ليبيا في مفترق طرق.. التوافق أو مزيد من الفوضى (تحليل)
بعد تفاقم الأزمة الليبية مؤخرا، واتجاه مجريات الأحداث نحو مزيد من التعقيد، تقدم "بوابة العين" قراءة تحليلية في الأزمة وأطرافها
تفاقمت الأزمة الليبية فى الآونة الأخيرة بعد أن تفجرت اشتباكات عنيفة فى العاصمة طرابلس حيث بدأ الخلاف يدب بين الميلشيات، وبدأت مجريات الأحداث تشي بأنها تتجه نحو مزيد من التعقيد.
ويظهر من إيقاع تحولات الموقف على الأرض وفى الفضاء السياسى خلال الأيام القليلة الماضية، أن هذا البلد أصبح مرشحا لمزيد من الاضطراب والفوضى نتيجة تشبث كثير من الأطراف بمواقفها.
وتصاعدت ذروة الخطر بعد الموقف الأخير من حكومة "الإنقاذ الوطنى" التى كانت غير معترف بها شكليا من الغرب، والتى أعلنت التمرد فى طرابلس برفض السماح لحكومة "الوفاق الوطنى" بممارسة عملها من عاصمة البلاد وتسليم السلطة لها.
وفى رد فعل من حكومة الوفاق الوطني الليبية، صرح رئيسها فايز السراج بأن حكومته سوف تنتقل من تونس إلى طرابلس، خلال أيام بعد ترتيب خطة أمنية جرى الاتفاق عليها مع الشرطة والقوات المسلحة في طرابلس، ومع بعض الفصائل المسلحة والأمم المتحدة.. وفى التو عقبت غرفة ثوار ليبيا التابعة للمؤتمر الوطني العام متوعدة ومهددة بحرب وصفتها بـ"طويلة الأمد" في حال محاولة أي مجموعات تمكين حكومة الوفاق الوطني من دخول العاصمة الليبية.
وقد تجلت النبرة المناوئة لحكومة الوفاق فى بيان زاعق يتصف بالشراسة والتحدى عبر تصريحات من رئيس الحكومة الليبية غير الشرعية خليفة الغويل - المدعوم بميلشيات فجر ليبيا - احتوت تهديدا صريحا جاء فيه "إذا كانوا يريدون دخول ليبيا كمواطنين ليبيين فهم مرحبًا بهم، لكن إذا دخلوا كحكومة فنأمل ألا يتورطوا في هذه العملية؛ لأنه سيكون خرقًا للقانون".
وأكد الغويل موقف حكومته الرافض قائلا إن "الحكومة التي عينتها الأمم المتحدة تفتقر إلى الشرعية اللازمة لتحكم من طرابلس".
قبلها مباشرة صرح وزير خارجيته "علي أبو زعكوك" قائلا إن "ما يحدث في تونس من اجتماعات بين بعض الذين يسمون أنفسهم حكومة الصخيرات (تجاهلا لمصطلح الوفاق الوطنى) نعتبره عملا عدوانيا، وغير شرعي وغير مقبول من طرفنا، وأتمنى من السلطات التونسية أن تنهي هذا العمل في داخلها".
واختتمت حكومة الغويل هذا الموقف الحاد والعنيف ببيان رسمى قال فيه إنها لن تسلم السلطة إلى حكومة " فرضت من الخارج، لم يتوافق عليها الليبيون، نقول لا مكان لها بيننا".
هنا يجب التنبه إلى أن موقف الحكومة غير الشرعية فى طرابلس التى جاءت على أسنة الرماح فى أغسطس/آب من عام 2014، أشبه بدرجة لافتة بموقف ميليشيات الحوثيين فى اليمن، مما حدا بالمتحدث باسم قوات التحالف العربية المستشار العسكري لوزير الدفاع السعودي، العميد الركن أحمد عسيري، فى إشارة كاشفة للأوضاع، بالتأكيد أن اليمن سيبقى بحاجة للدعم على المدى الطويل لتجنب تحوله إلى ليبيا ثانية.
خلفية الأوضاع
أعقب سقوط الرئيس الليبى السابق معمر القذافى حالة من الفوضى عمت البلاد بسبب طوال فترة حكمه التى هدم فيها البناء المؤسسى للدولة بممارسة أسوأ أنظمة الحكم من خلال إقامة توازنات داخلية اعتمدت على تقريب القبائل ذات الثقل وإعلاء بعضها وإعادة استبدال أطراف منها بأخرى من حين لآخر وإعلاء قوى مهمشة فى لعبة أشبه بالكراسى الموسيقية لتأمين أركان حكمه واتخاذ حاشيته من بينهم وإغداق الأموال على القيادات القبلية باختلاف مناطقها في دولة عاشت طوال فترته من دون دستور.
وهكذا خضعت ليبيا طوال أربعة عقود لفراغ سياسي كامل، وبالطبع واجهت الدولة مرحلة ارتباك والتباس بعد سقوط القذافى، وقد بلغ من إمعانه فى تأمين سطوته أنه بدد وجود قوات مسلحة متماسكة وقوية، وجعل منها هيكلا خاويا رغم تخمة السلاح الذى كان يستورده لأسباب سياسية فقط.
بعد أن أنهت دول من حلف الناتو حربا قصيرة، اعتمدت على القصف الجوى والصواريخ المجنحة لمساعدة القوى الرافضة لنظام القذافى على التخلص منه، انصرف الناتو دون بذل أدنى جهد لترتيب أوضاع مستقرة، أو على الأقل المساعدة على ذلك، تاركا الساحة الليبية تغرق فى سيل من المشاكل التى استجدت على واقع دولة أفرغت من المؤسسات فى سنوات حكم القذافى، وتعددت فيها المليشيات المسلحة وقواتها المسلحة منقسمة ومهلهلة، والأخطر أن الإسلام السياسى استغل الفرصة – كالمعتاد – فى محاولة للإستيلاء على الدولة.
وكان موقف الغرب ملتبس ومريب فيما يتعلق بالشرعية التى نشأت بعد إجراء انتخابات برلمانية بإشراف ورقابة دولية لا تحوم أى شبهات حول سلامة نتائجها تعبر عن إرادة شعبية حقيقية، وأسفرت هذه الانتخابات عن حصول القوى الوطنية على نسبة كاسحة فى مقابل سقوط ذريع لقوى الإسلام السياسى، التى لجأت إلى القوة لفرض حكومة موازية فى خروج سافر على قواعد الديمقراطية ومعطيات الشرعية.
الموقف العربى
لم تكن تداعيات الأوضاع العربية تسمح طوال تفاعلات الأزمة الليبية بالقيام بدور فاعل يحاصر المشكلات ويحسم الخلافات، ففى أعقاب فترة مايسمى بـ"الربيع العربى"، تفجرت فى المنطقة العربية حالة جسيمة من الاضطراب والفوضى لم تشهدها طوال تاريخها المعاصر فالعراق منقسم وملئ بالصراعات وسوريا سقطت فى هوة حرب أهلية طاحنة، والسعودية تقود التحالف العربى فى حرب ضروس ضد الحوثيين ومؤامرات على عبدالله صالح.
وعلى صعيد دول الجوار الليبى، تخوض مصر حربا داخلية ضد الإرهاب وتواجه تحديات اقتصادية صعبة، وتونس فى حالة حراك سياسى ومواجهة تطورت أخيرا مع الإرهاب، والجزائر تتوجس من عودة موجة الإرهاب التى كلفتها فيما مضى ثمنا مأساويا، ومع هذا فقد كان الموقف السياسى من أغلب الدول العربية يتصف بالحكمة والنزاهة بلا انحيازات أو مآرب ونية صادقة فى الحفاظ على مصالح واستقرار الشعب الليبيى.
موقف القوى الكبرى
اتصف موقف القوى الكبرى طوال تطور الأزمة الليبية بعدم الاكتراث أو الانتهازية بعد سقوط القذافى، وبعض من القيادات فى الغرب كانت تعمل على التخلص منه ومن خزانة أسراره المليئة بمخالفاتهم ولم تكن الغاية تخليص الشعب الليبى من ديكتاتوريته بدليل أنهم أعطوا ظهرهم للمسألة الليبية فور سقوط القذافى وتركوا الشعب الليبيى فى مهب الريح، رغم أن الغرب يعرف التداعيات الجسيمة التى تعقب سقوط الأنظمة الشمولية.
وعكست تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأخيرة عن طبيعة تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) هذا الموقف المزرى عندما اتهم أوباما صراحة حلفاؤه الأروبيين بالمسؤولية المباشرة عن حالة الفوضى الآن التي تعيشها ليبيا، مشيرا إلى أنه كان مخطئاً عندما اعتقد أن الأوروبيين يستطيعون بحكم قربهم الجغرافي من ليبيا إعادة الأمور إلى نصابها بعد انتهاء عملية التدخل العسكري.
الأفدح أن الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية أتخذت فى مرحلة تالية موقفا مثيرا للريبة بعد إجراء الانتخابات البرلمانية فى عام 2014 التى تمت برعايتها المباشرة ولم تساند الشرعية طبقا لقواعد اللعبة اليمقراطية التى تتشدق بها وتساهلت مع خروج حكومة طرابلس الموازية على الشرعية مما ساهم فى تعقيد الأوضاع سياسيا وعلى الأرض داخل ليبيا بدرجة غير مسبوقة وقتها ولم يتخذ الغرب أى إجراءات حمائية لصالح الشرعية التى حصلت على الإجماع الشعبى من خلال صناديق الانتخاب والأدهى مساواة الجيش الليبيى المنبثق عن الحكومة الشرعية بالجماعات الإرهابية فى حظر السلاح وتجاهل الغرب توقيع أى عقوبات على الحكومة الموازية الفاقدة للشرعية فى طرابلس وكان من نتيجة ذلك أن انقلب السحر على الساحر حيث تمنع هذه الحكومة الآن دخول حكومة الوفاق الوطنى إلى عاصمة البلاد.
إشكاليات الواقع السياسى الليبيى
بعد أربعة عقود من تبديد القذافى لمقومات الدولة القومية التى اصطلح الفكر السياسى الحديث على طبيعة مؤسساتها وأدواتها وأجهزتها السيادية، واجهت النخبة السياسية الليبية تحديا صعبا للتغلب على ميراث دولة القذافى.
وكان التحدى الصعب يتمثل فى أن المؤسسات التى يجب أن تعطى كيانا متجسدا للدولة لاتجد مكانا واقعيا للتحقق على الأرض، حيث يلعب التدخل الخارجى دورا خطيرا فى تعطيل إمكانية وجود مؤسسات سيادية، فتحت شعار الوفاق الوطنى البراق شكلا، المخادع موضوعا، ساندت أمريكا بطريقة غير مباشرة حكومة طرابلس غير الشرعية حتى تجد موطأ قدم للإخوان المسلمين بعد أن لفظهم الشارع الليبى عقب الانتخابات التي أطاحت نتائجها المعبرة عن إرادة شعبية بتيار الإسلام السياسي.
فنتائج الانتخابات التى أعلنتها مفوضية الانتخابات فى 21 يوليو/تموز 2014، أظهرت مدى رفض تيار الإسلام السياسى حيث لم يحصل سوى على 23 مقعدا فقط من أصل 188 تم الاقتراع عليها، لذلك قرر هذا التيار إعاقة وعرقلة عمل مجلس النواب الشرعى بكافة السبل والتحايلات واعتبار كل ما يصدره من قرارات غير دستوري وهكذا وجدت النخبة السياسية الوطنية المنوط بها تولى مهام إعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار والتنمية نفسها محاصرة بأوضاع داخلية غير مواتية يتسبب فيها تيار مارق.
ووطنيا أيضا، لعبت القبيلة الدور السياسى الرئيسى فى البلاد قبل نشأة الدولة الليبية الحديثة، ووظهر ذلك جليا في فترة الاستعمار الإيطالي وخلال مراحل الجهاد الوطني ضده .
ويشكل مفهوم القبلية قيمة ضاربة فى عمق تاريخ المجتمع الليبي ولها دور اجتماعي واقتصادي دائما ما كان إيجابيا وكان من المأمول أن يساعد النظام القبلى فى مساندة القوى السياسية الوطنية على احتواء الأوضاع الجديدة والعمل على إقامة حكم ديمقراطي متماسك في البلاد، لكن الموروث التاريخى للقبيلة تعرض لاختلالات فى الفترة التى أعقبت انتفاضة 17 فبراير/شباط 2011، أثرت سلبا على دورها كفاعل أساسى فى أنشطة الدولة بسبب تمدد جماعات الإسلام السياسى فى محاولة للقفز على الواقع الاجتماعى والسياسى وانتزاع السلطة وهى بطبيعتها جماعات لاتقيم اعتبارا لأشكال الخصوصية الوطنية وتعادى الولاء القبلي الذى يلعب دوراً كبيراً في النظام السياسي مما أدى إلى خروج بعض شباب القبائل عن سيطرة شيوخها وقياداتها نتيجة العنف السائد وسيولة الأوضاع السياسية .
فوضى الواقع العسكرى
تفتقد ليبيا إلى قوة نظامية عسكرية قادرة على بسط نفوذ الشرعية على كامل الأراضى الليبية، والقوة النظامية الأكبر والأكثر احترافية هى قوات الجيش فى شرقي البلاد، التى تتميز بأنها لا تحمل أى توجهات سياسية أو جهوية أو قبلية وبعيدة عن سطوة المليشيات، ولا يحركها سوى الدافع الوطنى لإنقاذ البلاد ورغم تعنت الغرب ضد هذا الجيش غير القابل لموائمات لاتصب فى صالح الدولة الليبية، إلا أنه نجح فى تحقيق مكاسب قوية فى الفترة الأخيرة فى بنغازى ومناطق واسعة فى شرق الدولة وإلحاق هزائم بالغة التأثير بالمليشيات الموجودة فى هذه المناطق، وهو يقترب الآن من تحقيق سيطرة كاملة على شرق البلاد عدا بعض الجيوب الصغيرة وتمركز ضعيف لداعش وأنصار الشريعة فى درنة، وإذا كان التقييم الموضوعى يرجح كفة هذا الجيش ويجعل منه نواة لأن يكون القوة المؤهلة لبسط الشرعية، إلا أن قوى فى داخل وخارج ليبيا تعمل على إعاقة هذه القوات الوطنية فى ظل أوضاع بائسة نتيجة التشرذم السائد عسكريا.
واقعيا، تتعدد الميلشيات المتناحرة فى ليبيا التى تستخدم السلاح لفرض الرأى حتى ولو كان مخالفا للإجماع الشعبي، وكما هى العادة يلعب الإسلام السياسى الدور الأبرز والرئيسى فى تأجيج الخلاف السياسى والجنوح به نحو العنف المسلح، وقد استغلت المليشيات المسلحة غياب سلطة الدولة وبدأت فى فرض سيطرة على الأرض طبقا لتوجهات كل ميليشيا وغالبيتها العظمى غير معنية بالمصالح الوطنية للدولة جريا وراء تنفيذ أجندتها، وبعض هذه المليشيات يحيط بها شكوك قوية فى طبيعة ولائها وارتباطها بجهات خارجية وتنظيمات إرهابية عابرة للدولة القومية وفى مرحلة لاحقة اندمج أغلبها فى تحالفات مثل مايسمى بفجر ليبيا والتعاون بين ميليشيتى أنصار الشريعة ودرع ليبيا لذا من الضروى استعراض نبذة عن فصيلين فقط من هذه الميليشيات كنموذج استدلالى لكثرتها وتحولات التحالف فيما بينها.
غرفة عمليات ثوار ليبيا
أسست فى منتصف 2013 بدمج مجموعة ميليشيات صغيرة ويقودها شعبان مسعود هداية الملقب ب "أبو عبيدة الزاوي" الذي كان يتزعم "غرفة ثوار الاخوان" وقد تلقى العلوم الشرعية على يد الشيخ السلفي "مقبل بن هادي الوادعي" في معقل السلفية في "دماج" باليمن، إلا أنه تأثر هناك بأفكار "تنظيم القاعدة" أوكل إليه "نورى أبوسهمين" رئيس المؤتمر الوطني الليبي المنحل بحماية طرابلس بعد أن استولى الإخوان المسلمين عليها وتقدر أعداد عناصرها بالآلاف من مسلحي المنطقة الغربية والوسطى من ليبيا.
وتشير تقارير إعلامية غير مؤكدة إلى أنها تقوم بتأمين بعض الحقول والمنشآت النفطية وهى المليشيا التى قامت بخطف رئيس الوزراء الليبي السابق علي زيدان واختطفت مجموعة دبلوماسيين مصريين فى ليبيا لمبادلتهم بأبى عبيدة الزاوى الذى قبضت السلطات المصرية عليه فى الإسكندرية فى يناير/كانون الثاني 2014 بعد تسلله إلى مصر للتنسيق مع عناصر الإخوان المسلمين المسلحة.
وسبق للزاوى أن أطلق فتوى تقضي بإعدام أفراد الجيش الليبي بطلقة في الرأس وهى الفتوى التى أدت إلى انطلاق عملية الكرامة فى بنغازى بعد التصفيات الكثيرة التى تعرض لها أبناء القوات المسلحة وغرفة عمليات ثوار ليبيا على تحالف كامل مع مليشيتى أنصار الشريعة ودرع ليبيا ومندرجة فى الإطار العام لقوات فجر ليبيا المسيطرة على الغرب الليبيى .
درع ليبيا
تنظيم عسكرى من أكبر المليشيات المسلحة فى ليبيا، يتبع الإخوان المسلمين، وقام بأعمال انتقامية وحشية أثناء معارك سقوط القذافى وبعدها فى كافة أنحاء البلاد ضد الرافضين لتوجهاتهم، وقد ارتكبت هذه المليشيا مجازر فى مناطق مختلفة بدأتها بجريمة حرب فى بنى وليد حيث لقي عشرات المدنيين مصرعهم أثناء هذا الهجوم على المدينة، بالإضافة إلى تدمير المنازل ونهب الممتلكات الخاصة والعامة وفى مرحلة تالية قامت قوات من درع ليبيا يقودها "وسام بن حميد" بإطلاق الرصاص على حشد من المتظاهرين المدنيين، وقتلت 31 منهم أمام معسكرها في منطقة الكويفية شمال بنغازي، عندما طالب المتظاهرون العزل الميليشيا بتسليم أسلحتها للجيش وإخلاء المقر والابتعاد عن المظاهر المسلحة بالمدينة وفي يوليو/تموز 2014 أثناء شهر رمضان قامت درع ليبيا التي يقودها نفس السفاح وسام بن حميد بالتعاون مع تنظيم "أنصار الشريعة" فى إطار مايسمى (مجلس شورى ثوار بنغازي) بالهجوم المسلح على معسكرات القوات الخاصة للجيش الليبيى في مدينة بنغازي، مما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف الطرفين وفي صفوف المدنيين كما قامت قوات درع ليبيا فى طرابلس ضمن مجموعة ميليشيات تابعة لمصراتة بفتح النار على متظاهرين عزل يحتجون على تجاوزات الميليشيات وذلك أمام مقر تحتله الميليشيا في حي غرغور حيث قام أفراد من الميليشيا بفتح النار على المتظاهرين مما أدى إلى مقتل مايزيد عن 45 مدنياً وجرح قرابة 500 آخري.
إقحام داعش على تعقيدات الأزمة
لم يتمكن هذا التنظيم من إقامة قواعد ثابتة له على الأرض سوى فى البلدان التى تتصف بهشاشة سلطة الدولة، لذلك فشل فشلا ذريعا عندما حاول فعل ذلك فى اماكن عديدة آخرها مدينة بنقردان التونسية وبالمثل محاولة عناصر "أنصار بيت المقدس" التى بايعته فى شمال سيناء بل امتد هذا الفشل إلى فرادى عناصره التى تسللت إلى المملكة العربية السعودية أى انه تنظيم لايقوى على التمدد فى الدول ذات النظام السياسى والأمنى الصلب لهذا كانت ليبيا بيئة مناسبة لزرع هذا التنظيم الشيطانى بها بعد أن اشتد الحصار عليه فى سوريا والعراق.
وساعد "داعش" على فرض سيطرته فى بعض المناطق الليبية وجود مساحات واسعة غير خاضعة لأي من الحكومتين وعدم وجود قوة عسكرية قادرة على التفرغ لمواجهته لذلك نشط فى فرض سيطرته على بعض مناطق الساحل الليبي توطئة لاحتلال موانئ تصدير النفط الخام فى راس لانوف والسدير وبن جواد وبالطبع حقول "الهلال النفطي" الذي يقدر احتياطيها بـ 50 مليار برميل.
وقد أدركت داعش أهمية احتلال مناطق النفط لتمويل أنشطتها من بيعه فى السوق السوادء بعد تجربتها فى سوريا والعراق وسوف تتشبث عناصر داعش بقوة بمواقعها فى ليبيا بعد تضيق الخناق عليها فى سوريا والعراق ومن اللافت أن الكتلة الرئيسية من العناصر التى تمت تعبئتها من تنظيم داعش انتقلت إلى ليبيا فى إطار عملية تحرك عبر مسافة منفصلة حدوديا عن قاعدة وجود هذه العناصر ومواقع وتمركزها فى المنطقة المعروفة ببادية الشام الموجودة.
ويحتاج تنفيذ التحرك العملياتى لعناصر مسلحة مزودة بذخائر واحتياجات إدارية أساسية إلى إمكانيات تفوق فى هذه الحالة قدرات تنظيم داعش إذ لا يمكن انتقال عناصر التنظيم إلى ليبيا إلا بإمكانيات لوجيستية لا تتوفر إلا للدول من وسائل نقل بحرية أو جوية يفتقدها داعش بطبيعة الحال كليا فقد وصلت الكتلة الرئيسية من التنظيم إلى ليبيا عن طريق دعم لوجيستى من دول متواطئة تربطها به مصالح وأهداف مشتركة.
واستخدم التنظيم فى تنفيذ هذا الدعم جسر من وسائل النقل الجوى والبحرى ويدل على طبيعة المساعدات التى تلقتها داعش السفن التركية التى تمت مصادرتها فى أكثر من بلد منها اليونان والسويد، وكانت تحمل أسلحة وذخائر ومتفجرات غير مرخصة، ولا يقتصر الدعم اللوجيستى لداعش على وسائل النقل فقط فد اكتشفت لدى التنظيم فى ليبيا جوازات سفر وبطاقات هوية مزورة لتسهيل تحرك عناصر التنظيم إلى دول أخرى ومن العوامل التى ساعدت على دخول داعش إلى المسرح الليبيى وجود مليشيات متواطئة معه ومبايعة له من أنصار الشريعة وهذا ما يزيد مخاطر التنظيم.
عموما لم يكن دخول داعش إلى الساحة الليبية عملا دعويا أو جهاديا بريئا لأن الزج بعناصرها من جنسيات مختلفة غير مبرر فى بلد متصالح مع الإسلام وكل سكانه من المسلمين وبالتالى ليست هناك حاجة لطرد غير المسلمين منه أو التخلص منهم بالإبادة والسبى، كما هو فكر هذا التنظيم الجهنمى الذى تمت صناعته فى هذا التوقيت لتنفيذ أجندة الفوضى الخلاقة وبهذا يكون الزج بداعش من الخارج عملا مخططا ومحسوبا لاستخدامها مثلما حدث فى العراق وسوريا من أجل إشعال الأوضاع على الأرض لنشر الفوضى والترويع فى كل مكان وعناصر داعش الإرهابية مدربة تدريبا فائقا على أداء هذا الدور الشيطانى حتى ولو كان هناك قطيع من المغيبين بين عناصرها لايدركون أنهم عرائس ماريونيت
التخبط يسود المشهد
حكومة الوفاق الوطنى الحائزة على القبول الأممى وبعض مكونات الداخل الليبيى تواجه تحديا عنيفا من الحكومة الموازية القائمة فى طرابلس، والاشتباكات تندلع فى المدينة فى الغالب هى بين مليشيات لقوى تقبل بالحكومة الجديدة وأخرى رافضة لها، أما فى شرق ليبيا فقد أعلنت الحكومة الثالثة هناك (والتى من المفترض أنها تحظى بالشرعية حتى الآن) إن فرض حكومة مدعومة من الأمم المتحدة بدون موافقة برلمانية يزيد الأزمة تعقيدا، ودعت فى بيان لها الأطراف المحلية والدولية إلى عدم التعامل مع الحكومة الجديدة إلا بعد حصولها على ثقة البرلمان.
وعلى صعيد آخر، دول الجوار الليبيى تعقد اجتماعا يضم وزراء خارجية تونس وليبيا ومصر والجزائر والسودان والتشاد والنيجر يحضره الأمين العام لجامعة الدول العربية، وممثلي الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي ورئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، ثم هاهى التصريحات تتطاير من الدول الأوروبية مرة كبالونة اختبار وأخرى كتطمينات بعدم التدخل العسكرى، وكلها بالطبع متضاربة، فأوروبا مشغولة بإيقاف الهجرة غير الشرعية ومهمومة بالتصدى لأخطار داعش التى صار لها موطأ قدم فى حوض البحر الأبيض المتوسط، ولا أحد يعرف بالضبط ما الذى تضمره أوروبا التى توجد لبعض بلدانها أعداد محدودة من القوات فى أماكن غير معلنة داخل ليبيا، وإذا كانت حكومة الوفاق قد نجحت برعاية أممية أو بغيرها فى الحصول على تأييد بعض المليشيات فى طرابلس فإن هذه المليشيات من الممكن أن تتحول فى المستقبل إلى سيف مشرع فى وجه حكومة الوفاق نفسها.
وفى حال النجاح، فى تثبيت سلطة حكومة الوفاق الوطنى فإنها سوف تدخل فى تحد صعب أو بمعنى أدق شديد الصعوبة لتحقيق التوازن الحرج بين كافة الأطراف من أجل تسيير عجلة العمل الوطنى وتسييد مفهوم السلطة الشرعية الواحدة، وسوف يكون من أدق مهامها بناء مؤسسات للدولة بعد الانتهاء من مهمة عصيبة فى جمع السلاح من المليشيات، إضافة إلى التغلب على تعقيدات الوضع السياسى فى البلاد، والقدر الذى سوف تناله من معاونة المجتمع الدولى لمساندة الحكومة سياسيا واقتصاديا وقدرة أعضائها فى التوافق على القرارات نظرا لاختلاف توجهاتهم .
ليبيا فى مفترق طرق هل يفضى إلى مزيد من التيه أم ينهى المتاهة؟.. سؤال ملقى فى جعبة الليبيين سوف يكشف عنه المستقبل.
aXA6IDE4LjExNy43MS4yMTMg جزيرة ام اند امز