يتم فى هذه الآونة الإعداد النهائى لمشروع الموازنة العامة للدولة عن العام المالى 2016/ 2017، والمنتظر تقديمه للبرلمان مع نهاية مارس
يتم فى هذه الآونة الإعداد النهائى لمشروع الموازنة العامة للدولة عن العام المالى 2016/ 2017، والمنتظر تقديمه
للبرلمان مع نهاية مارس المقبل، وهو العام الذى يبدأ فيه تطبيق الاستحقاقات الدستورية القاضية بزيادة الإنفاق العام على كل من الصحة والتعليم والبحث العلمى بنسبة 10% من الناتج القومى الإجمالي، وهو ما يعنى الوصول بحجم الإنفاق على هذه القطاعات الى نحو 277 مليار جنيه، هذا، فضلا عن الإنفاق على الجوانب الأخرى كالأجور والدعم والاستثمار وأعباء الدين العام، وهى كلها أمور تشير الى الحاجة الشديدة لزيادة الانفاق العام بصورة كبيرة، والمشكلة أنها تتزامن مع أوضاع وظروف اقتصادية دولية غاية فى التعقيد والصعوبة، فهناك تراجع كبير فى الطلب العالمى نتيجة لتباطؤ النمو الاقتصادى لدى العديد من البلدان خاصة الصين، والانخفاض الحاد فى أسعار المواد الأولية وعلى رأسها النفط، وغيرهما من الأمور التى تمثل تحديا رئيسيا امام صانعى الموازنة العامة.
ومما يزيد من صعوبة الموقف الأوضاع الاقتصادية الداخلية والتى ليست على ما يرام حيث وصل عجز الموازنة العامة للدولة إلى 11.3% فى ختام 2014/ 2015، ومن المقدر أن يزيد قليلا خلال العام المالى الحالي، ناهيك عن ارتفاع الدين العام المحلى لأجهزة الموازنة والذى وصل إلى 2373 مليار جنيه بنسبة 84% من الناتج، وهو ما أدى إلى ارتفاع أعباء خدمة الدين لتصل إلى 410 مليارات، منها 192 مليارا فوائد، وبنسبة 15% من الناتج، هذا فضلا عن استمرار معدل البطالة المرتفع الذى وصل إلى 12٫8% بعدد متعطلين نحو 3٫6 مليون متعطل وارتفاع مستويات الفقر والتضخم.
كل هذه الأمور وغيرها تدفع للبحث عن سبل جديدة لزيادة موارد الدولة بدلا من زيادة الضرائب رغم أهميتها أو تخفيض النفقات، فمن المعروف أن نجاح السياسة الاقتصادية عموما والمالية منها على وجه الخصوص يتوقف فى تحقيق أهدافه التنموية على عاملين أساسيين هما: الموارد المتاحة للمجتمع والكيفية التى يتم بها استخدام هذه الموارد، ولهذا سوف نحاول التركيز والبحث عن موارد جديدة يمكن أن تساعد فى الخروج من المأزق الراهن.
وهنا يتبادر إلى الذهن مباشرة الحديث عن أوضاع الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة والتى كان من المفترض أن تلعب جانبا مهما فى تمويل الإنفاق العام، والحد من عجز الموازنة عن طريقما تحققه حقوق الملكية فيها، والتى تمثل حقا للخزانة العامة، وللأسف فهذا لم يحدث إلا فى القليل النادر من هذه الوحدات، فعلى الرغم من أن الملكية العامة فى مصر كبيرة ومتشعبة، حيث تتراوح بين الهيئات الاقتصادية (51 هيئة)وشركات قطاع الأعمال العام الخاضعة للقانون رقم 203 لسنة 1991 وعددها 8 شركات قابضة، و156 شركة تابعة، فضلا عن شركات القطاع العام الخاضعة للقانون رقم 97 لسنة 1983 وعددها 47، والشركات القابضة النوعية التابعة للوزارات والشركات الخاضعة لأحكام القانون 159 لسنة 1981 وبنوك القطاع العام والتنمية والائتمان الزراعي، فضلا عن الشركات الخاضعة لبعض الهيئات الاقتصادية مثل هيئة البترول وتتبعها 12 شركة، وقناة السويس ويتبعها 7 شركات وغيرهم.
وعلى الرغم من ان هذه الكيانات تعتبر وحدات مستقلة ذات شخصية اعتبارية ولها استقلالها المادى والإدارى باعتبارها ذات طابع اقتصادى وفقا للقوانين المنظمة لها، وأن العلاقة بينها وبين الموازنة العامة للدولة بمثابة علاقة ملكية تتركز فى نتائج الأعمال وعلاقة تمويلية تتركز فى المساهمة والإقراض، وكان من المفترض ان تحقق هذه الجهات الهدف من استقلالها، وأن تدار على أسس اقتصادية وتجارية تمكنها من تحقيق فوائض مالية أو على الأقل تسهم فى تمويل نفسها ذاتيا، وبالتالى تخفف العبء عن الموازنة العامة للدولة، إلا أن هذا لم يتحقق على الإطلاق بالنسبة لعدد كبير منها، بل وظلت هذه الجهات تحقق خسائر متراكمة عبر السنوات مما أدى إلى التدخل لتمويلها من جديد وبأموال طائلة للغاية، وعلى الجانب الآخر فإن الفوائض المحولة للموازنة العامة للدولة من بعض هذه الجهات، لم تعد تتناسب مع الأموال المستثمرة فيها من جهة، ومع ما تسهم به الموازنة فى هذه الجهات من جهة أخري، فعلى سبيل المثال كان صافى العلاقة بين الهيئات الاقتصادية والموازنة العامة للدولة بالسالب بنحو 90 مليار جنيه، حيث بلغت الأموال المتاحة لها من الموازنة نحو 199.8 مليار، بينما ما آل إلى الموازنة اقتصر على 109 مليارات فقط، وذلك وفقا لختامى 2013/ 2014، أما الوحدات الاقتصادية الأخرى فقد وصل صافى العلاقة بينها وبين الموازنة إلى عجز بنحو 156مليار جنيه حيث أتاحت الموازنة لهذه الجهات 176 مليارا مقابل 20 مليارا فقط آلت إلى الموازنة خلال العام نفسه.
وهى أمور يجب أن تبحث بصورة سليمة وصحيحة حتى نتمكن من إصلاح الاختلالات الأساسية التى تعانيها. مما يجعلها قادرة على الأقل على الوفاء بالتزاماتها دون اللجوء للموازنة، خاصة أن هذه الكيانات تأخذ صيغا قانونية مختلفة ككيانات اقتصادية وتعمل وفقا لأسس اقتصادية بحيث تقتصر العلاقة فيما بينهما على الفائض الذى يئول للخزانة العامة من بعضها، أو توفير ما يتقرر إليها من دعم وقروض والتزامات، وبالتالى أصبح من الضرورى التصدى لهذا الملف المهمل لتحقيق الأهداف المشار إليها آنفا.
المحور الثانى المرتبط بهذه المسالة يتعلق بالمتأخرات المستحقة للحكومة والتى لم يتم تحصيلها حيث يصل هذا المبلغ الى 176 مليار جنيه، مع ملاحظة أن معظمها يرجع إلى مصلحة الضرائب التى وصلت فيها المستحقات إلى نحو 85 مليارا فى نهاية يونيو 2015، وهو ما يحتاج إلى تكثيف الجهود لتحصيل أكبر قدر منها خلال الفترة المقبلة، وتقديم الحوافز المناسبة للحصول عليها.
وثالث الأمور المهمة فى هذا المجال هو المخزون الحكومى الراكد، إذ تشير الإحصاءات الختامية إلى أن قيمة موجودات المخازن للدولة قد بلغت 169 مليار جنيه فى نهاية يونيو 2015، مع ملاحظة أن هذا المخزون يحتوى على قدر لا بأس به من المخزون الراكد الذى يمكن الاستغناء عنه بسهولة، خاصة أن هذه الأصول تتعرض للضياع وفقدان قيمتها سنة بعد أخري. وهنا توجد العديد من المظاهر التى تكشفت خلال دراسة هذا الملف منهاعدم الاستفادة من بعض خطوط الإنتاج والمعدات والأجهزة المشتراة، بسبب عدم الانتهاء من الأعمال الإنشائية، وتجهيز المكان الملائم لتركيبها وتشغيلها، أو عدم توافر العمالة اللازمة للعمل عليها، أو عدم توافر مستلزمات التشغيل أو قطع الغيار اللازمة لها، أو عدم مواكبة بعضها للتكنولوجيات الحديثة، وبالتالى عدم الحاجة إليها، وترك بعض الأجهزة معطلة دون اتخاذ الإجراءات لإصلاحها والاستفادة منها، ناهيك عن وجود بعض الأصناف الجديدة المشتراة أو الواردة كمنح من جهات أجنبية بالمخازن فترة طويلة دون الاستفادة منها. فضلا عن ضعف الرقابة على الأعمال المخزنية بسبب عدم تطبيق لائحة المخازن الحكومية، ناهيك عن تكدس المخازن بالعديد من الأصناف الكهنة والخردة والراكدة المستغنى عنها منذ فترات طويلة دون اتخاذ إجراءات التصرف فيها. هذا فضلا عن انتهاء صلاحية بعض هذه الموجودات.
لكل هذه الأسباب وغيرها يصبح من الضرورى العمل على اتباع سياسة جديدة للتعامل مع المخزون الحكومى تأخذ بعين الاعتبار ضرورة مراعاة الشراء المركزى للاحتياجات، وهو ما يوفر قدرا لا بأس به من الأموال المهدرة، وضرورة تحديث بيانات المخزون حتى تعلم الجهات المختلفة ما لدى الجهات الأخرى من أصناف قد تكون فى حاجة إليها، وهذا لن يتأتى إلا عبر تكويد المخزون الحكومى واتباع سياسة الشراء المركزى.
كل هذه المحاور تسهم فى الحد من عجز الموازنة العامة للدولة مما يساعد على تعزيز النمو الاقتصادي، وتشجيع استخدام الموارد بكفاءة وفعالية وإحداث التغييرات الهيكلية المطلوبة فى الاقتصاد، وتدعيم القواعد الإنتاجية، وإزالة المعوقات التى تحول دون تفعيل عمل الأدوات الاقتصادية، والوقوف فى وجه التحديات الصعبة التى تواجه الاقتصاد المصرى خلال الآونة الحالية.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة