إلغاء قيود الإيداع والسحب في مصر يُحجم السوق الموازية مؤقتًا
أكد مصرفيون ومحللون أن البنك المركزي يضع خطة تدريجية لاحتواء السوق الموازية تعتمد على تدعيم الاحتياطي النقدي بمُدخرات الأفراد.
توقع مصرفيون ومحللون اقتصاد كُلِّي، أن تشهد السوق الموازية للدولار في مصر هدوءًا مؤقتًا تأثرًا بقرار البنك المركزي، أمس الأربعاء، بإلغاء سقف الإيداع والسحب للشركات العاملة في استيراد السلع الأساسية بعد أن كان مُحددًا بـ250 ألف دولار شهريًّا، ويأتي هذا بعد يوم واحد من إلغاء السقف المُحدد أيضًا لتعاملات الأفراد.
وأكدوا أنه على الرغم من ذلك، فإن هذا القرار يعطي المستوردين الضوء الأخضر للتعامل بالسوق السوداء لتدبير احتياجاتهم من الدولار وتخفيف الضغط على البنوك، ولكن هذا لا يعني ارتفاع سعر الدولار؛ نظرًا لأن القفزة الهائلة التي شهدها بتسجيل 10 جنيهات هذا الأسبوع تعود إلى مضاربات بكميات قليلة على العملة الخضراء من قِبَل الأفراد.
وأشاروا إلى أن الشركات ستطلب كميات كبيرة من السوق الموازية وسيتفاوضون على أسعار أقل للحفاظ على هامش ربح مناسب مع تفادي حدوث قفزة جديدة في أسعار السلع، مؤكدين أن قرار المركزي جاء ضمن حزمة قرارات تستهدف معالجة أزمة نقص الدولار تدريجيًّا.
والمُثير في الأمر أن الشعبة العامة للمستوردين غيَّرت موقفها الهجومي على البنك المركزي والمجموعة الوزارية الاقتصادية، إذ إنها بعد تهديدها باللجوء للقضاء في حال عدم إلغاء قرار رفع التعريفة الجمركية بنسبة 10% على قرابة 500 سلعة، اعتبرها البنك المركزي استفزازية، صرَّح رئيس الشعبة لبوابة "العين" الإخبارية بأن التعريفة الجديدة لن تكون مؤثرة طالما ستكون هناك حرية في سحب وإيداع الدولار.
من جانبه وصف أحمد شيحة رئيس الشعبة العامة للمستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة في تصريحات لبوابة "العين" الإخبارية، قرار رفع سقف الإيداع والسحب بالدولار للشركات التي تعمل في مجال استيراد السلع والمنتجات الأساسية، بأنه خطوة على الطريق الصحيح لتيسير أعمال الشركات وحل أزمة نقص الدولار.
ورأى شيحة أن القرار سيقلل من نشاط السوق الموازية للعملات الأجنبية؛ نظرًا لأن الشركات من مصلحتها بيع حصيلة الصادرات إلى البنوك بدلًا من السوق الموازية تفاديًا لاستمرار الأزمة التي أدت إلى تعطل أنشطة الاستثمار والتشغيل، فضلًا عن أن قرار إلغاء الحدود القصوى للسحب والإيداع بالدولار للأفراد سيجذب مدخرات المواطنين.
وأضاف أن حل أزمة شُح الدولار تدريجيًّا سيمكن المستوردين من الاعتماد على الجهاز المصرفي في تدبير احتياجاتهم بدلًا من شركات الصرافة التي تفرض عمولة تتراوح بين 7-8%، فضلًا عن استعادة المنافسة بين المستوردين في توفير احتياجات السوق والإفراج عن السلع المُكدسة في الموانئ المحلية.
وبناءً على ذلك اعتقد رئيس الشعبة العامة للمستوردين أن تؤدي هذه المرونة إلى انخفاض أسعار السلع وتحديدًا الغذائية، بعد أن ارتفعت بمعدلات تجاوزت 10% خلال الشهرين الماضيين.
واستبعد أن يشكل قرار رفع الجمارك بنسبة 10% على قرابة 500 سلعة عائقًا أمام عمل المستوردين الآن؛ لأن الأزمة الحقيقية التي كانت تواجه الشركات هي تدبير الدولار والعجز عن الإيداع والسحب بحرية بالبنوك.
ويُعد ذلك تحولًا كبيرًا في موقف رئيس شعبة المستوردين الذي أكد في حوار مع جريدة الوفد المصرية في 12 فبراير/شباط الماضي أنه تقدم بمذكرة لرئيس الجمهورية توضح أن قرار زيادة الجمارك مخالفًا لقواعد السوق الحرة، وإنها ستسري على منتجات دول دون أخرى، مستشهدًا بأن معظم منتجات الاتحاد الأوروبي مُعفاة من الرسوم الجمركية وفقًا لاتفاقية الشراكة الموقعة مع مصر.
كما أكد حينها أنه وفقًا للاتفاقية الموقعة مع أوروجواي وهي الدولة المؤسسة للنظام التأسيسي لمنظمة التجارة العالمية؛ فإن الجمارك ستصل إلى صفر بحلول العام 2018، ما يعني أن قرارات رفع الرسوم الجمركية ستؤدي لاحتكار مجموعة من التجار لأسعار السوق، ما يعود بالضرر على المستهلك، مشددًا على أنه في حالة عدم استجابة الرئاسة للمذكرة سيتم اللجوء للقضاء.
من جهته، أوضح محمد أبوباشا محلل الاقتصاد الكُلي بالمجموعة المالية هيرميس لبوابة "العين" الإخبارية، أن البنك المركزي يعتمد على سياسة تصحيحية في التعامل مع ملف أزمة نقص الدولار، وترتكز هذه السياسة على التحرك تدريجيًّا في عدة محاور لاحتواء السوق الموازية للدولار.
وأضاف أن المركزي قبل أن يلغي سقف الإيداع بالدولار للشركات المستوردة للسلع الأساسية، قام برفع سقف الإيداع والسحب من 50 ألفًا إلى 250 ألف دولار شهريًّا، وأعطى رسالة واضحة للمستوردين أنه يُمكن الاعتماد على السوق الموازية في تدبير احتياجاتهم من الدولار؛ نظرًا لأن قيود السحب والإيداع لن تُجدي في القضاء على هذه السوق.
ومع ذلك توقع أبوباشا أن يشهد سعر الدولار بالسوق الموازية هدوءً؛ نظرًا لأن ارتفاع سعره من 8.60 جنيه إلى 10 جنيهات في فترة قصيرة جاء بناءً على مضاربات الأفراد في كميات قليلة من العملة الخضراء، ولكن عندما ستتجه الشركات لهذه السوق ستتفاوض على كميات كبيرة من النقد الأجنبي بأسعار أقل لضمان عدم حدوث طفرة جديدة في أسعار السلع والحفاظ على هامش ربح مناسب.
وقد واصل سعر الدولار، أمس الأربعاء، التراجع ليسجل سعره 9.55 جنيه للشراء و9.47 جنيه للبيع، وذلك بعد أن كان سعره قد تجاوز 10 جنيهات خلال تعاملات الإثنين الماضي.
وأشار أبوباشا إلى إنه في الوقت نفسه اتخذ البنك المركزي بالتنسيق مع البنوك الحكومية 3 خطوات أساسية لتحجيم السوق الموازية، في مقدمتها رفع حد الإيداع والسحب بالدولار للأفراد بهدف جذب مدخراتهم بالعملة الصعبة، وإصدار شهادة بلادي بالدولار للمصريين في الخارج لتدعيم الاحتياطي النقدي الأجنبي، فضلًا عن رفع بعض البنوك العائد على شهادات الادخار الدولارية في الداخل.
وقد أصدرت البنوك الحكومية الثلاث الأهلي ومصر والقاهرة، منتصف الأسبوع الماضي، شهادات ادخار متنوعة تحت اسم "بلادي" بعائد 3.5% لأجل عام واحد، و4.5%، لأجل 3 أعوام، و5.5% لأجل 5 أعوام، على ألا يقل مبلغ الشراء عن 100 دولار ومضاعفاتها.
فيما رفع البنك الأهلي عائد شهادات الادخار الدولارية؛ حيث وصل للشهادات ذات أجل 3 سنوات إلى 4.25% بدلًا من 3.5%، وارتفع للشهادات ذات أجل 5 سنوات إلى 5.25% بدلًا من 3.6%، في حين وصل للشهادات ذات أجل 7 سنوات إلى 5.75% بدلًا من 4.25%.
وبرأي مُحلل الاقتصاد الكُلي؛ فإن السوق بحاجة لرفع البنك المركزي سعر الفائدة بواقع 0.5% على غرار القرار الذي اتخذته لجنة السياسة النقدية بالمركزي في نهاية ديسمبر/كانون الأول بهدف تشجيع الأفراد على إيداع أموالهم بالبنوك وخفض السيول المتداولة لخفض الطلب على السلع ومن ثم تقليل الواردات، والمضاربات على العملة الخضراء بالسوق الموازية.
كما أكد أن السوق بحاجة إلى ضخ البنك المركزي عطاءات استثنائية بقيم تفوق 500 مليون دولار لتدعيم قدرة البنوك على تلبية احتياجات الشركات، حتى لا تترك السوق الموازية للتحليق منفردة في تدبير النقد الأجنبي.
وأيد أبوباشا موقف البنك المركزي بعدم خفض سعر الجنيه إلا عند رفع الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى حدود 25 مليار دولار؛ نظرًا لأنه لا يمكن أن يتم توحيد السعرين الرسمي والموازي للدولار دون بناء احتياطي نقدي يكفي متطلبات السوق، لافتًا إلى أن هناك مؤشرات إيجابية في هذا الصدد بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الأول الإثنين، الموافقة على عودة السياحة الروسية.
وكان طارق عامر محافظ البنك المركزي قد أكد خلال فبراير/شباط الماضي أنه لا يوجد تفكير في خفض قيمة الجنيه قبل وصول الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى ما بين 25-30 مليار دولار.
ويأتي هذا في ظل تعرض احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي للتآكل على مدار 5 سنوات، إذ سجلت 16.533 مليار دولار بنهاية يناير 2016 مقارنة بـ36 مليار دولار بنهاية 2010، نتيجة تآكل الصادرات وانخفاض عائدات السياحة من 14 مليار دولار في عام 2010، إلى 6 مليارات دولار خلال عام 2015.
وقد توقف تدفق السياح الروس لمصر بعد حادث سقوط طائرة روسية في أكتوبر/تشرين الأول 2015، ووفقًا لتصريحات رئيس الوزراء شريف إسماعيل، الأسبوع الماضي، فإن إيرادات السياحة المصرية فقدت 1.3 مليار دولار منذ سقوط الطائرة الروسية في سيناء، والتي على إثرها قررت موسكو تعليق تدفق السياح الروس إلى مصر.
من جهته، توقع تامر يوسف رئيس قطاع الخزانة بأحد البنوك الأجنبية بالسوق المصرية في تصريحات لبوابة "العين" الإخبارية، أن تشهد السوق الموازية هدوءًا مؤقتًا لحين وضوح الرؤية بشأن حجم الطلب على الدولار بهذه السوق.
وأشار إلى أن هناك سيناريوهين محتملين؛ الأول أن يقوم الأفراد بتنشيط حركة الشراء والبيع بالسوق الموازية استغلالًا لقرار إلغاء سقف الإيداع والسحب، والسيناريو الآخر توجيه مدخراتهم لشهادات دولارية.
وفي ضوء ذلك، أكد يوسف أنه لا يمكن التنبؤ بحركة سعر الدولار الآن سواء بالارتفاع أو الانخفاض مستقبلًا؛ فعلى سبيل المثال عندما رفعت الأرجنتين نهاية العام الماضي قيود تداول الدولار انخفض البيزو الأرجنتيني مقابل الدولار من قرابة 10 بيزو إلى 15 بيزو الآن.
أما على صعيد احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، قال يوسف إن الصادرات ستلعب دورًا رئيسيًّا في تحديد مستقبلها عبر مفاضلة المصدرين بين بيع الدولار للجهاز المصرفي أو للسوق الموازية بعد رفع حد الأقصى للإيداع والسحب إلى مليون دولار شهريًّا.
ولكنه أشار إلى أن البنك المركزي حاول تنظيم حركة الواردات والصادرات عبر إلزام الشركات بتقديم فواتير من خلال البنوك في الخارج مباشرةً لضمان عدم تزوير الفواتير والاطلاع على حجم التحويلات لخارج وداخل البلاد.
aXA6IDMuMTQ0LjEwMC4yNTIg جزيرة ام اند امز