رغم الأزمات.. الصحافة الورقية في مصر تصارع من أجل البقاء
خبراء بالصحافة المصرية يرون أن مستقبل الصحافة الورقية وبقاءها يرتبط بقدرتها على مجاراة المواقع الإلكترونية، ويؤكدون أنها لن تندثر.
عانت الصحافة الورقية في مصر خلال السنوات القليلة الماضية من أزمات عدة بسبب التطور التكنولوجي وارتفاع أسعار الورق والمطابع والأزمات الاقتصادية، ما أدى إلى تناقص أعداد التوزيع لعدد من الصحف التي اضطر بعضها إلى إغلاق أبوابها وتسريح الصحفيين العاملين بها، أو التحول إلى مواقع إلكترونية دون إصدار نسخ ورقية.
وفي أعقاب 25 يناير، تراجعت نسب توزيع الصحف المصرية بصورة ملحوظة، وتأتي في مقدمتها الصحيفة المصرية الأعرق والأقدم "الأهرام" التى تراجع عدد ما تطبعه يوميًا إلى قرابة 180 ألف نسخة، توزع منهم 140 ألف نسخة تقريبا. ويرتفع المطبوع من الإصدار الأسبوعي يوم الجمعة، إلى 220 ألف نسخة، وتبلغ نسبة المرتجع منه، أي النسخ غير المباعة، 25%، حسبما أعلنت مصادر بمؤسسة الأهرام للطبع والنشر والتوزيع.
أما صحيفة "الأخبار" التي تعد ثاني أكبر وأعرق الصحف القومية، فتطبع يوميًا 150 ألف نسخة، يباع منها قرابة 110 آلاف و500 نسخة، في حين يبلغ عدد النسخ المرتجعة 40 ألفا و500 نسخة.
وترفع مؤسسة الأخبار عدد المطبوع من عددها الأسبوعي "أخبار اليوم"، يوم السبت، إلى 200 ألف نسخة، يبلغ المبيع منها 150 ألفا.
وبالانتقال إلي الصحف المصرية المستقلة، نجد أن "المصري اليوم" تطبع 110 آلاف نسخة يوميًا، يباع نحو الثلثين منها تقريبًا، بحسب إحصاءات غير رسمية صادرة عن المؤسسة.
أما جريدة الشروق، فقد باتت تكتفي بطباعة 25 ألف نسخة يوميًا، يباع منها 10 آلاف فقط، معتمدة على مقالات الرأي وعدد من الكتاب الذين تعاقدت معهم المؤسسة.
وطالت أزمات انخفاض نسب التوزيع أحدث الصحف اليومية المستقلة على الساحة جريدة "الوطن"، والتي باتت تكتفي بطباعة 65 ألف نسخة، يباع منها 40 ألف نسخة تقريبًا، بحسب إحصاءات غير رسمية.
أزمة التوزيع لم تكن الوحيدة اللى طالت الصحف المصرية، لكن الأزمات المالية كانت السبب الرئيس في إغلاق عدد من الصحف، وعلى رأسها جريدة "الوادي"، التي صدرت بعد 25 يناير، وكان يرأس تحريرها الكاتب الصحفي خالد البلشي، وكيل نقابة الصحفيين، والتي أعلنت عن توقف إصدارها في مارس عام 2014.
وخلال شهر سبتمبر العام الماضي أعلن مجلس إدارة جريدة "التحرير" وقف الإصدار الورقى، والإكتفاء بالموقع الإلكتروني بالجريدة نظرًا لبعض الأزمات المالية التي تمر بها المؤسسة.
وخلال العام الماضي أيضًا، أعلنت جريدة "البديل" المعروفة بميولها اليسارية، التوقف عن الإصدار الورقي الأسبوعي، بحيث يكون آخر عدد هو العدد الصادر في نوفمبر 2015.
وفي أعقاب توقف عدد من الصحف عن الإصدار وتراجع توزيع صحف أخرى، أكد عدد من خبراء الإعلام أن الصحافة الإلكترونية ستكون بديلا للصحف الورقية خلال الفترة القادمة، متوقعين توقف عدد كبير من الصحف، خاصة المستقلة عن الإصدار في وقت قريب.
نقابة الصحفيين في مصر ترى أن الصحافة الورقية لن تندثر، لكنها تعاني من بعض المشكلات فقط، ويؤكد يحي قلاش، نقيب الصحفيين، في تصريحات خاصة لـ"العين" أن الصحافة الورقية عانت خلال السنوات الماضية من مشكلات أغلبها اقتصادي وبعضها يتعلق بالظروف السياسية التي مرت بها البلاد.
وأشار نقيب الصحفيين إلى أن انخفاض نسب توزيع الصحف الورقية وإغلاق بعض المؤسسات الصحفية ليس له علاقة بالتحول الإلكتروني للصحافة في مصر أو الدول العربية، لكن الأزمات المالية العالمية كانت السبب الرئيس في تراجع الصحافة المطبوعة.
وأوضح قلاش أن الصحافة الإلكترونية ليست بديًلا عن الصحف الورقية لكنها تستهدف جمهورا محددا، أغلبه من الشباب والباحثين عن الأخبار السريعة، مضيفًا أن الصحف الورقية ما زالت تحتفظ بجمهورها ومتابعيها.
وقال إن عددا من الصحف على مستوى العالم أغلقت أبوابها لفترة ثم عادت إلى إصدارها الورقي بعد انتهاء أزماتها المالية، مشيرًا إلى أن نقابة الصحفيين تعمل حاليًا على وضع تشريعات وقوانين لحماية حقوق الصحفيين عن طريق عقود العمل الموحدة وقوانين الصحافة والإعلام.
من جانبه قال الكاتب الصحفي على السيد، رئيس التحرير السابق لصحيفتي" التحرير" و"المصري اليوم"، إن الصحافة عانت على مر التاريخ من أزمات مشابهة لعل أبرزها ظهور الإذاعة التي اعتبرها البعض بديًلا للصحافة، ثم ظهور التليفزيون، لكن الصحافة استمرت في الصعود واعتمدت عليها وسائل الإعلام الأخري.
وأكد السيد لـ"العين" أن التطور التكنولوجي كان أبرز أسباب تراجع الصحافة الورقية على مستوى العالم، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الطباعة والورق وعدد من الأزمات المالية الأخري التي تسببت في تراجع الصحافة المطبوعة أمام الإلكترونية.
وأوضح رئيس التحرير السابق لصحيفة "المصري اليوم" أن الصحافة المطبوعة المستقلة في مصر افتقرت الإبداع بعد تجربتين صحفيتين هما "المصري اليوم" و"التحرير"، معتبرًا أن سر تراجع الصحف الورقية هو افتقارها إلى التطور أمام المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وعن أزمة توقف إصدار جريدة "التحرير"، قال السيد إن أزمة التحرير كانت سياسية في المقام الأول وليست مالية، مضيفًا أن الصحفيين العاملين بالجريدة اهتموا بالجانب السياسي على حساب الشق الصحفي داخل الجريدة.
الصحف الحزبية عانت كذلك من أزمات مالية وأخري خاصة بالتوزيع، وقال الكاتب الصحفي طارق تهامي، نائب رئيس تحرير جريدة "الوفد" الحزبية، إن أزمة تمويل الصحف عالمية وليست مصرية أو عربية فقط، لافتا إلى أن بعض الصحف العالمية أوقفت إصدارها الورقي وعلى رأسها "الاندبندنت" البريطانية.
وأوضح التهامي لـ"العين" أن تراجع الصحف الورقية متوقع منذ سنوات، وقامت بعض المؤسسات الصحفية في عدة دول بتوزيع النسخ الورقية الخاصة بها مجانًا بعد تراجع الصحافة المطبوعة أمام الإلكترونية.
وأشار نائب رئيس تحرير "الوفد" إلى أن الصحف الحزبية عانت من تلك الأزمات مثل باقي المؤسسات والصحف الورقية، لكنها لجأت إلى تطوير إصداراتها الإلكترونية لمواجهة ذلك التراجع.
من جانبه قال الدكتور محمود علم الدين، رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن الصحافة شهدت تطورا كبيرا خلال الفترة الماضية بعد انضمام وسائل جديدة لنقل الخبر وعلى رأسها الهواتف النقالة.
وأوضح علم الدين لـ"العين" أن تطور الصحافة يؤثر على الصحف المطبوعة، لكنه لن يؤدى إلى اندثارها أو اختفائها، مؤكدًا أن مستقبل الصحافة الورقية مرتبط بقدرتها على التطور ومجاراة الصحافة الإلكترونية عن طريق الاهتمام بما وراء الخبر من تحليل ومتابعات وآراء.
وأشار رئيس قسم الصحافة بجامعة القاهرة إلى أن الصحف الورقية الحالية لم تستطع تخطي حاجز الـ700 ألف نسخة يوميًا في التوزيع، فيما استطاعت بعض الصحف توزيع قرابة المليون نسخة في ستينيات القرن الماضي.
ولفت علم الدين إلى أن بعض الصحف المطبوعة اكتفت بإصداراتها الإلكترونية، فيما لجأت صحف أخرى إلى إصدار نسخ ورقية لمؤسساتها، ومنها صحيفة "نيو داي" البريطانية والتي صدرت العام الحالي، موضحًا أن عدد متابعي الصحف الورقية على مستوى العالم بلغ 2 مليار و700 مليون، فيما يبلغ عدد متابعي الصحافة الإلكترونية قرابة 3 مليار و200 مليون شخص على مستوى العالم.
في النهاية.. يبدو أن أن الأمل الأخير للصحافة الورقية هو التميز بالرأي والتحليل والمتابعة والانفراد بملفات تهم المواطن وتمس حياته اليومية، حتي تستطيع منافسة الصحافة الإلكترونية التي تمتاز بالسرعة والانتشار.
aXA6IDE4LjIxNi4xNzQuMzIg جزيرة ام اند امز