يكشف النقاشعن طبيعة الأزمة، ذلك أن أول التحديات التي سيكون على السلطة التنفيذية مباشرتها تهم جمع الأسلحة وحل التنظيمات المسلحة
في أكثر البلدان تمسكاً بالأعراف الديموقراطية، يمكن أن يستغرق تشكيل الحكومات فترة أطول.
ولا ضرر في إعلان المترشحين لاختيار أعضائها إخفاقهم، ما يدفع إلى تعيين آخرين. لكن أزمات حكومية من هذا النوع لا تؤثر في التدبير الاعتيادي لشؤون الدولة.
كونها أزمات سياسية تدفع أحياناً إلى العودة إلى صناديق الاقتراع في انتخابات مبكرة، أو القفز على الخلافات عبر بناء تحالفات مرحلية.
المشكل في الرهان على حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا أنه يختزل أزمة دولة، تسبح على براكين الفوضى والاضطرابات واستئثار الميليشيات المسلحة وتوزع الولاءات بين برلمانين وحكومتين وما شاءت الأقدار من فصائل وتناحرات وولاءات.
ومنذ البداية بدأ التعاطي والأزمة الليبية، من منطلق إرضاء الجميع، حلاً عسيراً، لأن أي سلطة تنفيذية مرحلية أو انتقالية تحتاج إلى من يسندها على أرض الواقع.
وطالما أن الفصائل والقوى المتصارعة في إمكانها أن تضغط، أكثر مما ينتج عن مرجعية الوفاق السياسي، يتعذر الإقرار بأن الطريق ستكون سالكة، فالأصل في الوفاق أن يبدأ من ساحة الميدان، في نطاق التزام جماعي بأن الممكن الذي يتم التوصل إليه، وإن كان ناقصاً، أفضل من المستحيل الذي يضع البلاد أمام المجهول.
يكشف النقاش الذي ساد أجواء ما قبل الإعلان النهائي عن تركيبة حكومة الوفاق الوطني، بخاصة في جانبها الذي يخص وزارة الدفاع والمجالات العسكرية والأمنية، عن طبيعة الأزمة، ذلك أن أول التحديات التي سيكون على السلطة التنفيذية مباشرتها تهم جمع الأسلحة وحل التنظيمات المسلحة وإقامة جيش وقوات أمن نظامية لاستتباب الأمن وفرض سلطة الدولة والقانون وضمان استقلالية القضاء، كي لا يتم استخدامه كأداة في الصراع السياسي والعسكري القائم.
الكل يعرف حدود أي سلطة مقترحة لا يكون في وسعها أن تبدأ بتنقية الأجواء الأمنية وإشاعة الثقة. وعندما كان مسؤولون حكوميون وأمنيون يتعرضون للخطف والضغط في تجارب سابقة، كان ذلك مؤشراً إلى ناحية غلبة منطق السلاح على العقل السياسي.
وأي سلطة لا تقوى بغير المؤسسات التي تسندها، إذ يصبح في إمكانها أن تصدر القرارات وتنفذ الخطط، بعيداً عن إكراهات الخوف وأجواء الرعب.
وسواء كان حصر الأزمة الحكومية في مسائل دفاعية وأمنية يعكس جوهر الأزمة، أو يراد بهدف ترحيل الملفات الخلافية التي لم يحن وقت الحسم فيها، فإن اعتلاء الأوضاع في ليبيا صدارة الاهتمام، يتزامن واتساع نطاق الحرب على الإرهاب، لا يترك للفرقاء الليبيين فرصة فرض شروطهم.
أقله أنها لم تقد لغير التمزق واستقواء التنظيمات الإرهابية.
إن مجلساً رئاسياً انتقالياً يفتقد إلى آليات تنفيذ سياسته، لا يمكن إلا أن يكرر تجارب فاشلة، ومنذ اليوم الذي أخفقت فيه البلاد في إقامة مؤسسة منتخبة وحيدة بأذرع اشتراعية تمكنها من اختيار سلطة تنفيذية واحدة، في ظل ممارسة الرقابة السياسية، وليس العسكرية، بدا جلياً أن المشكل قائم في البنيات التي توالدت خارج طبيعة المرحلة الانتقالية.
وبسبب أن التعاطي والأزمة الليبية لم يخرج عن سياق الأمر المفروض بقوة السلاح وتأثير الصراعات الداخلية والخارجية، لم يكن وارداً إنتاج وصفة أخرى برسم الحل غير الموجود حالياً.
مع ذلك يصح الاعتقاد في أن بعضاً من الحلول السياسية المتعثرة أفضل من ترك الحبل على الغارب.
نصف حكومة أفضل من عدمها.
وسيظل الخلط بين ما يستطيعه أي برلمان في الظروف العادية، وبين المطلوب منه في فترات انهيار الدولة، من بين الإشكالات التي يتعين الحسم فيها.
كونها الأساس الذي تنبني عليه الحلول السياسية. ولعل المشكل في ليبيا أن أكثر من برلمان يريد أكثر من حكومة، بينما أقل من حكومة لا تقدر على منح ما لا تتوافر عليه أصلاً.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة