من لم يتعلم من أخطاء التاريخ سيجبره التاريخ على تكرار نفس الأخطاء، والحيادية في بعض الأحيان أقرب إلى الانحياز
من لم يتعلم من أخطاء التاريخ سيجبره التاريخ على تكرار نفس الأخطاء، والحيادية في بعض الأحيان أقرب إلى الانحياز، فالنهضة تحتاج لفكر لا يخشى في الله لومة لائم في ما يعتقد بأنه الحق ما دام ذلك الاعتقاد يحفظ دم الإنسان وعرضه وماله وممتلكاته وحقه في العيش الحر الكريم وكسب قوت يومه والعيش في أمان، ويكفل له حرية ممارسة العبادة وإعمار الأرض دون تفريط ولا تعدٍّي ولا تجاوز لأحكام الله في محكم كتابه، فالله أكرم البشر بالعقل، فمن يحترم الإنسان قد يكون أقرب للإسلام سلوكًا وفكرًا ممن يعتنق الإسلام، ولا يحترم الإنسان وتغيب عنه الرحمة وروح التسامح والمبادئ الإنسانية.
وما أريد أن ما أذهب إليه هو أن العقلية الشرقية متعصبة بطبيعتها ويتراوح التعصب بين التعصب المقبول، والذي يكون في كل إنسان وصولاً إلى التعصب الأعمى، وتلعب البيئة والتربية ومنهجية التعليم والثقافة والموروث الديني والقيمي دورًا في حجم ودرجة التعصب، ومن تجربتي الشخصية أكثر الناس تعصبًا هم شيوخ الدين الذين يرفضون أي تجديد في الدين، ويقدسون الماضي ولا يقبلون نقد فكر وطرح السلف وخاصة الصحابة والتابعين، وكأن فكرهم جزءًا لا يتجزأ من الدين الإسلامي وليس قولًا مع رجاحة عقل قائله وتقواه يحتمل الصحة والخطأ، فتقول: يا رجل، الصحابة تقاتلوا ورفعوا السيوف في وجه بعض لاختلافهم في فهم قضايا معينة، ولم يقدسوا كلام بعضهم البعض، واختلفوا في الرأي. فيقول لك: وأين أنت منهم؟ وتقول له: صدقت، هم خير البشر بعد الأنبياء والرسل ومن اصطفاهم الله من الصالحين، ولكنهم بشر غير معصومين من الوقوع في سوء التقدير عن غير قصد وبحسن نية.
فيقول لك: استغفر ربك فأنت لا تعرف ماذا تقول.
وأهم القضايا التي حكم بها البشر ونسبوه وفق ما فهموه لكلام رب البشر وما نسب من أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعارض نص القرآن، وما حكم به حسب رأي الكثيرين ممن يخشون سطوة سلطة علماء الدين والعرف الذي يقر بعدم مخالفتهم، وإلا سيرمى الشخص بالجهل والزندقة والخروج عن الدين وكأنهم موكلين وحدهم بحماية الدين هو حكم الردة، ومن يقول بأن في القرآن دلالة على حد الردة: {وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } التوبة الآية 74. فهذه الآية من خلال سياقها تتحدث عن الردة والكفر بعد الإسلام والإيمان، ولكن كيف استنبط المفسرون من هذه الآية حكم المرتد، وأن الله عز وجل ذكر نوعين من العذاب يلحقان بمن كان هذا حاله، أحدهما في الدنيا والآخر في الآخرة، والذي يعنينا الآن هو عذاب الدنيا في قوله تعالى: {وإن يتولوا يعذبهم الله عذابًا أليمًا في الدنيا}، فقالوا: إن ذلك المقصود به القتل، وهو رأي بشري ينافي العقل وحرية الأديان، وبأن الهداية بيد الله وحده، وهو من يحكم بين البشر يوم القيامة فيما اختاروه لأنفسهم من دين أو عدم الإيمان بأي دين والكفر بالله، ومن ثم يستندون إلى السنة وأحاديث مثل حديث في صحيح البخاري - عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" ص 3017 حكم مباشر بالقتلـ وكأن الله يخشى أو متردد في الحكم المباشر بالقتل إذا كان هو الحكم الشرعي الصحيح، هل يعقل هذا المنطق أو يليق بمسلم موحد بكمال الله وكمال كلامه.
وفي حديث آخر عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة" ( البخاري 6878، ومسلم 1676). والمنطق يقول: إذا الأنبياء والرسل لا يملكون حق وصلاحية إكراه الناس على دينهم أو البقاء عليه، والقرآن مليء بهذه الأمثلة والتوجيه المباشر بالتبليغ والتبيان فقط، فكيف أصبح يجوز لفقهاء المسلمين مصادرة حرية الناس وإكراههم على الدين؟ وهذا السؤال مباشر ولا يستدعي التشدق بقوة الحجة والعلم باللغة والنحو والبلاغة كون كل دليل وحجة سيأتون بها ستنافي حكم وأمر الهي بعدم إجبار الناس على الدين، ولذلك مرارًا كنت أقول: لا توجد مؤسسة في العالم الإسلامي اليوم في وجهة نظري الشخصية مع كل الاحترام والتجليل لمؤسساتنا العريقة وعلمائنا الأفاضل تصلح منفرده بدون عمل جماعي من جميع مؤسسات وعلماء الأمة لإصلاح الحالة التي وصل لها فكر المسلمين في الوقت الحاضر، وبإشراك متخصصين من شتى العلوم والباحثين والمفكرين لخوض حوار مفتوح في خلوة قد تستمر شهور طويلة لإنقاذ الدين من براثم التقليدية والتعصب المذهبي والفقهي، وخروج العديد من المنظرين المحسوبين على الإسلام على المسلمين وتكفيرهم لهم.
وأستغرب كيف يرفض البعض الأحكام العرفية والوضعية ولكن لا ينكر ولا يرفض استخدام الأحكام الوضعية التي جاءت نتيجة فهم وتفسير المقدس والفهم والتفسير، ولو كان لمقدس لا يجعله مقدس، ولنتأمل هذه الآيات القرآنية لنفهم أن دعوة قتل المرتد حكم بشري محض {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٨٥﴾ كَيْفَ يَهْدِي اللَّـهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿٨٦﴾ أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّـهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿٨٧﴾ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ﴿٨٨﴾ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٨٩﴾ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ﴿٩٠﴾ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَىٰ بِهِ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴿٩١﴾} آل عمران. ففي هذه الآيات من آل عمران توضيح مفصل لحكم المرتد، فرب العالمين يقول: إن عقاب المرتد أو من يكفر بعد إيمانه ولم يقل إسلامه أي وصل مرحلة معرفية واعتقادية جيدة في الدين الإسلامي عليه لعنة من الله والملائكة والناس وليس الحرب والقتل، ويمهله الله ليتوب بعد ردته، وإذا أصر على الكفر ومات على ذلك ولم يقل يقتل أو يحاكم ويعدم له عذاب أليم، ولذلك ما نحن عليه من ورطه اليوم في العديد من القضايا في حياة المسلم وغير المسلم سببها ترك القرآن وتبني فهم وتفسير القرآن وما نسب للرسول من أحاديث كدين مكمل للقرآن.
وكأن يقول لك أحدهم: لو حكم قتل المرتد في السنة لما عرفنا بالدلالة القطعية وجوب قتل المرتد، وكأنه يريد أن يقول: إن القرآن ليس كتاب مفصل مبينة آياته، ولم يترك من أمر يحتاجه المسلم إلا وتصدى له بحكمة رب العالمين، ولكن ما دمنا نفكر أن القرآن تفصيله وتبيانه لا يعني تغطية كل أمور المسلم ونشكك في شمولية القرآن، وبأنه لم يترك شيئًا من أمور المسلمين الجوهري لحياتهم في الآخرة إلا وتناوله وحكم فيه، سيظل الحال على ما هو عليه، وأنا لست قرآني ولا أدعو لهجر السنة ولا العلوم الشرعية، ولكن أناشد بالإقرار بأن الموروث يحتاج لمراجعة وتفنيد والاعتراف بأنه منتج بشري لم يتعهد الله بحفظه ومعرض للتحريف والتغيير، والرأي فيه قد يكون لا يتواءم مع القرآن ونأخذ من السنة ما لا يخالف القرآن وليس ما يناسب فهمنا وتفسيرنا له.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة