"فن أبوظبي" يروي حكايات الألوان بصخب
في معرض "فن أبوظبي- Art Abu Dhabi" فنون توزعت على 40 صالة عرض وعشرات الحوارات وفنون الأداء ونشاطات الأطفال..
أثناء قراءة لوحة تشكيلية ما، تُثار آلاف التساؤلات في داخلنا، وعندما تتجول العين في صالة كبيرة، فهذا لا يدع مجالاً للشك بأن آلافاً أخرى من التساؤلات ستُضاف إلى ما سبق، لكن التساؤل الأكبر هو: كيف نقرأ مئات اللوحات والمنحوتات، ونميز ألوانها في مدينة واحدة بزمان واحد؟
هذا التساؤل ليس مرتبطاً بفن واحد فقط، فهنا في معرض "فن أبوظبي- Art Abu Dhabi" الذي افتتح الثلاثاء وانطلقت أعماله الأربعاء 18 نوفمبر، فنون توزعت على 40 صالة عرض وعشرات الحوارات وفنون الأداء ونشاطات الأطفال، ولا تنتهي عند الهدايا والمعارض والمواقع التاريخية، كل هذا في منارة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبوظبي.
واعتبر الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، في افتتاحه الدورة السابعة من "فن أبوظبي"، أن "الفن غذاء الروح وطاقة إنسانية"، مشيراُ إلى أن "هذه التظاهرة الفنية الضخمة التي تقام في العاصمة سنويا، والتي تتيح الفرصة لسكان الإمارات "مواطنين ومقيمين" للاطلاع على أحدث الاتجاهات الفنية الحديثة والمعاصرة في العالم، تأتي منسجمة مع رؤية أبوظبي بأهمية الفن والثقافة بجميع أشكالها في تثقيف المجتمع وتطوير ذائقته ومعارفه، إضافة إلى دورها البارز في تنوير المجتمع وإعلاء قيم التسامح الإنساني".
وتستمر الدورة السابعة من "فن أبوظبي" التي تُقام برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لغاية 21 نوفمبر 2015.
تمازج الحضارات والثقافات فنيًّا
تتشعب موضوعات اللوحات، نتيحة اختلاف الدول والأفكار والقضايا التي تحيط بكل دولة على حدة، فمثلاً توجد لوحات كورية تتباين في موضوعاتها، إلا أنه من الملاحظ أن كمية التكنولوجيا كبيرة فيها، ولا سيما في لوحة فنية كهربائية استثنائية لأحد الفنانين على حساب الطبيعة، الأمر الذي يختلف عن البيئة الإماراتية والخليجية عموما والعربية بمفرداتها مثلاً، لكن هذه اللوحة وجدت لنفسها مساحة تتسع للجميع، ولكل التجارب الفنية.
ما يميز المعرض هذا العام أيضاً هو مشاركة الفنانين التشكيليين الإماراتيين، كـ محمد المزروعي، ومحمد كاظم، ود. نجاء مكي، وشيخة المزروعي، وفاطة المزروعي، وابتسام عبد العزيز، وذلك في فعاليات الفن العام والتصميم وفنون العمارة، التي كانت الموضوع الرئيس لصالات العرض في هذه الدورة.
ولكل مما سبق مفهمومه ونظرته للحياة، فقد نرى في المعرض منحوتات مختلفة وكتلاً معمارية مشكلة من مواد البناء لتجسد مفهوم فن العمارة، التي يستفيد منها طلبة الهندسة المعمارية أيما استفادة.
ويختص الفن العام بخلق مشهد معاصر للأعمال الفنية التي تتمازج بانسيابية مع المشهد الحضري الحديث للإمارة، فيما تسلط فنون العمارة الضوء على أهمية الفن المعماري ومكانته في تطوير رؤية المنطقة الثقافية في السعديات ومدينة أبوظبي، بينما يمثل برنامج فن أبوظبي للتصميم تعريفًا بالنتائج التي خلصت إليها ورشة عمل" مختبر التصميم"، ويتمثل الهدف في إجراء تحليل عمراني لمدينة أبوظبي.
وكذلك الفن لا يقتصر على زمن معين، فهناك الفن الحديث والفن المعاصر، وما إلى ذلك، ما يخلق تمازجاً بين الحضارات ثقافيا.
ولعل اللقاء بين الفنانين التشكيليين والنحاتين والمصورين الفوتوغرافيين يقدم خدمة كبيرة لمتذوقي الفنون، الذين يبحثون عن مادة فينة تشكيلية جديدة تلائم بين كل العصور والأزمنة والقوميات والجنسيات والأديان.
ويتجسد هذا اللقاء المفتوح بين عمالقة الفن في صالات العرض، التي تمتلئ بكل ما للون بصلة، في رحلة إيصال المعنى إلى المتلقي بأسهل الطرق وأيسرها.
جبل صنين وحكاية السلام والجمال
في غاليري "آرت سبيس" تلمح العين لوحات غاية في الجمال، منها ما رسمها التشكيلي المصري عادل السيوي لمجموعة عازفين مع آلاتهم الموسيقية، وكذلك منحوتات للبناني ألفريد بصبوص، والمصري خالد زكي، ولوحات اللبناني شوقي شمعون، الذي تحدث لـ "بوابة العين" عن لوحتيه..
يقول شوقي شمعون عن لوحته Pease in waiting إنها تشكل الجزء الأهم في حياته ومسقط رأسه ومرتع طفولته، حيث جبل صنين بلبنان، والتي "تنتهي حدود سمائها عند الجبل"، حسب مخيلته الطفولية.
ويستخدم شمعون لون الثلج الأبيض الناصع للتعبير عن حاجة البشر للسلام، وهم يصفّون في "طوابير"، ذلك المفهوم الذي حفر في ذهنه عميقاً ملايين الأسئلة والحالات والتي لا يستغني عنها في أي لوحة من لوحاته.
ويضيف الفنان اللبناني لـ "بوابة العين": "قد أهتمّ بقيمة البشر على حساب الطبيعة، التي لا قيمة لها بدونهم، لأن هذا هو الإحساس وهو معنى الجمال في كل ما أرسم، وما ستبقى كلماتي ولوحاتي لا آثار أقدامي التي محتها الريح".
وهنا ينتقل التشكيلي شوقي شمعون ليخبرنا عن لوحته الثانية بعنوان Pease Beyond والتي لا تختلف كثيراً عن الأولى، إلا أنها تمثل الصحراء الخليجية، حيث "مرتع تاريخ وحضارة" الفنان، التي بدأت حبات الرمل تحفر في نفسه وتغرقه منذ عام 2007، وكذلك تموجات الألوان والتي تعطي البُعد الجمالي لحياتنا".
ويوضح شمعون قائلاً: "اللون الواحد يعطيك درجات هائلة من التموج من خلال التعاطي مع الشمس وغيرها من مفردات الخليج والصحراء"، ويذهب في مخيلته بعيداً ليصف الحرب الأهلية في لبنان، وتأثير ذلك على لوحاته وطفولته، فيما يرى أن رسالة الفن في الجمال.
فن أبوظبي.. التجربة الفنية الثرية
يقول مسؤولو الفعالية إن "فن أبوظبي"، "تجربة ثرية متعددة الجوانب والأبعاد تتضمن معرضاً فنيا وبرنامجاً تفاعلياً متنوعاً ستتخلله فعاليات فنية وحوارات وإبداعات".
ويرون أن ما يميز المعرض هو "سلسلة الحوارات وجلسات النقاش بمشاركة مجموعة من الشخصيات الفنية الرائدة على مستوى العالم، والتي تتيح للجمهور المشاركة في مناقشة مختلف جوانب الفن المعاصر في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما ينتقل المعرض في دورة هذا العام بالأعمال الفنية إلى شوارع المدينة من خلال سلسلة من عروض الأداء الحية والتفاعلية تحت عنوان البهجة".
تنتهي جولة اليوم الأول من معرض "فن أبوظبي"، ولا يشبع الزائر من التعرف إلى الأعمال الفنية التي تحضنها هذه التظاهرة الفنية، ومن الطبيعي أن يسير المتفرج في مساحة مكانية في زمن ما، ليلاحظ الكم الهائل من الجمال الذي استطاع أن يجمعه في ذاكرته وهو عائد إلى منزله، ورغم أن الأعمال الفنية وصالات العرض ربما لا يفهما الجميع ولا يدرون كنهها بالضبط، إلا أن من المؤكد أنها تثير الجدل، وهذا ما يريده كثير من الفنانين.
aXA6IDMuMTUuMjE0LjE4NSA= جزيرة ام اند امز