يرى الكثير من اللاجئين السوريين أن أمواج البحر المتوسط هي السبيل الوحيد أمامهم لتجاوز شظف العيش الذي يعيشونه
في السنة الثالثة من الحرب الدائرة في سوريا، وبعد اشتداد المعارك جنوبي البلاد، والقصف المستمر الذي لم يُبق حجرا على حجر، قرر المواطن السوري "عمر" وزوجته الهرب إلى المملكة الأردنية الهاشمية والاستقرار في العاصمة عمان بعيدا عن أتون الحرب، وما ستتمخض عنه من زيادة في البؤس والدمار والعوز.
وكما وردت حكايته على موقع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من بين مآسٍ أخرى، فإن عمر (لم يذكر الموقع بقية اسمه) الذي اختار من عمان ملاذا آمنا ليعيش فيه مع زوجته وطفله الصغير، سرعان ما بدأ يعيش فصلا جديدا من فصول العذاب عندما منعته الأجهزة الأمنية الأردنية من العمل دون حصوله على تصريح رسمي.
عمر اليوم لم يعد يقوى حتى على سد الاحتياجات الأساسية لزوجته وطفله الذي يبلغ من العمر سنتان، بعد أن طُرد من العمل الذي وجده في أحد المطاعم الشعبية في عمان، والذي كان يكفيه لتأمين لقمة عيشه ليس إلا.
وبنبرةٍ يكسوها الحزن يقول عمر "أشعر بيأس وضعف شديدين، ففي حال أصيبت زوجتي وابني بأي مرض هنا، لم أعد أقوى حتى على علاجهم في المشفى".
ويتابع عمر، الذي طُرد من مكان إقامته مرارا وتكرارا في الأشهر الأخيرة، بسبب عجزه عن تسديد قيمة الإيجار للمالك: "لم يعد أمامي إلا خيار الرحيل من الأردن، فهل تتخيل كم هو مؤلم أن تقف عاجزا عن رعاية عائلتك وأمام تحقيق أدنى متطلباتها؟".
انعدام أي أمل في العودة إلى وطنهم الأم، وتدهور الأوضاع المعيشية للاجئين السوريين في الأردن، دفعت عمر وأسرته إلى جانب العديد من السوريين المقيمين في الأردن إلى اتخاذ قرار الرحيل والهجرة إلى أوروبا خلال الأشهر المقبلة.
ورغم المخاطر التي تحفّ هذه الرحلة، لا سيما مع رداءة الطقس في فصل الشتاء، إلا أنها باتت "الحل الوحيد للتخلص من هذه المحنة، بعد سنوات من الشقاء وفقدان الأمل في تحسن الأوضاع المعيشية،" كما يقول عمر.
لكن عمر فضّل الانتظار لفصل الربيع، حرصا على سلامة ابنه من الغرق، الذي غلّف مصير العديد من السوريين، لا سيما الأطفال منهم الذين هاجروا عبر المتوسط.
ويقول عمر: "اخترت الرحيل في مارس/ آذار المقبل على أبعد تقدير، لعل البحر يهدأ قليلا، وإلى ذلك الحين أيضا سأكون قد حصلت على قيمة الرحلة والتي تصل إلى 4000 دولار تقريبا من أحد أصدقائي المقربين والذي تعهد بإقراضي المبلغ."
وبحسب التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية في 4 سبتمبر/أيلول الماضي، يعيش ما يزيد على 80% من اللاجئين السوريين في الأردن تحت خط الفقر بالمعايير المحلية.
وشهد العام 2015 أكبر نسبة هجرة للسوريين منذ بداية الحرب في سوريا، سواء من بلد المنشأ أو بلد العبور كالأردن ولبنان وتركيا.
وهاجر عبر البحر الأبيض المتوسط -بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين- حوالي 950 ألف لاجئ سوري إلى أوروبا، قضى منهم أكثر من 3600.
وفي تحقيق ميداني أجرته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ونشرته على موقعها الإلكتروني، تبين أن معظم اللاجئين السوريين يواجهون نفس الحاجات في المنطقة العربية، وكثيرٌ منهم وجد في السفر إلى أوروبا عبر تركيا، الخلاص من هذه الأزمة الخانقة.
ولعل انخفاض مستويات المساعدات الإنسانية، ومحدودية فرص التعليم والآفاق المستقبلية للأبناء، إلى جانب صعوبة العمل بشكل قانوني، كان أهم ما توصل له التحقيق من أسبابٍ جعلت الاستمرار أمرا بالغ الصعوبة بالنسبة للسوريين ودفعتهم إلى خيار الهجرة إلى أوروبا.
فالسيدة سميرة (36 عاما) أيضا، التي لجأت إلى الأردن مع عائلتها المؤلفة من زوجها وأطفالها الخمسة قبل عامين هربا من المعارك الطاحنة التي تشهدها مدينة دير الزور السورية (شمال غرب) كل يوم، روت قصتها عندما فقدت الأمل من إمكانية البقاء في الأردن، واتخذت قرار الهجرة هي الأخرى.
زوج سميرة الذي كان يعمل مهندسا زراعيا في سوريا ويحمل شهادة الماجستير، لم يستطع سوى العمل كعامل في أحد مصانع مدينة عمان.
"فبعد أن فقد الأمل هو الآخر ووصل إلى حافة الانهيار، اختار الذهاب في رحلة الموت إلى ألمانيا عبر تركيا، في محاولةٍ لتأمين مستقبل أفضل له ولعائلته." بحسب سميرة.
كما تحدثت سميرة عن خطتهم التي كانت تقوم على التقدم بطلب لمّ شمل للعائلة من الحكومة الألمانية، ليلتحقوا بزوجها بالطرق القانونية.
لكن خوف سميرة من أن تستغرق العملية عدة شهور أو ربما عدة سنوات، اختارت وأبناؤها ركوب البحر أيضا واللحاق بوالدهم، حيث قالت "لو كان أبنائي أصغر سنا، ربما كنا تمكنا من الصمود والاستمرار لفترة أطول، لكنهم أصبحوا في سن يعطيهم الحق باتخاذ قراراتهم وتحديد مستقبلهم".
وعلى الرغم من قلق سميرة من اشتداد البرد وعلو أمواج البحر، لكنها قررت السفر قبل نهاية هذا العام، معبرة عن ذلك بقولها: "لا بد أنه الطريق الأخطر والأكثر صعوبة لكنه الأسرع دون شك."
وتتابع سميرة "ابني الأكبر سيتم المرحلة الثانوية قريبا، وأريده أن يدخل الجامعة، وإذا بقينا هنا سينتهي به المطاف للعمل في السوق، الأمر الذي لن أقوى على تحمله."
أما أحمد (37 عاما)، ابن مدينة حمص، والذي لجأ على مدينة معان (جنوب الأردن) منذ أربعة أعوام، يرى في الوضع تراجعا سريعا ومستمرا لم يعد قابلا للاحتمال. "عندما وصلنا إلى معان كان الوضع جيد جدا، تصلنا الكثير من المساعدات، وإيجارات المنازل كانت رخيصة نسبيا، والناس كانوا لطفاء جدا، لكن الآن تدهورت الأوضاع وارتفعت الأسعار لدرجة لا نطيقها نحن كلاجئين،" يقول أحمد.
صمد أحمد كل هذه الفترة على أمل أن يحظى وزوجته وأطفاله الثلاث بفرصة ضمن خطة إعادة توطين اللاجئين في البلدان المضيفة سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو في كندا.
أحمد سئم انتظار اجراءات إعادة التوطين، وعقد العزم لمغادرة الأردن مع عائلته عبر المتوسط أيضا.
ويقول أحمد "الرحلات الجوية إلى تركيا ستكلفني أكثر من ألف دولار أمريكي، وتواصلت مع أكثر من 50 مهربا من تركيا إلى أوروبا، وتوصلت إلى اتفاق مع أحدهم على دفع مبلغ 1800 دولار عني وعن زوجتي، والأطفال سيسافرون بالمجان."
ويعبّر أحمد عن عدم ممانعته البقاء في الأردن في حال تمت زيادة نسبة المساعدات الإنسانية، وتمكنه من العمل بشكل قانوني، لكن أحد لا يستطيع انتظار فرص ضعيفة الأمل، بل من الممكن أن تكون معدومة.
ويقول: "الوضع هنا يزداد سوءا بالنسبة للسوريين، وأنا ليس لديّ أيه مشكلة في المكان الذي ستنتهي به رحلتي إلى أوروبا سواء ألمانيا أو السويد أو غيرها، فأي مكان يضمن حقوقي وحقوق عائلتي لن أمانع الذهاب إليه على الإطلاق".
aXA6IDE4LjExNi4yMC4xMDgg جزيرة ام اند امز