فرنسا.. خبراء اقتصاد يحذرون من هشاشة هدنة الرسوم ويطالبون بموقف أوروبي

قال خبراء اقتصاد فرنسيون إن تعليق الولايات المتحدة للرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا لا يمثل انفراجة فعلية، بل مجرد هدنة هشة تعكس توازنًا دبلوماسيًا دقيقًا بين واشنطن وبروكسل.
واعتبروا أن تعليق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جاء واقعيًا، لكنه يطرح تساؤلات حول جاهزية أوروبا للرد إذا فشلت المفاوضات.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد علق يوم الجمعة 11 أبريل/نيسان على القرار الأمريكي بتعليق جزئي للرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا، واصفًا هذه الخطوة بأنها "استراحة هشة" ولكنها تمثل في الوقت ذاته "بابًا مفتوحًا للتفاوض" مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقال ماكرون، في منشور على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، إن "الوقف المؤقت يمثل إشارة إيجابية، لكنه لا يبدد حالة عدم اليقين القائمة"، مشددًا على ضرورة استثمار هذا الهامش الزمني لتحقيق اتفاق تجاري متوازن يخدم مصالح أوروبا.
واقعية سياسية وتحذير اقتصادي
وأضاف الرئيس الفرنسي أن "هذه الهدنة تظل هشة نظرًا لاستمرار فرض رسوم بنسبة 25% على الصلب والألومنيوم والسيارات، إضافة إلى رسوم بـ10% على سائر المنتجات"، موضحًا أن هذا الوضع يهدد صادرات أوروبية تُقدّر بـ52 مليار يورو.
واعتبر أن "تجميد الرسوم لمدة 90 يومًا يعني 90 يومًا من عدم اليقين بالنسبة لجميع شركاتنا على جانبي الأطلسي"، داعيًا أوروبا إلى "الدخول في مفاوضات لرفع هذه الرسوم غير العادلة والتوصل إلى اتفاق متوازن وخالٍ من أي لا تكافؤ في المعاملة".
كما شدد على أن أوروبا "يجب أن تواصل إعداد إجراءات الردّ في حال عدم التوصل إلى اتفاق مقبول"، مضيفًا: "فرنسا مستعدة. ويجب على أوروبا أن تكون كذلك. دعونا نتحلى بالوضوح، ونبقى موحدين، وندافع عن مصالحنا بثبات".
تهدئة مشروطة.. وخطر قائم
بدوره، قال جان-مارك دانيال – أستاذ الاقتصاد في معهد ESCP للأعمال وعضو سابق في المجلس الأعلى للمالية العامة في فرنسا في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إن تصريحات ماكرون تعكس براغماتية ضرورية في التعامل مع إدارة ترامب، لكنه حذّر من أن "أي تهدئة تجارية من هذا النوع غالبًا ما تكون مشروطة سياسياً وتُستخدم كورقة تفاوض قبل فرض شروط أكثر قسوة".
وأضاف أن "أوروبا مطالبة الآن بالخروج من موقع المتلقي في اللعبة التجارية، والعمل على صياغة سياسة صناعية وتجارية هجومية تحمي مصالحها بدلًا من الاكتفاء بردود الفعل".
- الاقتصاد قبل السياسة.. الصين تبقى وجهة رئيسية للشركات الأمريكية
- رافعة شعار «الإثنين البرتقالي».. أسواق الهند تناور رسوم ترامب
من جانبها، قالت كلير دومينيك، الباحثة الاقتصادية الأولى في معهد بروجيل (Bruegel) ببروكسل لـ"العين الإخبارية، إن تعليق الرسوم لا يعالج الجذور السياسية للتوترات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بل "يؤجل فقط المواجهة المقبلة".
وحذّرت من أن "تأجيل الرسوم لا يطمئن الشركات الأوروبية، بل يدفعها إلى تأجيل قرارات الاستثمار والتمدد في السوق الأمريكية"، مضيفة أن "الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى مظلة حماية أكثر شمولاً، لا مجرد اتفاقات مرحلية".
من جهته، وصف توماس بلوز – كبير الاقتصاديين في مركز الأبحاث الفرنسي OFCE التابع لمعهد العلوم السياسية في باريس (Sciences Po) لـ"العين الإخبارية" خطوة ترامب بأنها "محاولة تكتيكية لاستقطاب تنازلات من الأوروبيين قبل الدخول في معركة انتخابية أمريكية داخلية"، مشيرًا إلى أن تعليق الرسوم هدفه الأساسي "كسب الوقت وليس بناء الثقة".
وأضاف أن تصريحات ماكرون جاءت متناغمة مع هذا السياق، حيث "أقرّ بالهدنة دون أن يمنحها أكثر من حجمها"، داعيًا فرنسا إلى الضغط داخل الاتحاد الأوروبي لتفعيل آلية الرد المشترك بشكل أسرع وأكثر تنسيقًا.
أوروبا على مفترق طرق
في ضوء هذه التصريحات، يرى الخبراء أن الاتحاد الأوروبي يقف أمام لحظة حاسمة: إما استثمار 90 يومًا لصياغة اتفاق عادل ومتوازن، أو الاستعداد لمواجهة تجارية محتملة مع واشنطن.
وبينما يعتبر بعضهم أن تصريحات ماكرون تشكل محاولة لاستعادة زمام المبادرة، فإن آخرين يعتقدون أن غياب خطة أوروبية موحدة سيجعل هذه الهدنة مجرد فرصة ضائعة جديدة.