تفاقم الدين العام يحاصر جهود مصر للخروج من كبوتها الاقتصادية
الاتساع المطرد في فجوة عجز الموازنة تحبط الخطط الحكومية المصرية للسيطرة على الدين العام حتى بات على وشك تسجيل رقم قياسي هذا العام.
تواجه مصر اختبارًا صعبًا للغاية في إدارة ملف الدين العام الذي استقل قطارًا سريعًا خلال الأعوام الخمسة الماضية حتى تضاعف حجمه.
فالمؤشرات المالية للدين العام للبلاد تكشف أنه في العام المالي 2010-2011، وهو عام اندلاع ثورة يناير/كانون الثاني، بلغ 1.25 تريليون جنيه، ما يعادل 82% من الناتج المحلي الإجمالي آنذاك.
ولكن خلال 5 سنوات فقط بات الدين العام المستهدف في موازنة العام المالي الحالي 2015-2016 يقدر بنحو 2.5 تريليون جنيه ما يوازي 89.3% من الناتج المحلي الإجمالي المستهدف بالأسعار الجارية بنحو 2.8 تريليون جنيه.
وبحسب أحدث الأرقام الفعلية التي تحققت، فإنه بحسب البيانات المعلنة بمشروع موازنة العام المالي 2015-2016 فإن الدين العام وصل في ختام عام 2014 إلى 2.431 مليار جنيه بما يعادل 91.2% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
"وضع الدين العام خطير للغاية، ويجب مراجعة بنود مصروفات وإيرادات الدولة؛ لأن عجز الموازنة المتفاقم عامًا تلو الآخر ينذر بوضع متأزم خلال السنوات القليلة المقبلة"، بحسب تصريحات ممتاز السعيد وزير المالية الأسبق لبوابة "العين" الإخبارية.
وقال السعيد، إن العجز في الموازنة سجَّل رقمًا قياسيًّا العام المالي الماضي 2014 – 2015 بقيمة 279.4 مليار جنيه ما يعادل 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي وتستهدف الموازنة للعام الحالي إضافة عجز جديد بقيمة 251 مليار جنيه.
وأضاف أن هذا يعني أن مصر ستستمر في اللجوء إلى الاقتراض من داخل وخارج البلاد، وبناءً عليه سترتفع تكلفة خدمة الدين العام وهو ما يؤدي إلى تقليص المخصصات المالية للإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي وتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين.
فوفقًا لبيانات موازنة 2015 – 2016، تستحوذ خدمة الدين العام التي تشمل أقساط القروض والفوائد على النصيب الأكبر من المصروفات بنسبة 28% من المصروفات مقارنة بنحو 21% في 2011-2012، وهذا في الوقت الذي تراجعت فيه مخصصات الدعم والمنح من 31% إلى 27% خلال فترة المقارنة.
وتنقسم خدمة الدين العام خلال الموازنة الحالية بين 237.022 مليار جنيه للدين المحلي و7.022 مليار جنيه للدين الخارجي.
وتكشف تصريحات المهندس شريف إسماعيل خطورة تفاقم الدين العام على المواطن، حيث أشار إلى أنه بعد خصم بنود خدمة الدين العام والدعم والأجور، فلا يتبقى سوى نحو 164 مليارًا فقط للإنفاق على الصحة والتعليم والإسكان والصرف الصحي ومياه الشرب والطرق، وهو مبلغ ضئيل مقارنة باحتياجات شعب يتجاوز تعداده 90 مليون نسمة.
ومن جهة أخرى، يدفع الطلب المرتفع على إصدارات السندات وأذون الخزانة لسد العجز الموازنة، مؤشرات التضخم للارتفاع، ما ينعكس بصورة مباشرة على ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
ويحلل وزير المالية الأسبق أسباب تفاقم عجز الموازنة قائلًا، إن هناك قفزة هائلة في المصروفات التي ارتفعت تدريجيًّا في 2011-2012 من 470.992 مليار جنيه إلى 864.564 مليار جنيه في موازنة 2015-2016 نتيجة ارتفاع الأجور وتعويضات العالمين من 122.818 مليار إلى 218.108 مليار، فضلًا عن تضاعف قيمة الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية من 104.441 مليار جنيه إلى 244.044 مليار جنيه.
وأضاف السعيد أن الحكومة توسعت في السحب على المكشوف عبر حصول وزارة المالية على مبالغ من البنك المركزي دون وجود رصيد نقدي يغطي هذا السحب، وهو أمر خطير للغاية، خاصةً أن المبالغ المسحوبة تجاوزت الحد الأقصى المسموح به وهو 10% من متوسط الإيرادات خلال السنوات الثلاث السابقة.
وقد رصد تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن موازنة العام المالي 2014-2015، وصول رصيد السحب على المكشوف إلى 249.06 مليار جنيه، وهو ما يتجاوز الحد المسموح به 5 مرات.
وبرأي وزير المالية الأسبق أن إصلاح وضع الدين العام يبدأ من ضبط عجز الموازنة من خلال إجراءات سريعة، في مقدمتها إنجاز فحص الملفات الضريبية المتأخرة منذ أكثر من 7 سنوات وتحصيل الضرائب المستحقة عليها، خاصةً أن قيمة التحصيل تنخفض دومًا عن الرقم المستهدف.
وعلى الرغم من أن الحكومة خفضت مستهدفات الضرائب لعام 2014-2015 من 326 مليارًا إلى 320 مليارًا، إلا أن حصيلة الضرائب لم تتخطَّ 270 مليار جنيه.
وطالب السعيد بدخول حصيلة بيع الأراضي إلى خزانة الإيرادات العامة للدولة بدلًا من ذهابها إلى هيئة المجتمعات العمرانية، وكذلك دخول فارق تسوية عقود تحويل تخصيص نشاط الأراضي من زراعية إلى سياحية وسكنية، فضلًا عن ضم أصول الصناديق الخاصة التي تتراوح قيمتها بين 60-70 مليار جنيه إلى الموازنة وإعادة النظر في قانون رسوم استغلال المحاجر.
من جانبه، أشار مصطفى العسال الرئيس التنفيذي لشركة بوند لينك للاستشارات المالية في مجال أدوات الدين والقروض في تصريحات، لبوابة "العين" الإخبارية، إلى أن حجم الدين العام الحالي ليس خطرًا في حد ذاته؛ لأن هناك بلادًا تفوق معدلات مصر.
وأضاف على سبيل المثال تجاوز الدين العام في اليابان حاجز 300% من الناتج المحلي، فضلًا عن تخطيه 100% في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن العسال اعتبر أن الخطر الحقيقي يكمن في عدم وجود رؤية حكومية لمعالجة أزمة تفاقم عجز الموازنة الذي بلغ العام الماضي 12% وهي نسبة مرتفعة للغاية وفي طريقها للزيادة.
وأشار إلى إن تباطؤ نشاط القطاع الخاص أجبر الحكومة على تنفيذ مشروعات قومية لمساندة الاقتصاد مثل إنشاء قناة السويس الجديدة وتنفيذ شبكة طرق والمضي في استصلاح 1.5 مليون فدان، الأمر الذي دفعها للاقتراض لتمويل هذه المشروعات.
وبرأي العسال أن الحكومة ستظل مجبرة لفترة تتراوح بين 3-4 سنوات على قيادة النشاط الاقتصادي بنفسها، وبالطبع سيتأزم موقف الدين العام، وهو ما يستلزم إعادة النظر في بعض بنود المصروفات مثل الدعم.
واستبعد أن يتطور موقف الدين العام إلى تأزم البلاد في سداد التزاماتها وتعرضها للإفلاس؛ نظرًا لأن الموارد المتوافرة لدى وزارة المالية والبنك المركزي وبنك الاستثمار القومي قادرة على تمويل الالتزامات، إضافة إلى أن الدين المحلي يستحوذ على الحصة الأكبر من الدين العام.
وبحسب البنك المركزي فإن الدين الخارجي سجل 46.1 مليار دولار في سبتمبر 2015، وهي يساوي أكثر من صعف الصادرات التي قاربت على 20 مليار دولار العام المالي الماضي.
وقد أدى الوضع الاقتصادي المتأزم للبلاد إلى تجاوز تكلفة التأمين على ديون مصر حاجز 5% مقارنة بنحو 2.88% بنهاية تعاملات 2014.
وتلجأ شركات التأمين عادةً لرفع تكلفة التأمين على الديون السيادية للدول التي تشهد مؤشرات اقتصادية سلبية، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض من الخارج لإحساس الشركات بارتفاع المخاطر داخل السوق المحلية.
وعلى صعيد آليات التمويل البديلة للاستدانة، قال أيمن أبوهند مدير الاستثمار بشركة كارتل كابيتال الأمريكية لبوابة "العين" الإخبارية، إن تمويل عجز الموازنة يشبه عجز الشركات، فيمكن الاعتماد على الشراكة مع القطاع الخاص في تنفيذ المشروعات الكبيرة بدلًا من الاستدانة لتمويلها.
وأضاف أبوهند أن هناك آليات عديدة للشراكة مع القطاع الخاص منها بناء الشركات للمشروعات وتشغيلها لفترة زمنية ثم نقل ملكيتها إلى الدولة عقب انتهاء فترة التشغيل المتفق عليها.
وأوضح أن من بين آليات التمويل المتاحة خصخصة الشركات عبر طرح حصص منها في البورصة أو التوجه نحو إصدار الصكوك عقب إقرار قانون الصكوك السيادية.
aXA6IDMuMTMzLjEyMy4xNjIg جزيرة ام اند امز