مثقفو مصر يودّعون "سفير القطرين" خالد زيادة
تظاهرة حب نظمها مثقفون مصريون وشخصيات عامة في وداع السفير اللبناني بالقاهرة بعد انقضاء مهمته الدبلوماسية لمدة 8 سنوات..
في لقاء تحول إلى مظاهرة حب وتقدير، الاثنين بمكتبة القاهرة الكبرى بالزمالك، ودع مثقفون مصريون السفير اللبناني، الدكتور خالد زيادة، بمناسبة انتهاء عمله كسفير لبلده في القاهرة لمدن ثماني سنوات، كان فيها من أبرز الوجوه الثقافية الفاعلة وواحد من أنشط الدبلوماسيين العرب، ربطته علاقات صداقة قوية خلالها برموز الثقافة المصرية والعربية.
كانت الدار المصرية اللبنانية، قد نظمت حفل توقيع ومناقشة لأربعةٍ من كتب زيادة نشرتها له، وهي «تطور النظرة الإسلامية إلى أوروبا»، «لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب»، «الخسيس والنفيس ـ الرقابة والفساد في المدينة الإسلامية»، و«الكاتب والسلطان ـ الفقيه والمثقف». شارك في المناقشة الناقد صلاح فضل، والباحث السياسي نبيل عبد الفتاح، وأدار اللقاء الناشر محمد رشاد، رئيس مجلس إدارة الدار المصرية اللبنانية.
استهل رشاد اللقاء بالترحيب بالحضور وتقديم المشاركين، ووجه الشكر للسفير المثقف خالد زيادة على حضوره العارم طوال فترة وجوده في القاهرة، "كان خلالها مثالا للدبلوماسي الهادئ الرصين، والمثقف الفاعل المنتج"، مشيرا إلى أنه بقدر سعادته بالاحتفال بكتبه الأربعة الصادرة عن الدار بقدر حزنه لتوديع السفير العائد إلى بلاده عقب انتهاء مهمته الدبلوماسية.
الناقد صلاح فضل، ألقى كلمة حيا فيها زيادة، مطلقا عليه لقب "سفير القطرين"، معتبرا حضوره الثقافي الوهاج يماثل حضور بعض الرواد اللبنانيين الذين هاجروا إلى مصر مستهل القرن الماضي واستقروا بها، ومنهم خليل مطران، ومثلما استحق مطران لقب "شاعر القطرين"، فإن زيادة يستحق أيضا لقب "سفير القطرين"؛ مصر ولبنان.
وأضاف فضل أن دراسات زيادة "المفكر والفيلسوف" عن العلاقة بين العرب وأوروبا تكمل دراسات مهمة بدأت في بدايات القرن العشرين على يد جيل الرواد، واستدعى وقائع ووشائج تذكر بفترات من الانفتاح الثقافي العربي-العربي، سمحت بحرية الانتقال والتفكير والنشر وهي مساحات رآها البعض تميل إلى التقلص والانحسار، وأننا نحيا في فتر جزر نتمنى أن تنتهي سريعا.
ثم تحدث الكاتب والمحلل السياسي، نبيل عبد الفتاح الذي ألقى كلمة طويلة، من ورقة أعدها سلفا بعنوان «المفكر خالد زيادة.. صورة من قريب للدبلوماسية الثقافية»، قائلا إن خالد الدبلوماسي، هو خالد الأكاديمي والمثقف، استطاع أن يجمع في فرادة ربما لم يسبق إليه إلا قلة -صلاح سيتيه السفير اللبناني والشاعر بالفرنسية، وغسان تويني المثقف والوزير والديبلوماسي، وطارق متري صديقنا المشترك والسفير عادل ضاهر- وهو ما يمثل دبلوماسية المثقف الذي يعرف كيف ينتقي اللغة في أناقة وقوة في التعبير عما يريده، والذي يتفهم في عمق الشخصيات السياسية والديبلوماسية، ونظائره وأشباهه من المثقفين، وقدرته على الفرز والتقييم النقدي السليم في معرفة الوجوه والأقنعة والإمكانات والإنجازات.
وأضاف عبد الفتاح أن زيادة أحد السفراء القلائل الذين تداخلوا في الحياة الثقافية المصرية حضوراً وكتابة ونشراً لأعماله، وبنى جسوراً من الحوار والمودة والصداقة مع أطراف من أجيال متعددة في الثقافة المصرية، ولم يقتصر فقط على الأسماء اللامعة، قائلا إن زيادة "نموذج للمثقف الرفيع التكوين أصيل الفكر وعميق المعالجات في دراساته وكتبه وفي ممارساته كدبلوماسي جاء من دائرة المثقف والأكاديمي.. أحد القلائل الذين تداخلوا في الحياة الثقافية المصرية حضورا وكتابة".
وتابع "زيادة باحث قدير، يؤمن بضرورة تجديد الفكرة العربية في عالم عربي يعاني من الانقسامات والتشرذم والتفكك والانهيارات من خلال دراساته عن تحولات العالم العربي بداية من العصر المملوكي وصولا إلى مصر الليبرالية والناصرية وحتى الآونة الأخيرة".
في ما أنعش الروائي المصري عبده جبير، اللقاء بذكرياته الحرة المتدفقة عن فترة وجوده في لبنان، روى تجربة زمالته لزيادة في العمل الصحفي في بيروت منذ نهاية 1973 حين كانت لبنان "جاذبة للمغضوب عليهم من المثقفين العرب" ينشرون فيها ما لا يستطيعون نشره في بلادهم، وفيها عُرض فيلم (العصفور) ليوسف شاهين عام 1973 قبل السماح بعرضه بالقاهرة في العام التالي.
حضر الندوة مسؤولون ومثقفون مصريون؛ منهم نائب رئيس الوزراء الأسبق يحيى الجمل، ووزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازي، والروائيان إبراهيم عبد المجيد ومكاوي سعيد، والروائي والدبلوماسي عز الدين شكري، والناقد محمود عبد الشكور، والروائية بسمة عبد العزيز، ومنظم الندوة الناشر محمد رشاد والسفير المغربي محمد سعد العلمي، والسفير الفلسطيني السابق بركات الفرا الذي اقترح على زيادة أن يكتب تجربته في العمل بالجامعة العربية طوال ثماني سنوات "شهدت كثيرا من الخلافات وكان (زيادة) صوتا هادئا يجمع ولا يفرق".
وتحدث السفير خالد زيادة، الذي بدا عليه التأثر الشديد، إنه لم يتوقع أن يشغل منصبا دبلوماسيا قبل عمله سفيرا بمصر وإن تجربته في مصر "كانت ثرية بالتواصل مع أجيال من المثقفين" كما استطاع أن ينظم وقته ليتمكن من كتابة مؤلفاته الأخيرة التي نشرها في القاهرة، موجها الشكر العميق لكل من "تجشّم عناء الحضور اليوم" ولكل الأصدقاء والصديقات، الكتاب والمثقفين الذين أعتز بهم وبصداقتهم.
خالد زيادة، كاتب ومؤرخ وأديب ومفكر، من مواليد مدينة طرابلس بلبنان العام 1952، وحصل على إجازة الفلسفة من الجامعة اللبنانية سنة 1977، والدكتوراه من جامعة السوربون الثالثة، باريس 1980. أستاذ جامعي وباحث تاريخي مرموق له العديد من المؤلفات في التاريخ الاجتماعي والثقافي؛ منها: «الكاتب والسلطان ـ من الفقيه إلى المثقف»، و«الخسيس والنفيس ـ الرقابة والفساد في المدينة الاسلامية»، كرّس بعض مؤلفاته لدراسة العلاقات الإسلامية الأوروبية، مثل «تطور النظرة الاسلامية إلى أوروبا»، و«المسلمون والحداثة الأوروبية»، و«لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب». بالإضافة إلى ذلك، كتب ثلاثة أعمال أدبية جمعها في كتاب بعنوان: «مدينة على المتوسط» وهي تحكي سيرة مدينة طرابلس. كما نشر رواية بعنوان «حكاية فيصل»، تدور أحداثها حول الثورة العربية في النصف الأول من القرن العشرين. شغل منذ العام 2007 منصب سفير لبنان في القاهرة، والمندوب الدائم لها في جامعة الدول العربية.
aXA6IDE4LjExOS4xMzcuMTc1IA==
جزيرة ام اند امز