مغامرة لـ "بوابة العين" تكشف: قيادات حوثية تتاجر بالمشتقات النفطية في اليمن
اختفاء المشتقات البترولية من اليمن يسبب معانة كبيرة للسكان
أسطوانات الغاز للبيع في أحياء وأزقة صنعاء بأسعار خيالية، والفقراء 80% من إجمالي السكان.
اختفاء المشتقات النفطية (البنزين، الديزل، الغاز) من المحطات والمعارض الرسمية والخاصة، وتوفرها في السوق السوداء بأسعار خيالية، هو العنوان الأبرز لمعاناة سكان العاصمة والمحافظات الخاضعة لسيطرة المليشيات الحوثية والقوات الموالية لحليفهم المخلوع علي صالح.
ويضطر غالبية سكان العاصمة صنعاء (أكثر من 2.5 مليون نسمة)، كحال بقية الموطنين في المحافظات، إلى شراء احتياجاتهم من المشتقات النفطية، خاصة الغاز المنزلي بمبالغ كبيرة جدا يستقطعونها من قوت أسرهم، بينما لجأت مئات الآلاف من الأسر إلى وسائل بدائية (الحطب) كبديل آخر، حيث بات سلعة متوفرة في أغلب الأسواق.
يكاد لا يخلو شارع في صنعاء من تواجد بائعين معظمهم من رجال القبائل المنتمين للمحافظات الشمالية، يقفون بجوار مختلف أنواع الشاحنات والسيارات المحملة ببراميل وعبوات مختلفة مليئة بمادتي البنزين والديزل، فيما بائعو اسطوانات الغاز يتجولون في أحياء وأزقة العاصمة بأسعار خيالية، على مرأى ومسمع من السلطات التي لم تحرك ساكنا حيال هذه الظاهرة غير المسبوقة في تاريخ البلاد.
يقول محمد الخولاني (38 عاما) لـ "بوابة العين": "سعر الدبة الغاز 4000 ريال (19 ريالا) نشتريها من السوق السوداء وكانت قد وصلت الى 10000 آلاف ريال (47 دولارا) بينما سعرها الرسمي 1200 ريال (6 دولارات)، وغالبا لا نستطيع توفير قيمتها والأسعار مرتفعة جدا".
ومنذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014م، تفاقمت أزمة الوقود تدريجيا، لتبلغ ذروتها خلال الأشهر الأخيرة، ما ساعد على انتعاش السوق السوداء.
"أعمل لصالح قيادي حوثي بارز.. لا يخفى أحد أن الحوثيين هم من يقف وراء السوق السوداء للمشتقات النفطية"، بهذه الكلمات أجاب العامل في محطة الغاز التي أشار إليها الخولاني.
كما نصحنا العامل بمغادرة المكان قبل أن نتعرض للسجن، ونخضع للمساءلة حال عرف مالك المحطة الهدف من هذه الزيارة.
سوق سوداء في المحطات
ويوم السبت الماضي، وزعت شركة النفط اليمنية الخاضعة لسلطة مليشيات الحوثيين، كميات محدودة من الوقود على بعض محطات التعبئة في صنعاء، غير أن القليل جدا من الموطنين نجحوا في تعبئة خزانات سياراتهم بالبنزين، وفقا للسعر الذي اعتمدته المليشيات إبان إقرارها تعويم المشتقات النفطية (ربط أسعار البيع بسعر البورصة العالمية والسماح للقطاع الخاص باستيراد تلك المشتقات)، أي 2800 ريال (13 ريالا) لكل 20 لترا.
يقول نجيب غلاب، الذي انتظر اكثر من 10 ساعات أمام إحدى محطات الوقود غربي العاصمة، على أمل ملء خزان سيارته: "ناقلة شركة النفط أفرغت 15000 لتر لتلك المحطة، ولا يتجاوز ما تم بيعه للمواطنين 2000 لتر، بينما كنت أنتظر دوري في الطابور وصل مجوعة من المسلحين الحوثيين على متن طقم عسكري، تبادلوا الحديث مع مالك المحطة، ليبلغنا بعد ذلك بانتهاء الكمية المخصصة للمواطنين، وأن ما تبقى سيسخر لصالح اللجان الشعبية التابعة للحوثيين".
يضيف غلاب لـ "بوابة العين": "هذا استهتار واضح وتصرف مدان، اضطررت بعدها لشراء 40 لترا من السوق السوداء مقابل 94 دولارا.
وخلال الأسابيع الأخيرة، فتحت بعض محطات الوقود في صنعاء أبوابها لبيع البنزين والديزل رسميا، بأسعار السوق السوداء نفسها، ما يعني أن قيادات بارزة في الجماعة تقف وراء هذه الظاهرة لتحقيق مكاسب شخصية رغم سيطرتهم على مقدرات الدولة.
مصدر لتغذية حربها العبثية
وفي هذه الأثناء، يتهم الباحث اليمني في الشأن الاقتصادي ياسين التميمي مليشيات الحوثي والمخلوع علي عبد الله صالح بالوقوف وراء السوق السوداء.
ويقول التميمي لـ "بوابة العين": "تجارة المشتقات النفطية باتت تمثل العمود الفقري للاقتصاد الموازي الذي تديره عصابات مرتبطة بالمخلوع صالح ومليشيات الحوثي، وهي عصابات تعيش صراعا على النفوذ في إطار هذه السوق، وأبرز دليل على هذا الصراع الحرائق التي تندلع من وقت لآخر في التجمعات الكبيرة التي يجري فيها تداول الوقود وبيعه بأضعاف أسعاره الرسمية".
ويضيف التميمي: "هذه المليشيات تحرص على إدارة سوق موازية للوقود لتأمين مصدر دخل يغذي حربها العبثية في أكثر من جبهة.. ولأنها لا تستطيع أن تحصل على موارد عبر الطرق الرسمية، فالموارد المتاحة خصوصا التي من الضرائب لم تعد تكفي لتغطية النفقات التشغيلية للمرافق الإدارية، ناهيك عن مرتبات الجهاز الإداري الكبير".
وأكد أن هذه السوق توفر مبالغ طائلة للانقلابيين مقابل زيادة الأعباء الاقتصادية والمعيشية على المواطنين، وخاصة الفقراء ومحدودي الدخل، فضلا عن الانهيار المريع لسعر الصرف مقابل الدولار.
وبحسب التميمي، يجري في إطار هذه السوق إقصاء شركات القطاع الخاص، مثل الشركات التابعة لمجموعة "هائل سعيد أنعم" التجارية، من استيراد المشتقات النفطية.
وفي العاشر من نوفمبر الجاري، أعلنت مجموعة هائل سعيد أنعم توقف نشاطها الإنتاجي منذ أكثر من 20 يوما بسبب انعدام الوقود.
وببيان صادر عنها؛ حملت المجموعة الصناعية الأكبر في اليمن التي تغطي ما يزيد عن 70% من احتياجات السوق الغذائية في اليمن، السلطات ما سيترتب على توقف النشاط الإنتاجي والتجاري في البلاد.
مخاوف من نشوء طبقة طفيلية
إلى ذلك، حذر مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي من اتساع رقعة سوق المشتقات النفطية السوداء، في ظل تزايد أعداد الفقراء بما يتجاوز 80% من إجمالي عدد السكان البالغ 25 مليون نسمة.
رئيس المركز مصطفى نصر، اتهم شركة النفط اليمنية الخاضعة لسلطة الحوثيين في صنعاء بأنها تحولت إلى نقطة عبور المشتقات النفطية نحو السوق السوداء، فيما المصانع تغلق أبوابها والشركات تستجدي لمدها بكميات من الديزل لتضيف ذلك العبء على كاهل مواطنين أنهكتهم الفاقة.
وأكد نصر أن الأخطر من هذا كله هو انهيار القطاع الخاص، والقضاء على رأس المال الحقيقي لصالح طبقة طفيلية، تنشأ مستفيدة من فوضى الحرب وتراكم ثروة منتزعة من بطون ملايين الجوعى والمشردين.
فيما يرى ياسين التميمي، أن القضاء على هذه السوق "يرتبط بوجود سلطة دولة وليست عصابة، كما هو حاصل الآن.. بحيث يتم تأمين الوقود وبيعه عبر المحطات المنتشرة في البلاد، وفقا للسعر الرسمي الذي يحدد بناء على كلفة الاستيراد، مضاف إليه الضرائب".
aXA6IDMuMTM3LjIxOC4xNzYg جزيرة ام اند امز