آمال السلام في قبرص تنجو من اتفاق الهجرة التركي الأوروبي
مسؤولون ودبلوماسيون بالاتحاد الأوروبي يقولون إن الاتفاق مع تركيا بشأن اللاجئين لم يقوض عملية السلام القبرصية.
في قلب الجدل الدائر حول جدوى الاتفاق الذي وقعه الاتحاد الأوروبي مع تركيا لوقف تدفق المهاجرين ومدى قانونيته وجدارته الأخلاقية، يقول مسؤولون ودبلوماسيون بالاتحاد، إن للاتفاق نتيجة إيجابية: وهي أنه على الأقل لم يقوّض عملية السلام القبرصية.
لكن مسؤولًا بارزًا بالاتحاد يأمل أن يثبت الوقت أن "الخطر تحول إلى فرصة" لاستغلال المباحثات المكثفة بين نيقوسيا وأنقرة لضمان إعادة توحيد شطر الجزيرة الذي يتحدث اللغة اليونانية والعضو بالاتحاد الأوروبي مع الشطر الآخر الذي تدعمه تركيا في الشمال بعد 4 عقود من الانقسام.
ويراد باتفاق الهجرة وقف تدفق المهاجرين غير القانونيين على أوروبا في مقابل امتيازات مالية وسياسية لأنقرة.
وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الذي رأس قمة الاتحاد وتركيا، يوم الجمعة، إن تسوية قبلها رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو لتجنب استخدام قبرص حق النقض (الفيتو) ضد اتفاق الهجرة تمثل "مؤشرًا مشجعًا للغاية من أجل المستقبل".
وأنعش التقارب بين شطري الجزيرة المتحدثين باللغتين اليونانية والتركية خلال العام الماضي الآمال باحتمال التوصل لاتفاق يمثل نقطة مضيئة نادرة في المنطقة التي يسودها الاضطراب.
لكن طلب تركيا في الأسبوع الماضي فتح 5 موضوعات تفاوضية -تعرف باسم الفصول- في المباحثات المتوقفة منذ وقت طويل بشأن انضمامها لعضوية الاتحاد الأوروبي قد وضع أنقرة في مسار تصادمي مع الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيديس.
وعرقلت قبرص لسنوات الفصول الخمسة؛ لأن أنقرة لم تمنحها حق الوصول إلى الموانئ التركية في إطار اتفاق للوحدة الجمركية مع الاتحاد الأوروبي وتعهدت كذلك برفض أي اتفاق لا يروق لها. وفي النهاية ومقابل موافقة تركيا على استقبال المهاجرين من الجزر اليونانية قبلت أنقرة بفتح فصل واحد -إلى جانب مزايا أخرى- وهو ما لم تتحفظ عليه قبرص.
وقال جيمس كير لينزي من كلية لندن للاقتصاد الذي عمل مستشارًا لمفاوضي الأمم المتحدة الساعين لتحقيق تسوية في قبرص: "لقد نجونا من احتمال انتهاء هذه العملية. كان الأمر سيسوء بشدة إذا تمسكت تركيا بموقفها."
وحذر الوزير التركي المختص بشؤون الاتحاد الأوروبي مسؤولي الاتحاد من مغبة السماح "لنزوة" القبارصة بعرقلة الاتفاق وأقر مسؤولون في الاتحاد بأن صبر ميركل وقادة آخرين على قبرص بدأ ينفد إذ يواجهون ضغوطًا داخلية هائلة بسبب أزمة المهاجرين الوافدين عبر تركيا.
لكن داود أوغلو وافق في النهاية على الاتفاق، وقال في مؤتمر صحفي إنه "متفائل" بشأن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
وعبّر أناستاسيديس عن "رضاه الكامل"، وقال إنه سيدعم المحادثات الخاصة بعضوية تركيا إذا تحققت شروطه.
وقال زعيم القبارصة الأتراك مصطفى أكينجي في تغريدة على تويتر: "الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا الذي أبرم بفضل ثقافة الحلول الوسط يمثل نتيجة إيجابية مفيدة أيضًا في المفاوضات القبرصية."
آمال ومخاوف:
قال مسؤولون شاركوا في المفاوضات، إن توسك كان حريصًا على التوصل لحل وسط لتجنيب أناستاسيديس رد فعل محلي خلال الانتخابات البرلمانية المقررة في 22 مارس/آذار الجاري قد يهدد تعاونه مع أكينجي الذي تولى المنصب قبل نحو عام.
وقال مسؤول بارز في الاتحاد الأوروبي عن التقارب بين الرجلين وكليهما يقترب من الـ70 من العمر: "ربما يكون هذا آخر جيل من السياسيين في قبرص لديه الرغبة في التوصل لتسوية".
واختبر توسك الأمر بنفسه خلال زيارة إلى نيقوسيا وأنقرة قبل القمة؛ فخلال سفره من قبرص على متن طائرة لسلاح الجو البلجيكي إلى تركيا اضطر توسك للطيران عبر اليونان بسبب رفض الأتراك الاعتراف بدولة قبرص.
وبدعم من ميركل طرحت تركيا في بادئ الأمر عرضها لاستقبال المهاجرين في مقابل مكاسب بينها فتح 5 فصول جديدة في مباحثات العضوية خلال قمة خاصة لزعماء الاتحاد الأوروبي قبل نحو أسبوعين. وحينها تعرض أناستاسيديس لضغوط هائلة للموافقة.
وقال مسؤول بالاتحاد الأوروبي بشأن جهود إقناع أناستاسيديس في السابع من مارس/آذار: "جلوس 5 زعماء (من الاتحاد) في قاعة وصياحهم فيه ليقدم تنازلات لم يكن ليجدي نفعًا وكاد أن يفسد عملية السلام."
وقال دبلوماسيون ضالعون في المفاوضات، إن تركيا كانت تعتقد على ما يبدو أن لها نفوذًا كافيًا على الاتحاد الأوروبي في قضية الهجرة يمكنها من تجاوز الاعتراض القبرصي على فصول مفاوضات العضوية. لكن في النهاية اتحد مفاوضو الاتحاد الأوروبي لتجنب الاعتراض القبرصي.
لكن رغم أثر الردع الذي تمنوه من الاتفاق لا يزال المهاجرون يفدون على الجزر اليونانية منذ بدء تطبيق خطة الترحيل يوم الأحد الماضي مما يثير احتمال ضرورة إجراء مزيد من المباحثات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. وقد يعني هذا مناقشات أخرى مع قبرص تتقاطع مع مباحثات السلام رغم إصرار أناستاسيديس على أنهما "عمليتان منفصلتان".
وقال كير لينزي من كلية لندن للاقتصاد، إن تداخل قضية الهجرة مع جهود الوساطة التي تقوم بها الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق لإعادة توحيد قبرص قد يسبب "مشاكل خطيرة" رغم أنه قال إن جميع الأطراف بما في ذلك تركيا تبدو حريصة على التوصل لتسوية للأزمة القبرصية.
وحث توسك داود أوغلو على التطلع لميزة مهمة "التسوية الشاملة للمشكلة القبرصية ستعود بالفائدة على الأمن والاستقرار بوجه عام في المنطقة خاصة على العلاقات الاستراتيجية بين تركيا والاتحاد الأوروبي".