتشار الإصابات المروعة، بما في ذلك الأشلاء، وأدت هجمات على سيارات الإسعاف والمستشفيات، وهوج مركز إيواء للنازحين تابع للأونروا، ما أدى إلى استشهاد 14 شخصًا.
جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية:
ويؤكد الحقوقي الفلسطيني: "ما لدينا من وثائق ومعطيات عن هذه الجريمة يؤكد أن المسؤولين العسكريين والمدنيين الإسرائيليين رفيعي المستوى ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال هذه الهجمة".
وقال يونس الذي استشهد والده المسن حسن (75 عامًا)، وزوجته آمال (74 عامًا) وإصابة عدد آخر من أفراد العائلة، إثر استهداف منزل عائلة كلاب بحي تل السلطان، الذي استشهد فيه 3 من كبار قادة الذراع المسلح لحركة "حماس": "نحن ليس لدينا إلا هذا الممر الإجباري لإدانة الاحتلال على جرائمه الطويلة، نريد أن نختبر العالم ومدى التزامه بالشرعة الدولية".
المرة الثانية أمام المحكمة:
وهذه المرة الثانية التي تتوجه فيها المنظمات الأربعة للمحكمة الجنائية فقد سلمت في 23 نوفمبر الماضي لاغ سري لفاتو بنسودا، المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، يحتوي على معلومات حول جرائم ارتكبت ضد فلسطينيين خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، وتم توثيقها بشكل مشترك من قبل المؤسسات الأربع. وقد تم تسليم البلاغ وفقًا للمادة 15 من نظام المحكمة.
ويؤكد الحقوقي الفلسطيني على الهدف من هذا التحرك: "يجب أن نراهم في المحكمة (يقصد الإسرائيليين) لأن من ارتكب المخالفات لنظام روما يجب أن نراه في المحكمة؛ هذه محكمة أفراد وليس محكمة دول".
الضغوط ومخاوف التسييس:
ورأى أنه "لا يوجد أية خيارات أمام الضحايا لم يبقَ إلا خيار المحكمة .. نحن نقول للعالم أنصفوا الضحايا لتحقيق العدالة من خلال هذه الأداة الحضارية، ونحن نقبل ما ترضونه ونرفض تسييس المحكمة".
ولم يخف وجود مخاوف من الضغوط والتسييس قائلًا: "ندرك المخاطر التي يمكن أن نتعرض لها في طريق المحكمة من قبل الضغوط المالية والسياسية و... منذ التوقيع على ميثاق روما هناك ضغوط تمارس على الفلسطينيين".
ووفق مصادر مطلعة، لبوابة "العين" فإن المؤسسات الحقوقية التي تعمل على ملف هذه القضايا بدأت تواجه مشاكل واضحة على صعيد تمويلها الذي تقدمه جهات مانحة أوروبية، حيث تم حجب بعض المنح، وإجراء مساومات حول المضي في هذه القضايا.
ويشير الحقوقي الفلسطيني إلى نوع آخر من المخاوف المتمثل في "تعرض المحكمة لضغوط خارجية"، وقال: "يجب أن نبقي عيوننا مفتوحة ونراقب عمل المحكمة عن كثب".
وأضاف: "نحن نرى أننا في الطريق الذي ارتضاه العالم لنفسه لتحقيق العدالة، لعله يتم إنصاف الضحايا .. نحن ندرك تأثير إسرائيل الكبير والضغوط على المستوى الدولي، والمحكمة قد تتعرض للضغوط، لكن علينا أن نضع المحكمة أمام الحقيقة ومسؤولياتها.
تجربة مرة:
ويلفت الانتباه، إلى أن تجربة الفلسطينيين مع السعي لتحقيق العدالة مرة وقال: "لم يعد للضحايا أي هامش للإنصاف، لأن المحاكم الإسرائيلية مغلقة أمامهم، فيما المحاكم الأوروبية التي تسمح قوانينها بمحاكمة المجرمين، سرعان ما تعدل قوانينها فور توجهنا لمحكامها.
وتابع بمرارة "عندما كنا نذهب لمحكمة أوروبية كان يتم تعدل القانون ثاني يوم لمنع محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين"، في إشارة إلى تجارب رفع قضايا في إسبانيا وبريطانيا وهولندا جميعها انتهت إلى طريق مسدود نتيجة تعديل القوانين المحلية بضغوط اللوبي الإسرائيلي.
ورأى أن الخطوة المطلوبة الآن من المحكمة البدء فورًا في التحقيق في جرائم الحرب، مضيفًا: "نحن في المرحلة الأولى مرحلة تلقي المعلومات، المرحلة الثانية مرحلة التحقيق ومن ثم الدخول في الإجراءات القانونية انتظارًا لتقديم مجرمي الحرب للعدالة".
وشدد على أنه "هذه المرة الأولى التي يتوفر لنا هذا الفضاء الدولي، لذا يجب اختبار هذه المحكمة، فالعالم ارتضى هذه الآليات لنفسه وعلى العالم أن يحترم ما ارتضاه من آليات".
لا خوف من المحكمة:
وفيما يتعلق بالمخاوف من توظيف المحكمة لملاحقة فلسطينيين، يرى يونس أنه "لا خوف على ملاحقة فلسطينيين، لأنهم كلهم وافقوا على المحكمة ووافقوا على تشكيل اللجنة الوطنية العليا للمتابعة مع المحكمة الجنائية".
وقال: "نحن لا نخشى المحكمة نحن الضحايا، من يخشاها هو الذي يحاول تخويف الفلسطينيين وهو الذي يهدد إسرائيل هي المحتلة وهي من ترتكب الجرائم".
تنسيق مع اللجنة العليا:
وبشأن الفارق بين جهد المؤسسات الحقوقية واللجنة العليا التي شكلتها السلطة الفلسطينية، قال: "عملنا لا يتناقض مع اللجنة العليا، اللجنة أقرب ما تكون غطاء قانوني وسياسي، لكن مؤسساتنا تعمل بشكل مستقل عن السلطة وهذا يعطينا قوة .. هناك تنسيق وعمل مع اللجنة".
وشدد على أن العالم "أمام استحقاق قانوني وأمام اختبار حقيقي لإنصاف الضحايا ومحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين".