في تأبين علاء الديب.. العازف عن الأضواء والشهرة
كاتبان من جيلين مختلفين يتحدثان عن الراحل علاء الديب في تأبينه بالمركز الدولي للكتاب بالقاهرة للحديث عن إبداعاته ومساهماته الثقافية
على شرف إبداعاته ومسيرته الإنسانية، ومحاولة استجلاء أثره في الحياة الثقافية المصرية لأكثر من خمسة عقود متصلة، تحدث كاتبان من جيلين مختلفين ربطتهما بالكاتب الراحل علاء الديب (توفي قبل أسبوعين بالقاهرة عن 77 عامًا) أواصر محبة وصداقة وتلمذة إبداعية وإنسانية، وإن تفرقت بهما سبل الكلام، بين كاتب مبدع وقاص كان الديب من أوائل من نوهوا بموهبته وأشادوا بكتابته، وبين ناقد شكل الديب مساحة واسعة من تكوينه النقدي وثقافته الأدبية.
في حفل تأبين الكاتب الراحل علاء الديب، الذي أقيم، الأحد، بالمركز الدولي للكتاب، شارك فيه كتاب وناشرون ومترجمون، تحدث كل من الكاتب والقاص شريف عبدالمجيد والناقد إيهاب الملاح.
القاص والمصور شريف عبدالمجيد، روى جوانب تجربته الإنسانية والإبداعية مع الكاتب الراحل، الذي اشتهر باحتضان المواهب الشابة ودعمها والكتابة عنها والتنويه بأعمالها الأولى، واستطرد عبدالمجيد في حكي ذكرياته الشخصية عن صاحب «6 روايات قصيرة».
قدم شريف عبدالمجيد ما يشبه البانوراما لمجمل إنتاج الديب، منوهًا بأنه من الكتاب الذين واكبوا الحداثة الإبداعية دون أن يتخلوا عن مصريتهم الأصيلة في كتابتهم، وأنه كان صوتًا فريدًا ومتميزًا ضمن مبدعي جيله، حريصًا على تجسيد هموم وانشغالات الطبقة الوسطى المصرية جماليًّا، ورصد التصدعات والشروخات التي تعرضت لها منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي.
عبدالمجيد أضاف أن علاء الديب كان قد أشاد به في مقال كتبه في جريدة القاهرة عن كتابه «سيوة»، وهو الأمر ذاته الذي فعله حين كتب عن مجموعته القصصية الأولى «خدمات ما بعد البيع» عام 2007، حينها، وبحسب عبدالمجيد، فوجئ بالديب يكتب مقالا كاملا عنه وعن مجموعته مشيدًا بها، يقول عبدالمجيد إن صاحب «عصير الكتب» قد أذهله بكلماته التي قال فيها "مجموعة قصصية مميزة ومثيرة للقلق تضع القارئ في حالة عالية من التوتر والانتباه للتغيرات الحادة التي تطرأ على الإنسان والمكان والقيم، مشيرًا إلى المصير الغامض المخيف الذي تدفع إليه التكنولوجيا والعولمة المتوحشة، وبكثير من الجهد والاهتمام يستطيع شريف عبدالمجيد أن يجد مكانًا خاصًّا لفن القصة القصيرة الجديدة وسط طوفان الروايات السهلة والقصة القصيرة التقليدية".
وتطرق عبدالمجيد لعلاقته بعلاء الديب عقب ثورة 25 يناير، والدعم الإنساني الكبير الذي قدمه الديب له في مشروعه الكبير لتوثيق فن الجرافيتي الذي ظهر مع الثورة.
وأضاف عبدالمجيد أن علاء الديب رحمه الله كان من النبل والشرف والبعد عن الصغائر في مكان رفيع لم يضارعه أو يناظره فيه أي من أبناء جيله، الذين كان أغلبهم منخرطين في العمل الرسمي والتكالب على المناصب، فيما كان الديب عزوفًا عن الأضواء والشهرة مدافعًا شرسًا عن استقلاليته وحريته ككاتب وصاحب مبدأ، كل هذا جعل الديب قبلة حقيقية لكل موهبة جادة ومخلصة تريد أن يرى كاتبًا بحجمه وقيمة عمله الأول بين يديه، أما إذا كتب عنه فهذا إعلان أصيل وشهادة لا تنزع بأن صاحب هذه الموهبة قد أعلن ميلاده الأدبي على يدي علاء الديب.
فيما استهل الناقد إيهاب الملاح حديثه، قائلا "كان من النبلاء القليلين من أبناء جيله، يشمل بعطفه وعنايته كل صاحب موهبة وشاب مقبل على الكتابة بغض النظر عن قربه أو بعده من الأضواء، ودون أن يكون هناك سابق معرفة أو اتصال، أسس مدرسة حقيقية في الكتابة الثقافية، شهرت بـ"عصير الكتب"، كانت بحق "عصيرًا" وخلاصة مقطرة، تقوم على القراءة الواعية المستوعبة، والكتابة السهلة اللماحة الذكية"..
وألقى الملاح الضوء على إسهامات الديب الثقافية والإبداعية التي امتدت منذ ستينيات القرن الماضي وحتى وفاته في فبراير من العام الحالي.
وأكد أن الديب لم يكن مجرد كاتب مرموق من بين أبناء الستينيات ولا مثقف رفيع فقط من بين أبناء هذا الجيل الأشهر، بل كان ضمير عصر، وروحًا معذبة مثقلة بهمومها وشجونها التي عبر عنها وجسدها خير تجسيد في أعماله الروائية والقصصية، خاصة ثلاثيته الروائية «أطفال بلا دموع»، و«قمر على المستنقع»، و«عيون البنفسج».
الروايات الثلاث، اعتبرها الملاح، مرثية سردية حزينة لجيل من المثقفين انكوى بالهزائم وتحطمت آماله على صخرة التحولات السبعينية وما تلاها، كتبها الديب بنفس روائي عذب، ولغة رائقة فريدة، لغة سهلة لكنها لا تشبه غيرها، بسيطة وشاعرية، تنحت صفاءها وتخلق نقاءها وتطفو حمولاتها التأملية والفلسفية ببراعة وخفة على ضفاف المتن الروائي.
واختتم الملاح حديثه بالإشارة إلى أن الديب في سنواته الأخيرة، كان بيته في المعادي واحة هادئة لاستقبال محبيه وكل راغب في مجالسته والاستئناس بخبرته وآرائه وحسه الإنساني، وأشار إلى أن عشرات من الكتاب والمثقفين، الشباب والراسخين، كانوا يتوافدون على الكاتب النبيل، الحزين، العزوف عن الشهرة والأضواء وكذلك عن الانغماس في حياة ثقافية قوامها النميمة وغذاؤها صراعات وأحقاد ومؤامرات وضغائن.
دائما ما كان يبدو حزينا، يقول الملاح، راويا عنه قوله "أضيق بالحزن الذي يغلف الأشياء من حولي، وأحيانًا أتصارع معه لكي أخرج منه.. وعلى الرغم من أن الشخص منا تدرب على معاشرته نوعًا ما تبقى في النهاية مشكلة، وهي الشعور بأنك تثقل به على الآخرين وهذه هي العلاقة بين الحزن والعزلة، لذا أفضل ألا أجلس مع الآخرين وأنا حزين".