«دون كيشوت» في طبعة جديدة عن القومي للترجمة
طبعة جديدة من الترجمة العربية الكاملة للعمل الروائي الأشهر «دون كيشوت» لثربانتس عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة في مجلدين.
«دون كيشوت» أو (سيرة الشريف العبقري دون كيخوتي دى لامانشا) لأبي الرواية الحديثة الإسباني ميجيل دي ثربانتس سابيدرا، أعاد المركز القومي للترجمة بالقاهرة إصدار طبعة عربية كاملة من الرواية الأشهر بعد أكثر من 10 سنوات من صدور ترجمتها العربية الكاملة بتوقيع الدكتور سليمان العطار، أستاذ الأدب الأندلسي بكلية الآداب جامعة القاهرة.
يوضح العطار في مقدمة ترجمته الكاملة للرواية، أنه ليس بغريب أن يظل الإسبان يحتفلون بهذا النص الخالد بشتى أنواع الاحتفال إلى اليوم، مدللًا على ذلك بما ما تقوم به حلقة الفنون الجميلة في إسبانيا وما تقوم به إلى اليوم، من دعوة متطوعين سنويًّا في ذكرى ثربانتس لقراءة النص دون توقف لمدة 24 ساعة، تضاعفت عام 1998 إلى 48 ساعة، وكانت تذاع على شاشات التلفزيون في كل أنحاء إسبانيا والعالم الناطق بالإسبانية.
تدور الرواية حول النبيل الشريف "دون كيشوت" الذي سيغادر قصره ليخوض تجربة الفروسية مرتين؛ في الأولى كان وحيدًا، عديم الخبرة بالعالم الخارجي، لذلك كانت هزيمته سريعة، وجروحه بالغة، وعاد إلى بيته وهو على وشك الموت، لكنه لم يمُت، بل وجد نفسه يستعيد هذه المغامرة الصغيرة الفاشلة، فتمتلئ روحه التي لا تعرف الوهن ولا الشيخوخة بالعزم على العودة مرة أخرى، هكذا يعاود الخروج مرة أخرى بعد أن أقنع أحد الفلاحين الذين يعملون عنده -سانشوبنزا- بأن يكون تابعًا له.
وهكذا تبدأ واحدة من أكبر المغامرات في التاريخ الروائي، حروب ضد العمالقة التي هي في حقيقتها طواحين هواء، وضد الجيوش المسحورة التي هي أغنام، وتقديم فروض الطاعة لأميرات هن بائعات هوى، وإنقاذ لفرسان هم في الأصل مجرمون، وهكذا تمضي ثنائية "الوهم والحقيقة" دون توقف، وتتحول كل هزيمة ساحقة -من وجهة نظره- إلى انتصار مؤزر، ويتلقى (دون كيشوت) من الضربات أكثر مما يوجه من طعنات، ويمتلئ جسده بالجروح البالغة، ولكنه لا يموت، بالرغم من جسمه الواهن، وعظامه الهشة وعمره المتأخر.
نشر سرفانتيس الجزء الأول من (دون كيشوت)، عام 1605، ولم ينشر الجزء الثاني إلا قبل وفاته بقليل في عام 1616، يقول سرفانتس إنه قد كتب هذه القصة ليسخر من عصر الفرسان، ومن الروايات التقليدية، التي كان الناس يدمنون قراءتها في عصره، ولكنه في واقع الأمر كان يحاول اكتشاف الفارس النبيل في داخله، الفارس الذي أرغمته الأقدار على العيش داخل جلد رجل وضيع، محاصر بالديون والاتهامات، كان كاتبًا عبقريًّا خذله عصره، فلم يوهب له من الحياة إلا هامش ضئيل، وكان عليه أن يعلو على هذا الهامش حتى يكتشف الأفق المترامي خلفه، ولم يكن أمامه إلا القلم والورق، لقد عاش مطاردًا من جرائم ارتكبها، وأخرى لم يرتكبها، وكان في حاجة إلى العدل، وليس أفضل من فارس شاكي السلاح يرسي هذا العدل في رحلة لا تنتهي.
انتقد ثربانتس كل عصره، وربما العصور التي سبقته، هاجم القوانين السائدة، وقساوسة محاكم التفتيش المتعصبين، والكتاب الذين يدعون الحكمة، بينما يسطون على كتب القدماء، والحكام المحليين الغارقين في الفساد، والأدعياء والمتملقين الذين جعلوا من أصحاب الموهبة الحقيقية -مثله- في حضيض السلم الاجتماعي. باختصار كتب عن الفارس الذي كان يأمل أن يكونه ولكنه لم يستطِع؛ ولأن الموهبة غلَّابة كما يقولون، فقد تمرد (دون كيشوت) على كاتبه، واكتسب حياته الخاصة، لم يعد قناعًا يختفي المؤلف خلفه، ولكنه كائن حقيقي يواجه الكون كما يجدر به، مشكلته أنه خرج للعالم الحقيقي بعد طول احتجاب، دون مرجعية يستعين بها، فاختلط أمامه الخير بالشر، والوهم بالحقيقة.
مؤلف الرواية هوميجيل دي ثربانتس سابيدرا، وشهرته ثربانتس، ولد في قرية بجوار مدريد في عام 1547، شارك في معركة ليبانتو في عام 1571، والتي هُزم فيها الأسطول التركي الذى لا يقهر، حيث أظهر شجاعة منقطعة النظير وجرحت يده اليسرى جرحًا أصابها بالشلل، وظل هذا الجرح مثل وسام يفخر به طوال حياته، اشتغل بالأدب كاتبًا للقصة والرواية والمسرح والشعر الغنائي دون تفرغ، حيث اضطر للعمل في الأسطول الإسباني. وفي عام 1605 يفاجئ ثربانتس العالم بنشر القسم الأول من العمل الأدبي الأشهر في تاريخ الرواية الحديثة «دون كيشوت» واعدًا بنشر القسم الثاني، الذى لم ينشره إلا تحت ضغط الغضب بسبب قيام كاتب رديء بنشر القسم الثاني في مدينة سرقسطة، حيث تم نشره في العام 1615 أي قبل موته بأشهر قليلة، إذ توفي في أبريل 1916.
مترجم العمل، الدكتور سليمان العطار، أستاذ الأدب الأندلسي بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة، وله بجانب أعماله العلمية في تخصصه، دراسات حول الأدب الإسباني وترجمات لأعمال من الأدب الإسباني والأمريكي اللاتيني، من أشهرها «مائة عام من العزلة» لجابريل جارثيا ماركيز الحائز على نوبل في الآداب عام 1982، و«خلية النحل» لكاميلو خوسيه ثيلا، الحائز على نوبل في الآداب عام 1987.
aXA6IDE4LjExNy4xNDEuNjkg جزيرة ام اند امز