بدأت مدينة صبراتة الليبية تعود للحياة بعد صدمة المعارك العنيفة التي خاضتها أجهزتها الأمنية مع تنظيم "داعش"
بدأت مدينة صبراتة الليبية تعود للحياة بعد صدمة المعارك العنيفة، التي خاضتها أجهزتها الأمنية مع تنظيم "داعش" الذي احتل، وسط المدينة، القريبة من طرابلس لساعات، الأسبوع الماضي.
ومع توقف المعارك في ضواحي المدينة الساحلية، الواقعة على الطريق بين العاصمة والحدود التونسية، فتحت معظم الأسواق والمحلات التجارية أبوابها، وشهدت الشوارع عودة، ولو خجولة، لحركة السير، فيما لا تزال المدارس والمصارف مغلقة.
وقال محمد، القيادي في مجموعة مسلحة محلية قاتلت عناصر "داعش"، لوكالة فرانس برس، "ما حدث كان بمثابة صدمة كبيرة للجميع، كانوا يتواجدون في منازل عند أطراف المدينة، وفجأة تسللوا إلى وسط صبراتة ليعلنوها إمارة".
وأضاف "لكننا قاتلناهم بشراسة وهزمناهم وطردناهم، والمدينة بدأت تستفيق شيئًا فشيئًا، وتعود إلى طبيعتها"، وقال بثقة: "ليس لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أي حاضنة شعبية هنا أو في أي مكان آخر في ليبيا".
لم نر قتالًا مماثلًا
وفي تحرك مفاجئ، تمكن نحو 200 عنصر من تنظيم "داعش" من السيطرة لساعات ليل الثلاثاء - الأربعاء الأسبوع الماضي على وسط مدينة صبراتة (على بعد 70 كلم شرق طرابلس)، حيث اقتحموا مديرية الأمن واحتلوا أبنية مجاورة لها.
وقال أسامة الجدي، في سوق الخضار الرئيسي في المدينة لفرانس برس: "ظهروا فجأة وبثوا الرعب، خفنا على صغارنا وعلى أهلنا".
وتابع "نحن فرحون بعودة الأمن إلى صبراتة، وبعون الله لا مكان لهم هنا، ولا يمكن أن يعيشوا بيننا".
واستغل التنظيم انشغال الأجهزة الأمنية الموالية لتحالف "فجر ليبيا" العسكري، المسيطر على طرابلس ومعظم مناطق الغرب، في ملاحقة عناصر تابعين للتنظيم في ضواحي صبراتة، لتظهر خلايا نائمة تابعة له في وسط المدينة.
وتمكنت الأجهزة الأمنية في المدينة، الموالية سياسيًّا لحكومة طرابلس غير المعترف بها دوليًّا، من طرد هؤلاء العناصر إلى أطراف المدينة، وخاضت معهم على مدى أسبوع معارك توقفت السبت بإعلان سلطات المدينة "الانتصار" على التنظيم.
وأوضح محمد "كانت معركة شرسة جدًّا، لقد قاتلنا (معمر) القذافي، وقاتلنا غيره، لكن هذه المعركة مختلفة تمامًا، كانوا مقاتلين شرسين، ونحن لم نر قتالًا مماثلًا من قبل".
وتابع "هم يقاتلون ولا يخشون الموت، ونحن أيضًا، وعندما أدركوا هذا الأمر، تفككوا، فأسرنا منهم، وقتلنا آخرين، ومن تبقى يختبئ حاليًا في منزل أو في استراحة، لكننا سنلاحقهم حتى النهاية".
واعتبر محمد أن "العمل العسكري انتهى، وبدأ العمل الأمني".
وقتل في المعارك، التي شاركت فيها مجموعات مسلحة من مناطق أخرى في غرب ليبيا قدمت إلى صبراتة، نحو 40 من مقاتلي القوات المدافعة، بينما أصيب العشرات بجروح.
وكان ذلك أول ظهور علني لتنظيم "داعش" في صبراتة التي تضم موقعًا أثريًّا رومانيًّا فينيقيًّا جميلًا.
ووقعت أحداث صبراتة، بعد 4 أيام من مقتل 50 شخصًا في غارة جوية نفذتها طائرة أمريكية على مقر لتنظيم "داعش" في إحدى ضواحي المدينة.
وتقول السلطات التونسية، إن منفذي اعتداءات كبرى في تونس تدربوا في معسكرات في صبراتة.
المحلات تعمل والمدارس مغلقة
ومع توقف المعارك، أعلن عميد بلدية صبراتة حسين الدوادي أنه تقرر "تشكيل غرفة عمليات مشتركة تختص بالبحث والتحري والقبض على من تبقى من فلول عناصر التنظيم ومن يؤويهم داخل المدينة".
ودعا الدوادي، بحسب ما نقل عنه موقع البلدية الاثنين، "الأهالي إلى أن يكونوا على قدر من المسؤولية والوطنية، وبأن يساهموا بعودة الحياة الطبيعة داخل المدينة من خلال افتتاح المحلات التجارية والمخابز وكافة المؤسسات".
وبدأت المدينة تستعيد نمط حياتها الطبيعي منذ الأحد، وفتحت معظم المحلات التجارية أبوابها أمام الزبائن الذين قلت أعدادهم مقارنة مع الفترة التي سبقت الأحداث الأخيرة.
ومن المفترض أن تعيد المصارف فتح أبوابها هذا الأسبوع، بينما تبقى المدارس مغلقة أمام الطلاب بحسب موقع البلدية الذي أعلن "استمرار تأجيل الدراسة في كافة المؤسسات التعليمية داخل البلدية حتى تستقر الأوضاع بشكل رسمي".
وقال محمد الفتحلي، وهو يتبضع في سوق الخضار: "اليوم أفضل من أمس، وأمس أفضل من الذي قبله، ونأمل أن تفتح المدارس والمؤسسات كلها قريبًا، وأن يعود كل شيء إلى طبيعته".
وتنتشر عند مداخل المدينة، وفي داخلها، نقاط التفتيش التي يتولاها عناصر مسلحون ارتدى بعضهم ملابس عسكرية، بينما حضر آخرون بملابس مدنية.
ومنذ أكثر من عام، يسعى تنظيم "داعش"، الذي يسيطر على مناطق واسعة في العراق وسوريا، إلى التمدد في ليبيا، مستغلًا الفوضى الأمنية الناتجة عن النزاع على الحكم بين سلطتين: أحداهما في طرابلس، والأخرى في طبرق (شرق) معترف بها دوليًّا.
ويسيطر التنظيم الإرهابية على مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) المطلة على البحر المتوسط على بعد نحو 300 كلم من السواحل الأوروبية، ويقاتل في مدينة بنغازي (ألف كلم شرق طرابلس)، ويتواجد في محيط درنة المجاورة.
وتدفع الأمم المتحدة والدول الكبرى نحو تشكيل حكومة وفاق وطني توحد سلطات البلد الغني بالنفط لمواجهة الخطر الإرهابي المتصاعد، لكن الخلافات السياسية تعيق مساعي تشكيل هذه الحكومة.
وقال أحد سكان "صبراتة" لفرانس برس، مفضلًا عدم الكشف عن اسمه: "ما نشهده اليوم هو نتيجة الصراعات السياسية، السياسيون هم السبب الرئيسي، وهم أوصلونا إلى هنا ومهدوا الطريق أمام المتطرفين".