بورصة الموت السورية تنتعش بارتفاع تكاليف الوفاة وعدد الموتى
سنوات الحرب الخمس التي أثقلت كاهل المواطن السوري، أبت أن تكتفي عند هذا الحد، ولكنها أضافت إليه معاناة أخرى وهي فواتير الموت.
أبت سنوات الحرب الخمس، التي أثقلت كاهل المواطن السوري بما جلبته من مصائب وآلام وأعباء، أن تكتفي عند هذا الحد، ولكنها أضافت إليه معاناة من نوع آخر اقتحمت حياته في الآونة الأخيرة، ألا وهي فواتير الموت.
فقرار تعديل تكلفة بناء القبر وأجرة الحفار ورسوم الدفن الصادر مؤخرًا عن الحكومة السورية، فضلًا عن ارتفاع جنوني في أجور صالات التعزية بمدينة دمشق، جعل من مراسم العزاء والدفن، التي كانت تقام مكرمة للمتوفى، أعباء تقسم ظهر أهله وتزيد مصابهم.
وبحسب مصدر مقرب من الحكومة، أصدر المكتب التنفيذي في محافظة دمشق في الأول من الشهر الجاري قرارين رفعًا تكلفة بناء القبر وأجرة الحفار ورسوم الدفن لمبلغ وصل إلى 18500 ليرة سورية؛ أي ما يعادل نصف متوسط الدخل الشهري للمواطن السوري.
من جانبه، بيَّن عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق، المحامي فيصل سرور، في تصريحات صحفية، أن التسعيرة الجديدة لأجور مكتب الدفن التي تم تعديلها مؤخرًا لم تتجاوز 30% ورغم ذلك فإنها لا تزال أقل من التكلفة الحقيقية.
وأشار سرور إلى أن ميزانية مكتب الدفن مستقلة وتمول نفسها ما ترتب على المحافظة أن تقدم له معونات مالية بعشرات الملايين من ميزانية مجلس المحافظة.
أجور صالات التعزية 10 أضعاف دخل الفرد:
وفي السياق نفسه، وصلت أجور صالات التعزية في دمشق لأرقام هستيرية، حيث تتراوح ما بين 100 إلى 300 ألف ليرة سورية، وذلك حسب درجة الصالة.
وحول ارتفاع أسعار صالات التعزية، كشف فيصل سرور، أنه تم تشكيل لجنة لدراسة أسعار صالات التعزية، ولكن المشكلة أنه لا يوجد أي مندوب للمهنة أو ممثل عن أصحاب الصالات كلجنة أو رابطة، مؤكدًا أن الموضوع قيد الدراسة.
وبيَّن سرور أن هناك 20 صالة مرخصة بدمشق، و34 طلب ترخيص تتم دراستها في مكتب المهن والرخص، منوهًا بأنه تم توجيه الإنذارات لـ50 صالة مخالفة بغية استكمال إجراءات الترخيص، مضيفًا إنه في حال وجود ممثل عن الصالات ستتم دراسة الأسعار حسب درجات بهدف وضع تصنيف صالات التعزية مع مراعاة كل المستلزمات والتجهيزات اللازمة حولها.
ماذا عن الضحايا؟
الدمشقي نائل زيتاني، في حديثه لبوابة العين الإخبارية، عن المصروفات التي يتكبدها أهالي الموتى وذويهم في سوريا، قال: إن "التعديلات التي أجرتها الحكومة على تكاليف تجهيز القبور لن تقدم ولن تأخر، فهي نقطة في بحر المبالغ الخيالية التي بات يكلفها الموت".
فبداية من ثمن القبور في دمشق شرح الزيتاني أن "عملية شراء القبور تتم بشكل فردي بين المواطنين، ويتراوح ثمن القبر في مقبرة "باب صغير" مثلًا، بين 700 ألف ومليون ليرة سورية في بعض الأحيان، وهو رقم ضخم مقارنة بثمن القبور في السابق حيث كانت تباع قبل 4 أعوام بـ400 ألف ليرة سورية.
واعترف الزيتاني بعدم قانونية هذا الأمر بقوله: إن "القانون يمنع بيع القبور، لكن المواطنين يبيعونها بين بعضهم خارج إطار المحكمة، ثم يقومون بالتنازل عن القبر، بحجة أنه تنازل دون مبلغ مادي، لكن في الواقع يكونوا قد اتفقوا مسبقًا على عملية البيع والسعر خارج إطار المحكمة".
وعن وفاة أخيه الشهر الماضي، قال الزيتاني: "لدينا قبر واحد ملك للعائلة، وللأسف توفيت والدتي العام الماضي، ولا نستطيع دفن أخي في قبر أمه بعد عام واحد فقط من وفاتها، لذلك اضطررنا لشراء قبر، والصدمة كانت بعدم توافر قبور نهائيًّا، ولا نستطيع تغيير المقبرة؛ لأن من عادات أهل دمشق أن تدفن جميع العائلة في نفس المقبرة التي يتبعون لها منذ الماضي".
لكن الصدمة الأكبر كانت بالنسبة للرجل السوري عندما وجد قبرًا لأخيه المتوفى، لكن بقيمة 800 ألف ليرة سورية حسب قوله، معبرًا "يبدو أن الموت في دمشق أصبح للأغنياء والأغنياء جدًّا فقط".
وعن القبور التابعة لصندوق مقابر المسلمين، والتي من المفروض أن تكون برسوم رمزية، قال الزيتاني: "التقدم بطلب لمكتب دفن الموتى في دمشق للحصول على قبر بسعر معقول -إن وجد- بات يحتاج عدة أيام حتى تتم الموافقة عليه، بحكم غياب الموظفين المتكرر بسبب الطرقات المقطوعة وصعوبة التنقل في المدينة الذي سببته الحرب، ومن غير الطبيعي أن يبقى الميت خارج قبر لعدة أيام".
سخرية القدر:
أما بالنسبة لأجور صالات التعزية تحدثت السيدة أمل الجوخدار لـ"بوابة العين" عن تجربتها، فقالت إن العزاء في دمشق كان يستمر لمدة 3 أيام وكنا نقوم بحجز صالتين، واحدة للرجال وأخرى للنساء، أما اليوم فأصبحنا نقتصر أيام العزاء على 2 فقط لأن التكاليف باتت عالية جدًّا.
وبحسب الجوخدار، فإن أكثر الصالات التي يقيم بها الدمشقيون مناسبات العزاء، تتراوح أسعارها ما بين 75 ألفًا و100 ألف ليرة سورية لليوم الواحد، وذلك بحسب نوع الضيافة المقدمة وعدد المضيفات وطريقة تزيين الصالة وترتيبها وعدد الكراسي المطلوبة.
وبطريقة تهكمية علقت الجوخدار على زيادة رسوم الدفن والعزاء "يا لسخرية القدر، فالحكومة وأصحاب الصالات وجدوا في ازدياد عدد الوفيات في سوريا، الفرصة ليكسبوا أموالًا بديلة عن تلك التي كانوا يتقاضونها على الأفراح والاحتفالات وتراخيص المناسبات السعيدة، والضحية دائمًا هي هذا الشعب المظلوم، سواء في فرحه أو حتى في حزنه".
حساب القبر قبل عذابه:
وتعليقًا على الموضوع نشر الرسام الكاريكاتيري، مازن حافظ، على صفحته على "فيس بوك" كاريكاتيرًا بعنوان "حساب القبر .. قبل عذاب القبر".
ويظهر الرسم الكاريكاتوري قبرًا مكسوًّا بالنباتات الخضراء والشاهدة عبارة عن لوحة لمؤشرات أسعار أسهم أشهر مقابر مدينة دمشق، "باب صغير" و"الدحداح" و"نجها".
ومع بداية عالم 2016، ومع اقتراب الأزمة السورية من الدخول في عامها السادس، تحدثت تقارير عن 8 ملايين مهاجر خارج سوريا، وعن 7 ملايين مشرد داخليًّا، وعن 250 ألف قتيل.