مخاطر زواج الأقارب تحاصر 40% من العائلات في الأردن
80% من أطفال زيجات الأقارب مصابون بعيوب خلقية وأمراض وراثية مثل التلاسيميا، التخلف العقلي، الضمور العضلي، التفول، الترنح، أمراض القلب.
اختيار شريك الحياة ليس بالأمر العشوائي، ويخضع للكثير من الدراسة والتدقيق، ورغم أن دراسات طبية عديدة بينت أن زواج الأقارب قد يحمل في طياته العديد من المخاطر، خاصة إن كان أحد المقبلين على الزواج يدرك تمامًا أن العائلة بها خلل جيني معين، ما يعزز احتمالات نقل هذا الخلل لأطفالهما، ليعيشا بعد ذلك رحلة من المعاناة والحزن على طفلهما، بعيدًا عن الاستقرار الأسري.
أم نائل خليفة، لديها ابن وابنة يعانيان من مرض "التلاسيما"، وهي تدرك أنها إذا أنجبت طفلًا ثالثًا سيكون مصابًا بهذا المرض، تقول: "تزوجت ابن عمي، ولم نخضع لاختبار ما قبل الزواج، لأننا تزوجنا منذ مدة طويلة ولم نكن نعرف أن هنالك فحصًا، كوننا نسكن في منطقة بعيدة عن العاصمة، والآن حياتنا تجسيد للمعاناة، فأبنائي لا يعيشون حياتهم بشكل طبيعي، ويظهر عليهم التعب، ولا ننسى التكلفة الاقتصادية من أدوية وفحوصات، وشهريًا نذهب للمستشفى لنقل الدم، فمن المعروف أن كريات الدم عند مريض التلاسيميا تعيش لأقل من شهر، في حين تعيش 120 يومًا في الإنسان الطبيعي".
تضيف أم نائل: "في القديم لم يكن هنالك خيار أمام الفتاة، فيخبرونها أنها ستتزوج ابن عمها، وتخبرهم أنها موافقة؛ لأنه لا خيار غير ذلك، زوجي تزوج امرأة أخرى، لأنه لم يكتفِ بهذين الابنين، خاصة أنهم مرضى، بالتالي هذا الزواج ترتب عليه أمراض ومشاكل أسرية ونفسية وغيرها".
الخوف من الغريب:
لا تنكر أم سليمان أن زواج الأقارب كان منتشرًا قديمًا بدرجة أكبر من الآن لعدة أسباب؛ فالعائلات بحسب قولها كانت تخاف بأن يجازفوا بحياة ابنتهم، ويوافقوا على زواجها من شخص "غريب" لا يعرفونه ولا يعرفون عائلته، إلا أن الحال تغيرت الآن، فتعليم الفتيات وعملهن في قطاعات مختلطة، زاد من فرص التعرف على عائلات أخرى، والارتباط بشخص خارج إطار العائلة.
وتضيف: "لدينا في العائلة قانون عرفي بألا يتزوجوا من خارج العائلة، حتى أصبحوا يشبهون بعضهم بعضًا، ومن الملاحظ أن مستويات التعليم قليلة في هذه العائلة، كون ذكاء أطفالهم أقل، ويعاني الكثير منهم من مرض (التفول)، وهو مرض وراثي، تتعرض فيه كريات الدم الحمراء للتكسر، خاصة الذكور منهم ويحتاجون إلى أدوية بشكل مستمر".
خريطة جينية:
الطبيبة ألاء فوزي من وزارة الصحة الأردنية تبيّن أن في الوزارة مديرية خاصة للتثقيف والإعلام الصحي، وتقوم بشكل مستمر وحثيث على إصدار نشرات التوعية، وعقد الندوات التي تعزز التواصل مع المواطن، وتشرح لهم خطورة زواج الأقارب وأهمية الفحوصات قبل الزواج.
وبحسب سجلات قسم الأمراض بينت أن 80% من أطفال زيجات الأقارب مصابون بعيوب خلقية، ومن أخطر هذه الأمراض الوراثية التي تصيب الأطفال: التلاسيميا، التخلف العقلي بدرجاته، الضمور العضلي، التفول، خلل في الأنزيمات، الترنح، أمراض القلب، وبعض أنواع السرطان، وغيرها من الأمراض.
تضيف فوزي: "يُعَد مرض التلاسيميا والتفول من أكثر الأمراض الوراثية المنتشرة في الأردن، وكما نعرف فإن فحوصات قبل الزواج غير كافية لمعرفة كل الأمراض الجينية، وننصح دومًا العائلات المصابة بأحد الأمراض أن تقوم بطلب إجراء فحص جيني بشكل خاص، فإذا كان في العائلة طفل مصاب بتخلف عقلي أو تضخم في الكبد أو شلل وتوفي بعمر صغير، يجب على العائلة البحث والتأكد من سبب الإصابة".
وتتتابع: "إذا كان العريس حاملًا لجين والعروس غير حاملة لهذا الجين، بالتالي سيبقى هذا الجين متنحيًا، والخطورة تكمن في مرض التلاسيميا، إذا كان الشخصان مصابين في المرض، فإن الأطفال بدون شك سيصابون بهذا المرض، ومع ذلك فإن وجود خلل جيني في فرد من أفراد الأسرة، لا يعني بالضرورة أن جميع أفراد الأسرة حاملون للجين نفسه، وبالتالي يجب رسم خريطة جينية للمقبلين على الزواج، هذه الفحوصات مكلفة، لكنها ستحميهم مستقبلًا من مشاكل عديدة".
إيجابيات وسلبيات:
مدير جمعية العفاف الخيرية المختصة بالزواج، مفيد سرحان يقول: "الإسلام شرع الزواج وحث عليه، وترك حرية الاختيار دون محددات أو قيود، والزواج من الأقارب له إيجابيات وسلبيات اجتماعية، وبحسب التعداد العام للسكان لعام 2015، فقد تبين أن 40% من حالات الزواج بالأردن تنتمي لنوع زواج الأقارب.
ومن الأسباب التي تجعل العائلات تتجه لزواج الأقارب أن إمكانية التعارف تكون أكبر داخل العائلة، خصوصًا في المجتمعات المغلقة والبعيدة عن الأماكن السكانية الكبيرة، مع ضعف العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، خاصة إذا كانت الفتاة لا تعمل، وبالتالي علاقتها مع الآخرين تكون ضعيفة أو معدومة، والبعض يحرص على زواج الأقارب استمرارًا للتكافل والتعاون، ولا ننسى أن هذا الزواج أقل تكلفة بحكم الحرص الكبير على الطرف الآخر.
ومن بعض السلبيات التي تواجه الأزواج المنتمين لعائلة واحدة، تزايد احتمالات تأثر العلاقة الزوجية بوجود مشكلات عائلية مستفحلة داخل الأسرة، ويمتد الأثر للأبناء، وقد تصل بعض الحالات للطلاق.
وأكد سرحان أن الفحص الطبي الذي يخضع له المقبلون على الزواج فحص إلزامي الإجراء وليس التطبيق، ويركز على مرض التلاسيميا؛ كونه المرض الوراثي الأكثر انتشارًا في الأردن، وفي حالة كان الفحص سلبيًّا عند أحدهم، وصمما على الزواج، فيتم توقيعهما على وثيقة بأنهما تزوجا وهما على وعي تام بمدى خطورة هذا الأمر على أطفالهما، ما يعني أن الزواج يتم أيضًا رغم أي شيء.
aXA6IDE4LjIyNy40OC4xMzEg
جزيرة ام اند امز