روسيا تغادر.. وسوريا تبدأ "اختبار الانسحاب"
بعد الانسحاب الروسي، هل تستطيع دمشق الحفاظ على الوضع الميداني لصالحها؟
تدور الشكوك حول ما إذا كانت دمشق قادرة على الحفاظ على الوضع الميداني لصالحها، ومدى قدرتها على تجاوز مرحلة "اختبار الانسحاب"، بعد أن بدأت عمليات مغادرة الطائرات الحربية الروسية للأجواء السورية بعدما نجحت في تمكين قوات النظام على الأرض.
ويبدو أن مستقبل الوضع الميداني في سوريا يتعلق أساسًا بمعرفة ما تركه الروس في سوريا، وكيف عززوا أولًا قدرات الجيش السوري خلال الأشهر الماضية؟
وكانت موسكو أعلنت أمس الاثنين أنها ستسحب الجزء الأكبر من قواتها على الأرض بعدما "أنجزت" مهمتها في سوريا إثر تدخل جوي بدأ في 30 سبتمبر/أيلول.
ويقول آرون لوند، الباحث غير المقيم في مركز كارنيجي للأبحاث ورئيس تحرير مجلة "سوريا في أزمة"، إن الرئيس السوري بشار الأسد "في موقف أفضل بكثير فيما فقد أعداؤه توازنهم، إلا إن ذلك لا يعني أن الحرب انتهت".
ويضيف "تمكنت روسيا خلال حوالى 6 أشهر من تغيير الموازين على الأرض لصالح نظام الأسد".
كانت قوات النظام منيت بخسائر كبيرة قبل بدء التدخل الروسي في مواجهة فصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية، ونفذت القاذفات والمقاتلات والمروحيات الروسية آلاف الغارات التي سمحت للجيش السوري بتحقيق تقدم ملحوظ في محافظات عدة.
وفى نفس السياق، يؤكد الخبير في الشؤون السورية بجامعة إدنبرة توماس بييريه لـ" فرانس برس" أن التدخل الروسي أوقف تقدم الفصائل المقاتلة، وسمح للنظام إلى جانب القوى التي وفرها مقاتلون شيعة باستعادة مناطق استراتيجية في حلب (شمال) واللاذقية (غرب) ودرعا (جنوب) ودمشق.
وتخوض قوات النظام، وفق لوند، اليوم مرحلة استعادة الأراضي، وفي المقابل تعرضت قوات المعارضة لضربة موجعة خصوصًا بعد التقدم الذي أحرزته قوات النظام في محافظة حلب في فبراير/شباط.
وفي بداية فبراير/شباط الماضي، حقق الجيش السوري الاختراق الأكثر أهمية في حلب منذ العام 2012، حيث تمكن بغطاء جوي روسي مكثف من تضييق الخناق على الفصائل المقاتلة في مدينة حلب، وكسر الحصار الذي فرضه مقاتلو المعارضة على قريتين على مدى حوالى سنتين، واستعاد مواقع عدة.
ويرى مصدر ميداني سوري أن "وتيرة الهجوم الكبير في الشمال السوري قد تخف بعد الانسحاب الروسي، ولكن لن تعود الكفة لصالح المسلحين، فهذا خط أحمر".
ويقول الخبير في الجغرافيا السورية فابريس بالانش: "إن الانسحاب الروسي قد يترك وقعًا نفسيًّا بالدرجة الأولى على قوات النظام السوري، وقد يراه البعض تخليًا عن بشار الأسد".
لكن عسكريًّا، يشير إلى أن الجيش السوري حصل على دبابات جديدة، ومن المفترض أن يحصل على طائرات ومروحيات أيضًا، ما يمكنه من الحفاظ على تفوقه الجوي.
"امتحان" الانسحاب
وقد لا تشهد المناطق المشمولة بالهدنة السارية منذ 27 فبراير/شباط تغييرات حقيقية على الأرض، خصوصًا أن روسيا والولايات المتحدة تضغطان من أجل إجبار الأطراف المعنية على الالتزام بها، ما يضمن أكثر حصول تقدم في العملية السياسية.
ويتابع الخبير في الشؤون السورية بييريه: "ستضغط الدول الغربية على الفصائل المقاتلة التي تدعمها لعدم استغلال الوضع، على الأقل طوال فترة المفاوضات بين الحكومة والمعارضة التي بدأت في جنيف أمس الاثنين".
لكن الأسئلة تطرح بقوة أكبر في مناطق الجهاديين الذين لا تشملهم الهدنة.
ويقول بيرييه، إن هؤلاء قد يسعون إلى "امتحان" الانسحاب الروسي، بحسب تعبيره.
وعلى جانب آخر، أعلن مسؤول عسكري روسي اليوم الثلاثاء من قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية أن موسكو ستواصل ضرباتها ضد "الأهداف الإرهابية" في سوريا.
وهو ما علق عليه الباحث غير المقيم في مركز كارنيجي للأبحاث لوند : "هناك العديد من المناطق التي يحتاج فيها الأسد إلى القوة الجوية الروسية حاليًا، إن لم يكن في مواجهة الفصائل المقاتلة بسبب الهدنة، ففي مواجهة تنظيم داعش، كما في تدمر بوسط البلاد".
وتخوض قوات النظام معارك عنيفة مع الجهاديين في محيط مدينة تدمر الأثرية في محافظة حمص.
ويرى بييريه بدوره أن "عملية تدمر ستكون صعبة على قوات النظام من دون الطيران الروسي، الذي مهد الطريق أمام قوات النظام في المنطقة، فاستعادت أراضٍ وباتت على بعد 6 كيلومترات فقط من المدينة الأثرية".
كما تدور شكوك حول ما ستؤول إليه الأمور في ريف اللاذقية الشمالي، وما إذا كانت قوات النظام ستواصل تقدمها في المنطقة في مواجهة جبهة النصرة وفصائل مقاتلة وإسلامية أخرى.
وبالتزامن مع بدء الانسحاب الروسي، قال قيادي في جبهة النصرة، ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، لفرانس برس اليوم الثلاثاء إن الجبهة ستشن هجومًا في البلاد خلال الساعات الـ48 المقبلة بعد "الهزيمة الروسية". وأضاف: "من دون الطيران الروسي لكنا الآن في (مدينة) اللاذقية".
aXA6IDEzLjU4LjIwMC43OCA= جزيرة ام اند امز