محمية المرزوم.. عندما يمتزج إرث الأجداد بنهضة الإمارات
العاصمة الإماراتية أبوظبي تحتضن على بعد 120 كليو مترا منها محمية المرزوم في المنطقة الغربية لممارسة الصقارة (الصيد بالصقر)
تعتبر دولة الإمارات شريكاً أساسياً ومساهماً مهماً في المهمة الدولية للحفاظ على البيئة، ولم تلهها الحضارة الناشئة فيها عن الاهتمام بالأرض وصنع المحميات الطبيعية والمحافظة على الحياة في ظروف طبيعية صعبة وقاسية.
وتهدف تلك المحميات إلى حماية البيئة الطبيعية، والمحافظة على الموارد الطبيعية الموجودة فيها، إلى جانب المساهمة في تطوير السياحة البيئية في الإمارات من خلال إنشاء محميات جديدة ومتنوعة.
وتحتضن العاصمة الإماراتية أبوظبي على بعد 120 كليومترا منها محمية المرزوم في المنطقة الغربية لممارسة الصقارة (الصيد بالصقر)، والتي تقدم لعشاق الصيد والتراث ومرتاديها تجربة فريدة من نوعها في الصيد التقليدي بالطرق القديمة على مساحة إجمالية مخصصة للصيد تقدر بـ 923 كيلومتر مربع.
وبدأت المحمية باستقبال المرتادين من عشاق الصقارة منذ منتصف ديسمبر الماضي، حيث أصبحت مُتاحة لكافة أبناء الإمارات وزوارها وللسياح على مدار موسم الصيد السنوي، خلال الفترة من نوفمبر إلى فبراير من كل عام برسوم رمزية في متناول الجميع.
وتأتي هذه المحمية الطبيعية، دعما للرياضات التقليدية والتراثية لأبناء دولة الإمارات، وانطلاقاً من الاهتمام الكبير الذي أولاه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، للصقارة، باعتبارها إرثا ثقافيا هاما وقيمة معنوية كبيرة وجزءا لا يتجزأ من الهوية الوطنية والتراث الإماراتي، حيث تسمح المحمية بإتاحة المجال للصقارين بممارسة هذه الهواية الأصيلة داخل الدولة ضمن إطار الصيد المُستدام ووفقاً لقانون الصيد في إمارة أبوظبي، ودون تحمل عناء السفر إلى خارج الدولة
وتختلف محمية المرزوم عن باقي مشاريع محميات الحياة البرية في شتى مناحي العالم باعتبارها تركز على الصقارة وفراسة الصحراء ومختلف أوجه التراث بل أيضا تسعى لتقديم تجربة ثقافية وسياحية لزوارها مميزة بالصيد التقليدي مع الحرص على استدامة الطرائد وتعزيز الوعي بالصقارة والصيد المُستدام.
ويستطيع عشاق الصيد التقليدي أن يبدؤوا جولتهم على ظهر الإبل أو أن يأخذوا قسطا من الراحة في خيم تقليدية توفرها المحمية لمن يرغب بالإقامة والمبيت لليلة واحدة في بيئة الصيد .
وتبدأ الجولة في "المرزوم" بركوب الصقارين على ظهور الإبل ومواكبتهم عبر السيارات القديمة في التنقل كونها من أولى المركبات التي استخدمت في رحلات الصيد وبخط مسار معين بعيداً عن عناصر البيئة الطبيعية تبدأ رحلة المغامرة والمطاردة الشيقة بين الصقار الذي يحمل طيره ليتجه نحو طائر(الحبارى) الذي يعد الطريدة التراثية للصقارين مُسرعاً بحثاً عنها عبر أثرها في الرمال من ثمّ يُطلق الصقر في الوقت المناسب ليتمكن بعد دقائق قليلة من المُطاردة من الانقضاض على الحبارى واصطيادها.
ويعتبر الصقارون أن الصقارة هواية تراثية ورياضة عربية أصيلة وإحدى ركائز التراث الخليجي وتمثل نزعة أصيلة في النفس ومدرسة لتعليم الأبناء الصبر والقوة وروح الجماعة في ظل سحر البيئة الصحراوية الذي لا يُوصف.
ويرون أن أبناء دولة الإمارات تميزوا بتدريب واستئناس الصقور، وكانوا دائماً ملتزمين بأخلاقيات التعامل مع هذه الكائنات الجميلة وبرعوا في معرفة حسن آداب تدريب الصقر ومعاملته وتوارثوها جيلاً بعد جيل وأصبحت لهم وسائل خاصة بهم تعتبر من أنجع الطرق بين مثيلاتها عند أصحاب الهواية والممارسين لهذ الرياضة في العالم.
وتنجح هذه الطريقة التي تحتاج إلى صبر وخبرة جيدة ودقة في المعاملة في تحويل هذا الطير الجارح إلى طير مستأنس مُطيع لأوامر مالكه لتنشأ بينهما ألفة وصداقة عميقة.
وأثبتت السجلات والحفريات حول رياضة الصيد بالصقور أنها ابتدأت مع ظهور الحضارة وعُرفت في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط منذ آلاف السنين ومن ثم انتشرت لمعظم الشعوب والأمم آنذاك وبعدها دخلت إلى أوروبا قادمة من الشرق العربي.
من جهته قال مدير الفعاليات التراثية في لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي عبيد المزروعي لبوابة العين الإخبارية: إن “محمية المرزوم” تُعد من أهم ما يميز التراث الإماراتي الذي يحرص أهل الإمارات على الحفاظ عليه وتطويره ليواكب معايير الاستدامة الحديثة وتماشياً مع سعي إمارة أبوظبي إلى تعزيز هذا الموروث التاريخي الهام عبر تنفيذ العديد من المبادرات التي يأتي في مقدمتها إطلاق مدرسة محمد بن زايد للصقارة وفراسة الصحراء وفعاليات مهرجان الصداقة الدولي للبيزرة إضافةً إلى نجاح جهود تسجيل الصقارة في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة اليونسكو.
وقال المزروعي: إن إدارة المحمية بالتعاون مع اللجنة، تسعى لتنظيم رحلات للسائحين للتعرّف على الطرق التقليدية للصيد بالصقور، ورحلات لطلاب المدارس للتعرف على الموروث الثقافي الخاص بالصيد بالصقور، مواقع للتخييم، تنظيم بطولات ومسابقات الصيد بالصقور، وتنظيم دورات تدريبية لتعليم الصقارة، وتأسيس مطاعم إماراتية تراثية في المحمية، وأنشطة ثقافية أخرى، بهدف الحفاظ على البيزرة كتراث معنوي، وتقديم تجربة سياحية متفرّدة، والسعي للترويج للمشروع عبر العديد من الوسائل المهمة، كأندية الصيد المحلية والعالمية، وكالات السياحة والسفر، المشاركة في المعارض المتخصصة، وعبر قنوات التواصل الاجتماعي.
وجاء تأسيس المحمية بحسب القائمين عليها مع تزايد الطلب على إقامة مشروع يسمح بالصقارة ضمن إطار قانوني نظراً لمحدودية العرض محلياً ودولياً حيث يتسم السوق المحلي بالافتقار إلى توفير تجارب مماثلة تسمح بالصيد بالصقور وتعليمها للمهتمين وللسائحين بشكل قانوني ومنظم.
وكانت إمارة أبوظبي تبنّت في أوائل السبعينيات من القرن الماضي مشروعا لإعادة توطين طائر الحبارى بمبادرة من الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بهدف الحفاظ على الأنواع وحمايتها من الانقراض.
وتُحيط بمنطقة الصيد محمية طبيعية شاسعة حيث تتوفر عدّة نقاط مرتفعة يمكن استغلالها لمشاهدة الطبيعة والحيوانات في الموقع وتحتوي المحمية على نمط نبات الغضا الطبيعي الذي تتفرّد به إمارة أبوظبي.
وتشغل منطقة الغربية، التي تقع بين الربع الخالي والخليج العربي غرب أبو ظبي، مساحة تقارب 60000 كيلو مترًا مربعًا تحتوي على أغنى احتياطيات البلاد من النفط والغاز.
تمثل الغربية تنوعًا في المكان وانعكاسًا فريدًا على أسلوب الحياة الإماراتي الناشئ. وقد منحت الغربية اهتمامًا خاصًا من قبل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي كرس الوقت والجهد لتطوير المنطقة وتحسين جودة الحياة لأهلها.
تتميز الغربية باتساع رقعتها الجغرافية وانخفاض كثافتها السكانية. ويوجد بالمنطقة سبعة تجمعات سكنية رئيسية تقدم كل منها طائفة متنوعة من الخدمات والفرص لعامة السكان، وهذه المدن هي مدينة زايد والمرفأ وغياثي وليوا والرويس والسلع ودلما. وتتوزع الكثافة السكانية على هذه المدن السبعة حيث توجد أعلى التركيزات في مدينة زايد والرويس.
aXA6IDMuMTM4LjM2LjE2OCA= جزيرة ام اند امز