إعلان وزير الآثار المصرية عن قرب فك لغز مصير ومكان مقبرة نفرتيتي، يثير جدلًا واسعًا بين علماء الآثار حول إمكانية تحققه من عدمه.
أثار كشف وزير الدولة لشؤون الآثار المصرية، ممدوح الدماطي، أمس الخميس، عن نتائج المسح الراداري الأولي لمقبرة الملك توت عنخ آمون واحتمالية اكتشاف مقبرة الملكة نفرتيتي خلف جدرانها، جدلًا بين علماء الأثار.
يري الفريق المؤيد أن هناك دلائل تشير إلى تحقق ما ذهب إليه وزير الآثار؛ أهمها احتمالية رجوع نفرتيتي عن اعتناقها للديانة الآتونية، أما الفريق المشكك فقد حدد 5 أسباب تستبعد احتمالية اكتشاف أو حل لغز الملكة نفرتيتي الذي حير علماء الآثار لسنوات .. فهل يتحول كشف نفرتيتي إلى كذبة أبريل؟
وأظهر المسح، الذي أجراه فريق ياباني لمقبرة الملك توت عنخ آمون في وادي الملوك بالأقصر جنوبي البلاد نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وجود حجرتين خلف الجدارين الغربي والشمالي للمقبرة ووجود أجسام "معدنية" وأخرى "عضوية" داخلهما، وهو ما يتوافق مع ما زعمه عالم الآثار البريطاني الشهير نيكولاس ريفز أن نفرتيتي تختبئ خلف مقبرة توت عنخ آمون ويتبني هذا الزعم فريق من المتخصصين المصريين في مجال علم المصريات.
وفريق آخر يختلف مع هذا الزعم ويرى فيه إشكاليات تاريخية، حيث يؤكد أنه من المستحيل وجود مقبرة نفرتيتي خلف مقبرة من يعتقد أنه ابنها توت عنخ آمون، لعدة أسباب رصدوها أبرزها أنها لم تمُت في الأقصر بل انتهت حياتها مع زوجها أخناتون في تل العمارنة، ثانيًا أن مدافن وادي الملوك مقتصرة على الملوك فقط وليس الملكات.
ومن الفريق المؤيد لاحتمال وجود مقبرة نفرتيتي خلف مقبرة توت عنخ آمون، رامي سمير فرج أستاذ الأثار المصرية الذي يقول لـبوابة "العين" الإخبارية، إن تحقق زعم وافتراض عالم الآثار البريطاني نيكولاس ريفز وإعلان الدكتور الدماطي عن احتمالية وجود مقبرة للملكة نفرتيتي أو (كيا ) أو( ميريت آتون) وارد جدًّا، لعدة أسباب؛ أهمها احتمالية رجوع نفرتيتي عن اعتناقها للديانة الآتونية بسبب خلاف حاد بينها وبين زوجها أخناتون حول العقيدة الجديدة بعد زيارة الحماة إليها في تل العمارنة.
ويضيف: هناك احتمالية انتقال نفرتيتي معها إلى طيبة وموتها ودفنها هناك وليس العمارنة كما هو الاعتقاد السائد.
وعن فرضية أن تكون مقبرة إحدى الملكات الأخريات نظرًا لصغر حجم المقبرة المخصصة لتوت عنخ آمون، يقول فرج: "كله ممكن طبعًا، كيا أو مريت آتون أو نفرتيتي، المقبرة فعلًا صغيرة؛ طبعًا بالمقارنة بغيرها والموت المفاجئ معلوم حتى لو كان مدبرًا وعليه فالأمر وارد".
وعلى الجانب المشكك يقف الدكتور عبد الحليم نور الدين أستاذ الآثار المصرية، قائلًا: "إن الخبر الذي أعلنه الدكتور ممدوح الدماطي مشكوك في صحته تمامًا؛ لأنه لا يرتقي لكونه حقيقة أثرية أو تاريخية، وتكرار لحكاية قديمة قد يكون الهدف منها هو التجديد للدكتور ممدوح شخصيًّا في الحكومة، أو ترويج للسياحة المصرية".
ويتساءل نور الدين: "لماذا هناك تسويف ومماطلة لمدة شهور طويلة في إعلان الكشف؟".
وفي تعليقه عن إمكانية تحقق هذا الفرض، يقول: "لا يمكن تحققه، هذا كلام يحتاج معجزة، ومستحيل لعدة أسباب، أولًا أن نفرتيتي زوجة أخناتون لم تمُت في الأقصر، بل انتهت حياتها مع زوجها في تل العمارنة، ثانيًا أن مدافن وادي الملوك مقتصرة على الملوك فقط وليس الملكات؛ فكيف تدفن نفرتيتي هناك؟ وكيف تدفن أعظم ملكات مصر في غرفة خلفية كما قيل؟".
ويؤكد نور الدين أن نفرتيتي ماتت على العقيدة الآتونية وليس الآمونية، متسائلًا: كيف يسمح لها بالدفن في طيبة التابعة للديانة الآمونية وتحت سيطرة كهنة أمون، كما أن الكلام عن ارتدادها عن الآتونية كلام مرسل لا يوجد عليه دليل، وأن زيارة حماتها كانت في بداية الدعوة وفشلت الزيارة في إقناعها ولم تنتقل لطيبة، كما أن المقبرة رقم 13 في تل العمارنة بها مناظر وصور لنفرتيتي وبناتها.
ويضيف أنه لا يوجد دليل واضح وقاطع على أن الملك توت عنخ آمون هو ابن نفرتيتي وأخناتون حيث لم يظهر معهما نهائيًّا في أي من الصور الأثرية سواء الملكية أو الجنائزية وهناك شك أن يكون ابنًا لـ"كيا" وليست نفرتيتي ومن المحتمل أن يكون (سمنخ كا رع) وهو اسم لأسماء نفرتيتي وليس ابنًا لأخناتون كما قيل .
وفي السياق نفسه، يتساءل محمد حسن جابر الباحث الأثري عن سبب دفن نفرتيتي في وادي الملوك، وهو مكان مقبرة توت عنخ آمون، وليس في وادي الملكات كما هو المعتاد في تاريخ مصر؟
أما عن زعم أن نفرتيتي قبل موتها رجعت عن الديانة الآتونية وتخلت عن زوجها، يقول: "ليس لدينا دليل أثري قاطع على عودتها من الديانة الآتونية إلى الآمونية؛ فهي إلى آخر فترات حياتها كانت تقف بجوار زوجها أخناتون ولا يوجد أي دليل على اعتناقها للآمونية مرة أخرى" .
ويتساءل حسن جابر، لماذا التفكير بأن الحجرة تخص ملكة؟ موضحًا أنها غالبًا حجرات لإحدى أفراد البيت المالك؛ لأنها حجرة فقيرة داخل حجرة غير مجهزة بشكل ملكي كامل من حيث النقوش والزخرفة والكتابات.
ويستبعد جابر أن تكون الحجرة المكتشفة مقبرة نفرتيتي؛ لأنه لا توجد لدينا مقبرة داخل مقبرة أخرى، وهو ما يتعارض مع العقيدة المصرية الخاصة بالبعث والتي تنادي بعودة "البا" إلى "الكا" الروح إلى الجسد.
ويبدو أن إعلان الاكتشاف الجديد، جاء ليضيف لغزًا جديدًا إلى الألغاز التي أصابت عقول المتخصصين بالحيرة طوال العقود الماضية حول مصير مقبرة أهم ملكات مصر في العصر القديم "نفرتيتي"، فهل يساهم المسح الراداري الجديد للمقبرة والذي سيجري 31 مارس/آذار الجاري في التعرف على أبعاد وطبيعة الأجسام التي رصدها المسح الأولي أم يكون كذبة أبريل المقبلة؟
aXA6IDMuMTIuMTQ4LjE4MCA= جزيرة ام اند امز