"مصفوفة المغتربين".. حلم سوداني لاستقطاب 6 مليارات دولار سنويا
مختصون سودانيون يطالبون بتسريع تنفيذ مصفوفة الحوافز والإجراءات للعاملين في الخارج، لدعم الاقتصاد السوداني بالعملات الأجنبية.
في خطوة تهدف لاستقطاب تحويلات المغتربين التي تقدر بنحو 6 مليارات دولار سنوياً، دعا مختصون سودانيون إلى تسريع تنفيذ مصفوفة الحوافز والإجراءات للعاملين في الخارج، والتي أقرها مجلس الوزراء السوداني مؤخراً.
وتوقعوا أن تسهم الامتيازات الجديدة في انسياب ما لا يقل عن 3 مليارات دولار سنوياً، وطالبوا في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أجهزة الحكومة المختلفة بالحرص على تطبيق هذه الحزمة بدقة وكفاءة وسرعة، ما يعيد ثقة المغتربين في منافذ البنوك الوطنية، بينما انتقد آخرون "المصفوفة" واعتبروها تحمل عبارات فضفاضة، وغير ممكن تطبيقها على أرض الواقع.
وعادة ما يقوم غالبية المغتربين السودانيين بتحويلاتهم المالية عبر وسطاء خارج النظام المصرفي الرسمي، نتيجة فارق السعر التأشيري لبنك السودان المركزي الذي يتراوح بين 18 و26 جنيهاً مقابل الدولار، بينما يصل السعر في (السوق الموازي) إلى 40 جنيهاً سودانياً للدولار الواحد.
- 3 آليات لمصفوفة المغتربين
وتتضمن المصفوفة حوافز للعاملين بالخارج مقابل انسياب تحويلاتهم عبر القنوات الرسمية وتحديد "سعر صرف مناسب" يشجع جذب تحويلات ومدخرات المغتربين وإنشاء "بنك المغترب" ووضع ضوابط خاصة لـ"التمويل العقاري" واستخدام "بطاقة المغترب الذكية" في الدفع الإلكتروني.
وشملت المصفوفة منح "إعفاءات جمركية للسيارات" كل 5 سنوات بالإضافة لعدة "مشروعات استثمارية" فردية وجماعية لتشجيع المغتربين على الاستثمار و"إنشاء شركات مساهمة عامة" بين القطاع العام والمغتربين، للعمل في مجال الصادر واستيراد مدخلات الإنتاج و"تعزيز خدمات التعليم العام والعالي" التي تقدمها الدولة لأبناء المغتربين بجانب اختزال "الرسوم المفروضة" على المغتربين في رسم واحد.
ويقدر جهاز شؤون السودانيين العاملين في الخارج عددهم بنحو 5 ملايين شخص، لكن إحصاءات غير رسمية تظهر أن العدد أكبر من ذلك بكثير ويصل إلى 8 ملايين سوداني غير أن التعداد الأخير يشمل أيضاً المهاجرين السودانيين في الدول الغربية.
وشدد وزير المالية والاقتصاد الوطني الفريق أول ركن محمد عثمان الركابي على أن الحوافز ستنفذ وفقاً لخطة ترويج لإعلان تفاصيلها ليعرف المغتربون المزايا المتعددة لها.
وأبان الركابي أن موارد المغتربين ضخمة ولم تدخل البنوك خلال السنوات الماضية، بسبب الحصار الأمريكي الذي حرم الجهاز المصرفي من تحويلات النقد الأجنبي والمراسلات العالمية مع البنوك الأخرى.
من جانبه، أكد محافظ بنك السودان المركزي بالإنابة، مساعد محمد أحمد، أن توجه الدولة نحو المغتربين إيجابي، مشيراً إلى أنها تسعى إلى استقطاب مواردهم المالية في إطار حزمة متكاملة، وبما يحقق المصلحة المشتركة، مبيناً أن البنك المركزي سيروج من جانبه لحزمة الحوافز ويقيم جدواها في تحويلات المغتربين، مشيراً إلى ثبات سياسات البنك الخاصة بالتحويلات، والتي تضمن سحبها بالعملات التي حولت بها مع حرية بيعها للبنك.
- سياسات جديدة
واعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالعظيم المهل، أن تبني سياسات جديدة للتعامل مع السودانيين في الخارج تستهدف جذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية وتحويلات المغتربين إضافة إلى استرداد ثقة المتعاملين في الجهاز المصرفي إلى جانب تفاعل المغتربين بصورة عامة مع البرامج الحكومية.
بينما دعا الخبير الاقتصادي الدكتور عادل عبدالعزيز أبناء السودان في الخارج إلى قراءة الامتيازات قراءة موضوعية والاستفادة منها، مناشداً كل مغترب بالاختيار بين بدائل الحزمة ما يتناسب مع ظروفه وتطلعاته وإمكاناته. وزاد "الناس متباينة في أوضاعها المادية، وفي تقديرها للأشياء، لكن في هذه المصفوفة من العلاقات الاقتصادية والحوافز متسع للجميع".
وتوقع عبدالعزيز انسياب ما لا يقل عن 3 مليارات دولار سنوياً للسودان في شكل تحويلات واستثمارات من المهاجرين، وطالب أجهزة الحكومة السودانية المختلفة بالحرص على تطبيق هذه الحزمة بدقة وكفاءة وسرعة، بهدف استعادة ثقة المغتربين في الاقتصاد السوداني، وبالتالي انسياب التحويلات والاستثمارات للسودان بدلاً عن تحريكها لدول أخرى.
- إعادة الثقة
أما الخبير الاقتصادي الدكتور هيثم فتحي، فقد شدد على ضرورة إعادة الثقة بين المغتربين والأجهزة الحكومية، مؤكداً أن كثيراً من التجارب بين الطرفين لم تكن مشجعة للتعاون والتفاعل مع القرارات التي تصدرها بعض الجهات الرسمية، وأردف قائلاً في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "كانت هناك قرارات كثيرة على مدى أربعين سنة مضت لم ينفذ منها إلا القليل أو نفذت بشكل مؤقت أو ظلت حبيسة الأدارج".
ولفت فتحي إلى نقطة مهمة، وهو أهمية ثبات السياسات لتنال ثقة هذه الفئة من السودانيين، خاصة أن هناك عزوفاً من المغتربين عن إرسال مدخراتهم عبر النظام المصرفي بسبب إصرار البنك المركزي على صرف تحويلاتهم بالعملة المحلية المساوي للسعر التأشيري للدولار وليس بالسعر الموازي.
لكن فتحي وصف المصفوفة الأخيرة بأنها أكدت وجود رغبة حقيقية بالاستفادة من العاملين بالخارج، من أجل إنعاش الاقتصاد السوداني، وتوفير العملة الأجنبية، بيد أن الأمر يتطلب اتخاذ مجموعة من الخطوات منها الاستماع إلى العاملين في الخارج والتعرف على متطلباتهم وأنواع المشروعات التي يريدونها ومناقشة أفكارهم قبل البدء في طرح أي مشروع، حتى تناسب المشروعات مع المستويات كافة وتشمل غالبية المجالات منها السكني والتجاري والاستثماري.
وينصح بأن يكون المسؤولين في البنك المركزي من ضمن لجنة التنفيذ حتى تسهل عملية التحويلات المالية وإزالة جميع العوائق التي تعترضها.
واعتبر أن العاملين في الخارج يريدون مساعدة السودان للنهوض من عثرته وتوفير العملة الأجنبية، ولكن من خلال شروط عادلة وتحقيق المنفعة للطرفين.
وطرح فتحي مقترحاً بإطلاق مشروع عملاق للتأمين على جميع السودانيين العاملين بالخارج من خلال شركة قابضة يتم إنشاؤها لهذا الغرض تستثمر اشتراكات التأمين داخل البلاد لصالح العاملين بالخارج من المشاركين في المشروع، ما يضمن دخول مليارات الدولارات سنوياً للسودان في شكل اشتراكات تأمين بأشكالها وتغطياتها المتنوعة.
- بنك للمغتربين
لكن التعويل على هذه المصفوفة، يبدو غير مناسب وفقاً لرؤية الخبير الاقتصادي المقيم خارج السودان الدكتور عمر محجوب، فهو يحلل حزمة الحوافز التي أطلقتها الحكومة السودانية، معتبراً أنه لا حاجة لإنشاء بنك المغتربين في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وتعثر كثير من البنوك والمغترب في ذهنه تجربة بنك الثروة الحيوانية التي واجهتها مصاعب كبيرة، ويتساءل: "ما الحاجة إلى بنك وما الجدوى منه وهل سوف يكتتب فيه فقط المغتربون أم ماذا بمعنى هل سوف يكون اكتتاباً عاماً أم خاصاً".
ورأى أن تحديد سعر صرف مناسب في المصفوفة "كلمة فضفاضة" بحسب أن السعر لن يخرج عن مواجهات وأسعار البنك المركزي، ومن جانب آخر فإن هذا السعر المناسب للحسابات الجارية أم سعر البيع المباشر للبنك أم لدفع المستحقات المقررة على المغترب.
وقال محجوب إنه لم يلحظ حافزاً في ضوابط التمويل العقاري، علماً أن التمويل يتعلق بالبنوك وإجراءاتها وضوابطها، معتبراً الإعفاءات الجمركية للسيارات والمحددة بـ5 سنوات ربما تكون هى نقطة حسنة، لكن الضوابط ما زالت تحتاج إلى المزيد من التوضيح.
كما ذكر أن إعداد مشروعات استثمارية "كلمة فضفاضة" خاصة أن المغتربين لديهم تجارب مريرة كثيرة آخرها مشروع سندس الزراعي، وكذلك موضوع الشركات المساهمة، واستغرب الخبير الاقتصادي محجوب من شمول المصفوفة لحافز تعزيز الخدمات، علماً أنه ليس جميع المغتربين لديهم أبناء في سن التعليم ومعظمهم يكملون تعليمهم خارج السودان، متسائلاً: "كيف ستعالج المصفوفة تعزيز خدمات أبناء المغتربين وهم ضمن طلاب المدارس أو الجامعات؟".
aXA6IDE4LjExOC4xOTMuMjgg جزيرة ام اند امز