إلى متى تسمح موارد مصر بمواصلة العطاءات الدولارية الكبيرة؟
طرح البنك المركزي 4 عطاءات دولارية كبيرة بقيمة 2.4 مليار دولار خلال 10 أيام في خطوة تستهدف تحقيق وفرة للنقد الأجنبي في البنوك.
طرح البنك المركزي المصري منذ 6 مارس الجاري حتى أمس الأربعاء 4 عطاءات استثنائية ضخمة لبيع الدولار للبنوك بقيمة 2.4 مليار دولار تقريبًا، منها عطاء ضخم تستقبله السوق المصرفية اليوم بقيمة 1.5 مليار دولار.
هذه الخطوة الاستثنائية بالتوسع في طرح العطاءات الدولارية، تخللها قرار جوهري بخفض سعر الجنيه مقابل الدولار 14.5% ليهبط من 7.73 إلى 8.85 بهدف تقليص الفجوة مع سعر السوق السوداء وبدوره تمكين الجهاز المصرفي من جذب النقد الأجنبي.
اللافت في الأمر أن البنك المركزي المصري لم يطرح عطاءات بقيمة تناهز 2.4 مليار دولار خلال فترة 10 أيام فقط خلال الفترة الأخيرة، خاصةً أن ذلك يأتي في ظل أن احتياطيات البلاد ما زالت تعاني من انخفاض مستواها إذ سجلت 16.533 مليار دولار بنهاية يناير/كانون الثاني 2016 مقارنة بـ36 مليار دولار بنهاية 2010.
هذا الوضع يطرح تساؤلات عدة حول ما مدى نجاح هذه العطاءات في تنفيذ استراتيجية المركزي بتحجيم السوق السوداء بخفض الجنيه وتمكين البنوك من تلبية طلبات المستوردين بزيادة النقد الأجنبي القائم بالجهاز المصرفي الرسمي؟ وإلى متى تسمح الموارد الدولارية بالبنك المركزي من مواصلة العطاءات كبيرة الحجم؟ وما الخطوات الأخرى المطلوبة لإنجاح استراتيجية المركزي؟
وتأتي هذه التساؤلات في ضوء أن موارد مصر من السياحة ما زالت ضعيفة إذ لم تتجاوز 6 مليارات دولار في 2015، وكذلك لم يسترد نشاطا الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر عافيتهما بعد.
على الجانب الآخر تقترب أسعار الدولار في السوق السوداء للغاية من السعر الرسمي؛ إذ تتحرك بين 9 إلى 9.25 جنيه، بينما قفزت أسعار العقود الآجلة للدولار المستحقة في البورصات العالمية إلى 10.7 جنيه.
وهذه العقود عبارة عن عقود آجلة غير قابلة للتسليم؛ أي لا يتم بموجبها تسليم سلعة بين طرفي العقد، بل تقتصر على دفع الفارق في الثمن بين السعر الحالي والسعر المؤجل، ويستخدمها المستثمرون للتحوط ضد مخاطر تراجع سعر العملات التي تواجه ضغوطًا شديدة أو ارتفاعات متوقعة.
من جانبه، قال إيهاب السعيد عضو مجلس الإدارة ورئيس قسم التحليل الفني بشركة أصول لتداول الأوراق المالية، إن طرح عدة عطاءات استثنائية على المدى القصير هي ركن أساسي في نجاح استراتيجية البنك المركزي لإعادة الاعتماد على الجهاز المصرفي في تلبية احتياجات السوق المحلية من النقد الأجنبي.
وأوضح أنه على الرغم من خطورة التوسع في العطاءات الدولارية لفترة طويلة، ولكنها جناح أساسي في استراتيجية تعتمد على جناحين، الأول هو خفض سعر الجنيه لتقليص الفارق مع أسعار السوق الموازية، في حين يتمثل الجناح الثاني في توفير النقد الأجنبي بالبنوك لمنع المستوردين من اللجوء للسوق السوداء للحصول على الدولار.
كما أشار السعيد إلى أن الاعتماد على البنوك في تدبير متطلبات السوق من العملة الصعبة سيمنع تحكم السوق السوداء في سعرها أو توجيهها بمفردة كما كان يحدث الأسبوع الماضي.
وأكد أن نجاح هذه الخطوة سيضمن تحديد البنك المركزي سعر صرف الجنيه بناءً على حجم العرض والطلب الفعلي بعيدًا عن المضاربات التي كانت تسيطر على السوق الموازية.
ومن المعروف أنه ما زالت هناك قوائم انتظار لطلبات المستوردين بالبنوك لتوفير النقد الأجنبي رغم طرح هذه العطاءات الاستثنائية المتتالية، كما أن طلبات المستوردين مرشحة للارتفاع الشهر المقبل في إطار التجهيز لاستيراد المستلزمات السلعية لشهر رمضان الكريم.
من جانبه، قال رامي عرابي محلل الاقتصاد الكُلي بشركة مباشر إنترناشيونال، إنه لا يمكن وصف العطاءات الاستثنائية المتكرر طرحها بحجم كبير هذه الأيام بالمناورة، بل هي استراتيجية حقيقية تعتمد على التدرج في اتخاذ القرارات بدأت بتحرير قيود الإيداع والسحب بالدولار في البنوك، ثم خفض سعر الجنيه 14.5% للقضاء على السوق السوداء بالتزامن مع طرح عطاءات لتمويل طلبات استيراد السلع والمستلزمات الاستراتيجية.
وشدد عرابي على أن البنك المركزي لن يغامر باستنزاف كميات كبيرة من النقد الأجنبي إلا إذ كانت هناك موارد أجنبية جديدة ستدخل خزانته قريبًا سواء في صورة صادرات أو إيرادات قناة السويس أو السياحة، وكذلك إنه يترقب تقديم مجلس الوزراء خطته إلى البرلمان لمناقشتها، والتي عقب إقراراها سيصرف البنك الدولي دفعة قدرها مليار دولار من قرض متفق عليه أواخر 2015.
وقد أعلنت الدكتورة سحر نصر، وزيرة التعاون الدولي نهاية العام الماضي، أن مجلس إدارة البنك الدولي صوَّت على منح مصر قرضًا بقيمة 3 مليارات دولار على مدار 3 سنوات، في إطار برنامج شامل للتنمية الاقتصادية ودعم الموازنة العامة للحكومة.
ويأتي ذلك بعد توقيع مصر اتفاق نهائي مع بنك التنمية الإفريقي للحصول على قرض بقيمة 1.5 مليار دولار على مدار 3 سنوات بواقع 500 مليون دولار عن كل عام.
وبرأي محلل الاقتصاد الكلي أن البنك المركزي لن يواصل التوسع في العطاءات الاستثنائية لفترة طويلة بل سيحرص على أن يدور الاحتياطي النقدي الأجنبي قرب مستوى 16 مليار دولار منعًا لوصول رسالة للسوق الموازية بأن المركزي لن ينجح في تحقيق وفرة للدولار بالسوق، حتى لا ينشط المضاربين في السوق السوداء مرةً أخرى.
ولفت عرابي إلى بعد مهم في السياسة النقدية الجديدة للبنك المركزي، وهو تأكيد المركزي في منشور رسمي تبنى سياسة أكثر مرونة في إدارة النقد، الأمر الذي يعطي رسالة واضحة بأن سعر صرف الجنيه قابل للتخفيض مرةً أخرى إذا كان ذلك بناءً على عرض وطلب حقيقي على العملة بعيدًا على المضاربات.
وتابع: ذلك يعني أن المركزي لن يستنزف احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي في دعم سعر الصرف ضد قيمته العادلة.
وبحسب بنك الاستثمار بلتون؛ فإن سعر الجنيه مرشح للانخفاض مقابل الدولار إلى 9 -9.5 جنيه، في حال موافقة مجلس النواب على البرنامج الحكومي بما يتضمنه من إجراءات لضبط عجز الموازنة والإصلاح المالي.
كما أكد محلل الاقتصاد الكُلي أن الشهادات الجديدة المطروحة لجذب النقد الأجنبي من المواطنين خارج وداخل البلاد ستدعم سياسة المركزي في توفير الدولار، فضلًا عن أن البنك الأهلي يعمل على طرح آلية جديدة تضمن للمستثمرين الأجانب في سوق الدين المحلية عدم التعرض لأية خسائر ناجمة عن تقلب سعر الجنيه.
هذه الآلية عبارة عن عقود تحوط كُلي ضد المخاطر حيث تضم خيار شراء يتيح للمستثمرين التخارج من أذون وسندات الخزانة بسعر الشراء نفسه في حالة انخفاض سعر الجنيه.
وتجدر الإشارة إلى أن حجم الاستثمارات الأجنبية في سوق الدين المصرية شهد تراجعًا حادًّا بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 حيث انخفضت تدريجيًّا على مدار 5 سنوات حتى سجلت 50 مليون دولار فقط في 2015 مقارنة بأكثر من 10 مليارات دولار في 2010.
وشدد عرابي على أن نجاح استراتيجية المركزي مرهونة بتحرك باقي الوزرات في إنجاز ملفاتها مثل وزارة الاستثمار في جذب استثمارات أجنبية مباشرة، وكذلك إعادة تنشيط الصادرات والسياحة.
وجذبت مصر في الربع الأول من العام المالي 2015/2016 استثمارات أجنبية مباشرة تقدر بـ1.7 مليار دولار، في حين أن المستهدف خلال العام بأكمله يدور حول 10 مليارات دولار.