على القادة الأفارقة ألاّ يستغلوا ثغرات قانونية فى الدساتير أويعدِّلوها بطريقة غير ديمقراطية ليبقوا فى الحكم
(على القادة الأفارقة ألاّ يستغلوا ثغرات قانونية فى الدساتير أويعدِّلوها بطريقة غير ديمقراطية ليبقوا فى الحكم وأن يحترموا المدد المحددة للرئاسة،فقد رأينا العواقب المأساوية التى ترتبت على ذلك)..قالها بان كي-مون الأمين العام للأمم المتحدة مخاطباً القمة الإفريقية الأخيرة رداً على تحايل بعض الحكام على الدساتير وما ترتب عليها من احتجاجات وسفك للدماء فى دول مثل بوروندى وبوركينا فاسو والكونغو-كينشاسا وما يمكن أن يترتب عليها خلال عام 2016 الذى شهد وسيشهد انتخابات فى 17 دولة إفريقية.ثم قال بصراحة أوضح:(لابد أن يحمى القادة شعوبهم وليس أنفسهم بالتخلى عن السلطة فى موعده).
من الدول التى تُجرى فيها الانتخابات أوغندا وجيبوتى بشرق إفريقيا وتشاد والنيجر بالوسط وغانا وجامبيا والكونغو-كينشاسا والكونغو-برازافيل وبنين بالغرب،وباستثناء غانا التى لم يتخط أى من رؤسائها المدتين المحددتين بالدستور خلال ربع القرن الأخير تتصاعد المخاوف من مواصلة تزييف إرادة الشعوب بتعديل الدساتير أوبالتحايل عليها أوبتزوير النتائج ما يهدد بنشوب صراعات مسلحة دموية.فهذا إدريس ديبى فى تشاد يعلن أنه سيرشح نفسه لفترة خامسة وذاك يحيى جامع فى جامبيا يقول إنه إذا تطلب الأمر أن يحكم مليار سنة فسوف يفعل.
أما روبرت موجابى فى زيمبابوى فقال إن تحديد مدة الرئاسة بفترتين فقط إجراء غير ديمقراطي،فإذا كان الناس يريدون بقاء الحاكم فليبق.لكن هذه كلمة حق اُريد بها باطل لأن معظم الحكام لا يحترمون إرادة الناخبين ومعظم الأفارقة يؤيدون تحديد مدة البقاء فى السلطة حسبما أوضحت استطلاعات رأى عام عديدة.
بعض القادة الأفارقة يعتبرون تحديد مدة الرئاسة بفترتين فكرة أمريكية أساساً منذ إجراء التعديل الثانى والعشرين على الدستور الأمريكى عام 1951،ويقولون إن دولاً مثل بريطانيا وإيطاليا وسويسرا ليس فيها تحديد للمدة،لكنهم تجاهلوا حقيقة أن تلك الدول ترسخت فيها الديمقراطية ولم يعد ممكناً تزوير نتائج انتخاباتها.
لهذا يلجأ القادة غير المؤمنين بالديمقراطية إلى كل وسيلة ممكنة للبقاء فى الحكم حيث تحايل رئيس بوروندى على الدستور ليبقى لفترة ثالثة ونجح بإراقة الدماء وعدَّل رئيس بوركينا فاسو الدستور فانتفضت ضده الجماهير ولم يبرحوا الشوارع حتى ترك الحكم وهرب إلى الخارج وأُعيد انتخاب رئيس توجو لفترة ثالثة بوسائل غير ديمقراطية وقمعت السلطات فى الكونغو-كينشاسا المعارضة وقتلت العشرات واعتقلت المئات من المحتجين على محاولة إرجاء الانتخابات المقررة فى نوفمبر إلى ما بعد إجراء تعداد قومى للسكان يحتاج إجراؤه إلى ثلاث سنوات نظراً لضخامة مساحة الدولة. ويعتزم رئيس الكونغو ـ برازافيل الترشح لفترة ثالثة رغم الاحتجاجات على تعديله الدستور، وتم إجراء استفتاء فى رواندا يسمح للرئيس بالبقاء فى الحكم حتى عام 2034 إذا شاء، وقالت زوجة رئيس زيمبابوى إنه مستعد لقيادة الدولة من على كرسى متحرك ورشحه حزبه بالفعل للانتخابات المقبلة رغم تجاوزه سن التسعين وبقائه فى الحكم منذ 36 سنة،وفى الكاميرون يتجه الرئيس لترشيح نفسه لفترة سابعة ومازال رئيس إريتريا فى السلطة منذ 1991.
وعن أوغندا ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن مسئولى الحكومة والحزب الحاكم شنوا حملة ترهيب للصحفيين لمنعهم من انتقاد الحكومة قبيل الانتخابات، وتم وقف كثيرين منهم عن العمل وتهديد محطات الإذاعة لمنعها من استضافة أعضاء من أحزاب المعارضة.
اقتنع بعض الزعماء الأفارقة بأهمية الديمقراطية لاستقرار بلادهم واضطُرَّ بعضهم لمجاراة الأجواء واتعظ قليلون مما حدث لغيرهم من نهاية مأساوية فتركوا السلطة فى الموعد المحدد بفترتين،بل إن نيلسون مانديلا اكتفى برئاسة جنوب إفريقيا فترة واحدة. ومن بين أولئك ماثيو كيريكو أبو الديمقراطية فى غرب إفريقيا الذى قبِل أن يخسر انتخابات 1991 أمام منافسه كثمن لانتهاجه مبدأ التعددية الحزبية وجاكايا كيكويتى رئيس تنزانيا وعبده ضيوف وعبدالله واد رئيسا السنغال وفريدريك شيلوبا وروبيا باندا ومايكل ساتا رؤساء زامبيا وفيستوس موجاى رئيس بوتسوانا.
أما رئيس توجو ووالده الراحل اللذان حكما البلاد 49 سنة ورئيسا أنجولا وغينيا الإستوائية القابعان فى السلطة منذ 37 عاماً، ورئيس الكاميرون الذى يحكم منذ 34 سنة فلم يتعظوا بما حدث لعشرة رؤساء تم خلعهم بانتفاضات جماهيرية مثل بن على فى تونس وكومباورى فى بوركينا فاسو أوبانقلاب عسكرى مثل ولد الطايع فى موريتانيا وحبرى فى تشاد وبوزيزى فى إفريقيا الوسطى ومنجيستو فى إثيوبيا.
فى عام 1999 قرر الاتحاد الإفريقى عدم الاعتراف بأى نظام يتولى الحكم بأسلوب غير دستورى ونجح إلى حد ما فى إرغام بعض الذين اغتصبوا السلطة بالقوة على تركها لكنه فشل فى اتخاذ أى إجراء ضد الحكام الذين يجرون انتخابات صورية ويرهبون معارضيهم ويضيقون الخناق عليهم لمنع فوزهم ولم يعاقب أيا منهم ولو بمنعه من رئاسة الاتحاد عندما يحين دور بلده مما يشجعهم على التمادى فى سلوكهم.
ويقول عالم النفس البريطانى لورد أوين: كلما بقى الحاكم فترات طويلة كلما تغطرس وعزف عن الانصات للآخرين واعتقد بصواب قراراته.وهذا ماحدث فعلاً وكانت النتيجة مزيداً من الفقر والتخلف والصراعات الدموية فى قارة تعج دولها بالقبائل والعرقيات المتصارعة على السلطة.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة