لم يكن من المرغوب فيه أن يكون لدى عامة الشعب وعى سياسى قوى. فكل ما هو مطلوب وطنية بدائية يمكن اللجوء إليها حينما يستلزم الأمر إقناعهم
ــ لم يكن من المرغوب فيه أن يكون لدى عامة الشعب وعى سياسى قوى.
فكل ما هو مطلوب منهم وطنية بدائية يمكن اللجوء إليها حينما يستلزم الأمر إقناعهم بقبول ساعات عمل أطول أو حصص أقل من السلع التموينية.
بل وحتى عندما كان ينتابهم شعور بالسخط، كما يحدث أحيانا، فإن سخطهم لم يكن ليفضى إلى شىء كونهم يعيشون بلا مبادئ عامة، ولذلك كانوا يركزون غضبهم على تظلمات خاصة وقليلة الأهمية.
فالأخطار الكبرى لا تسترعى انتبهاههم.
ــ عبر الحقل، كانت الفتاة ذات الشعر الأسود تسير نحوه.
وبحركة واحدة نزعت ثيابها ورمتها جانبا دون اكتراث.
كان جسدها ناعما وبشرتها بيضاء، لكن ذلك لم يثر فيه أدنى رغبة، بل إنه بالكاد تطلع إليها. لكن الذى استهواه من ذلك كله هو تلك الحركة التى نزعت بها ثيابها وطوحت بها أرضا.
فبرشاقتها وعدم مبالاتها بدا كأنها تقوض ثقافة كاملة وتنقض نظاما فكريا بكليته.
ــ ما من أحد يمسك بزمام السلطة وهو ينوى التخلى عنها.
إن السلطة ليست وسيلة بل غاية، فالمرء لا يقيم حكما استبداديا لحماية الثورة، وإنما يشعل الثورة لإقامة حكم استبدادى.
إن الهدف من الاضطهاد هو الاضطهاد، والهدف من التعذيب هو التعذيب، وغاية السلطة هى السلطة.
ــ أرهف السمع إلى ما تذيعه شاشة الرصد عن مسيرات شكر للآخر الكبير على رفعه حصة الشوكولاتة إلى عشرين جراما فى الأسبوع.
فحدث نفسه: كيف ذلك؟ لم يكن قد مر سوى يوم واحد على نبأ تخفيضها إلى عشرين جراما أسبوعيا.
فهل يمكن أن يكون الناس قد تناسوا ذلك وابتلعوه فى أربع وعشرين ساعة فقط؟ أجل، لقد تناسوا.
ــ لا نقبل بالطاعة السلبية أو حتى بالخضوع.
وعندما تسلم لنا قيادك فى النهاية، يجب أن يكون ذلك نابعا من إرادتك الحرة.
إننا لا نحطم الضال الذى خرج علينا عندما يقاومنا.
بل إننا لا نقدم أبدا على تدميره طالما أنه يقاومنا.
وإنما نسعى لأن نغيره ونقبض على عقله الباطن فنصوغه فى قالب جديد.
ــ حتى أسماء الوزارات الأربع التى تحكمنا تبدى شيئا من الصفاقة بما تمارسه من قلب متعمد للحقائق.
فوزارة السلام تعنى بشئون الحرب، ووزارة الحقيقة مهمتها التزوير وخلق الأكاذيب، ووزارة الحب تسوم الناس العذاب، أما وزارة الوفرة فتعنى بتجويع الناس حتى الموت.
وليست مثل هذه المتناقضات عرضية، كما أنها ليست نتيجة لرياء عادى، بل هى ممارسات مدروسة ومخططة لازدواجية التفكير.
ذلك أنه لا يمكن الاحتفاظ بالسلطة إلى الأبد إلا عبر التوفيق بين المتناقضات.
ــ بات بإمكان كل حكومة أن تضع كل مواطن، أو على الأقل كل مواطن له من الأهمية ما يجعله جديرا بالملاحظة، تحت عين الشرطة لمدة أربع وعشرين ساعة فى اليوم، وتحت طائلة الدعاية الرسمية الموجهة مع عزله عن جميع قنوات الاتصال الأخرى.
وللمرة الأولى فى التاريخ يصبح بالإمكان فرض حالة من الإذعان المطلق لإرادة الدولة ومن الاتساق التام فى الرأى حول جميع الموضوعات.
ــ باستطاعة هذه الشرطة أن تدخل متى شاءت، على أى خط كان.
كان عليك أن تعيش، بحكم العادة التى تحولت إلى غريزة، مفترضا أن كل صوت يصدر عنك مسموع وأن كل حركة مرصودة.
جورج أورويل
من رواية 1984
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة