من هذا المثلث انطلقت بروفات سقوط نظام مبارك.. مسيرات ووقفات احتجاج ضد ممارسات داخلية العادلى، التى تسلمت مفاتيح إذلال المواطن
على بعد خطوات قليلة من ميدان التحرير، بالتحديد فى شارع عبدالخالق ثروت، حيث مقر نقابتى الصحفيين والمحامين ونادى قضاة مصر، سطر «مثلث الحريات» المشهد الأخير من مسلسل «القرف» الذى استمر أكثر من ربع قرن.
من هذا المثلث انطلقت بروفات سقوط نظام مبارك.. مسيرات ووقفات احتجاج ضد ممارسات داخلية العادلى، التى تسلمت مفاتيح إذلال المواطن مصرى من «شلة الأنس»، فاستأسدت على الغلبان حتى يمشى داخل الحائط، فلا يتمكن من رفع عينيه فى وجوه أسياده وهم يغرفون من خيرات الوسية، التى رتب الأب لنقل ملكيتها لابنه بعد تهيئة المشهد سياسيا وأمنيا.
ألقى زبانية العادلى بسباك العمرانية ناصر جاد الله من شرفة منزله أمام أولاده، وعذبوا نجار تلبانة نصر عبدالله حتى فاضت روحه، وأشعلوا النار فى جسد المواطن يحيى عتوم» داخل قسم شرطة سيوة، وخطفوا الدكتور عبدالحليم قنديل واعتدوا عليه وألقوه فى الصحراء، وضربوا القاضى محمود حمزة بـ«الجزم» أمام نادى القضاة، وتحرشوا بالصحفيات والناشطات وعرّوهن على قارعة الطريق.
تحول سلم نقابة الصحفيين بشارع عبدالخالق ثروت إلى كعبة لأصحاب المظالم، من له عند نظام مبارك مظلمة يشد الرحال إلى هذا الشارع، إلى حيث يستطيع أن يجهر بمطالبه وحقوقه دون أن يلام.. فى هذه المنطقة فقط شعر المظاليم بالونس، سمعوا من بعضهم البعض، اجتروا حكايات الأسى والجوع والذل والتهميش.
ذابت حركات الاحتجاج السياسى مع التجمعات الفئوية والعمالية، فولدت «كفاية» و«6 أبريل» و«9 مارس»، وخرج القضاة إلى الشارع لينضم إليهم الصحفيون والمحامون والنشطاء السياسيون وموظفو الضرائب العقارية.
كسر الأقباط أسوار الكنيسة وشقوا عصا الطاعة البابوية، ووقفوا فى صفوف الاحتجاج، ليلتقوا فى الشارع بالغاضبين من تزوير انتخابات مجلس الشعب وتأميم رجال «الوريث» للبرلمان.
فى المقابل صم مبارك أذنيه فلم يسمع إلا صوت الأمن «إحنا مسيطرين يا فندم»، وأصوات رجال موافى فى الاعلام، زينوا له سوء عمله فرآه حسنا، «بحكمتك تختال علينا».
لم يفق مبارك إلا على وقع هتاف «أرحل.. الشعب يريد إسقاط النظام» تحاصر قصره، لم يقبل الغاضبون «نحنة» الأصم، ولم ينطلِ عليهم خدعة «لم أكن أنتوى.. وهموت وأدفن فى تراب البلد».
غفل «المخلوع» عن أصوات أصحاب المظالم لسنوات، ووضع مفاتيح السياسية والاقتصاد فى يد الأمن، وظل فى «الغيبوبة» حتى حاسب فى النهاية على «مشاريب» جمال وعز والعادلى، وسقط.
أمس الأول الجمعة شهد شارع قصر العينى أول تجمع حاشد ضم آلاف الغاضبين ضد تجاوزات الشرطة، ليس فقط فى واقعة مستشفى المطرية، لكن فى حق عشرات العاملين بمستشفيات بر مصر بحسب ما رواه أعضاء بالجمعية العمومية للأطباء.
الأطباء والمتضامنون معهم أعادوا هتاف «عيش.. حرية» مرة أخرى إلى وسط القاهرة، لتنطلق انتفاضة «يوم الكرامة» لكن هذه المرة من أمام «دار الحكمة».
حتى كتابة هذه السطور تعامل النظام مع فاعليات عمومية الأطباء كحادث عارض يمكن أن يتم احتواؤه بتوجيه من رئيس الوزراء بمعاقبة المخالفين فى واقعة اعتداء أمناء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية.
قبل أن يصل الغضب إلى محطة الأطباء طال فئات أخرى فى المجتمع، من صحفيين يتم التضييق على أرزاقهم وحرياتهم، إلى قضاة صار وزيرهم «سوطا عليهم بدلا من أن يكون صوتا لهم»، ومن شباب وضعوا فى سجون نظام دعموه وشاركوا فى إسقاط سلفه، إلى معارضين أطلقت الأجهزة عليهم «كلاب الحراسة»، وصولا إلى «ملح الأرض» الذين تسلط الحكومة عليهم «كرباج» الأسعار كل طلعة شمس.
نار الغضب لم تأكل نظام مبارك فى «يوم وليلة»، الحرائق تمددت وتسللت و«المخلوع» ورجاله «عاملين من بنها»، حتى وصلت ألسنتها قصر العروبة.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة