عباس وزمرته.. فضائح وتناقضات تكشف المتاجرة بالقضية الفلسطينية
يزعم محاربة الفساد بينما روائح فساد السلطة التي طالت كل شيء، حتى أموال المنح، أزكمت أنوف العالم
"متناقض وله ألف وجه".. هكذا يصف الفلسطينيون رئيسهم محمود عباس (المنتهية ولايته دستورياً في 9 يناير 2009م)، فقد اعتادوا على الرجل تبني المواقف ونقيضها، كل حسب أهوائه ومصالحه الشخصية، حتى لو كانت تلك المواقف على حساب القضية الفلسطينية.
فهو يتباكى على الوحدة الفلسطينية ويكرس الانقسام.. يؤكد تمسكه بالسلام بحل القضية الفلسطينية على أساس الشرعية الدولية ورؤية الدولتين، ثم يهاجم معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية التي تفتح الباب لتحقيق سلام يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية.
يزعم محاربة الفساد بينما روائح فساد السلطة التي طالت كل شيء، حتى أموال المنح، أزكمت أنوف العالم، الأمر الذي دفع تقارير محلية ودولية إلى التحذير من مغبة استمرار الفساد، وتداعياته على حياة الشعب الفلسطيني.
يدعو العرب والمسلمين إلى زيارة القدس، وعندما فتحت الإمارات الطريق أمام تسوية وضع الأقصى، وألزمت معاهدة السلام إسرائيل بفتح المسجد أمام المسلمين من بقاع الأرض كافة، حرض مفتي القدس محمد حسين على إصدار فتوى بتحريم صلاة الإماراتيين في المسجد الأقصى، دون الاستناد إلى أي قواعد أو أدلة شرعية، أو نصوص من القرآن والسنة النبوية.
تلك المواقف المتناقضة ألحقت الكثير من الخسائر بالقضية الفلسطينية، فمنذ وصول محمود عباس للسلطة عام 2005، وحتى اليوم لم يقدم شيئا للقضية الفلسطينية سوى تكريس الانقسام الفلسطيني، وإزاحة ملف القضية الفلسطينية عن أولويات أجندة قادة العالم.
محادثات سرية
الغريب أن الرجل الذي يشن حملة تحريضية ضد معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية، كان من أوائل الداعين لمفاوضات مع إسرائيل، حيث كان يُعِدّ لمحادثات سرية مع الإسرائيليين، في وقت كانت تحاصر إسرائيل منظمته (التحرير) وقتلت العديد من قياداتها منتصف سبعينيات القرن الماضي.
فقد بدأ عباس حوارا مع الجماعات اليهودية والإسرائيلية اليسارية قبل طرح فكرة المفاوضات الرسمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وفي يناير/كانون الثاني من عام 1977، قاد بنفسه سرا مفاوضات مع الجنرال الإسرائيلي "متتياهو بيليد"، وهي مفاوضات أصبح بموجبها حل الدولتين أساس ما عُرف بـ"مبادئ السلام" التي تفاوض عباس عليها.
كما كان له دور بارز في اتفاق "أوسلو" الذي مهد بمشاركته في المحادثات السرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين من خلال وسطاء هولنديين عام 1989، وقيامه بتنسيق المفاوضات أثناء مؤتمر مدريد للسلام والذي عقد عام 1991.
تساؤلات حول شرعيته
وفي يناير/كانون الثاني عام 2005 انتُخب رئيسا جديدا للسلطة الفلسطينية، بادئا ولايته بتعهد أنه لن يسعى لإعادة انتخابه في نهاية فترة رئاسته البالغة أربع سنوات، قائلا لوسائل الإعلام الفلسطينية: "سأكمل فقط السنوات الثلاث الباقية في منصبي، ولن أجدد مرة أخرى".
وانتهت ولايته دستورياً في 9 يناير 2009؛ ولم تجر انتخابات مجددا بسبب الانقسام الفلسطيني، الذي يسعى إلى تكريسه هو وحركة حماس، ويستفيد منه الطرفان، في حين أن الخاسر الوحيد الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يثير تساؤلات حول شرعية بقائه على رأس السلطة.
عباس ومعاهدة السلام
وفيما كانت إسرائيل قاب قوسين أو أدنى خلال الأسابيع الماضية من ضم غور الأردن والمستوطنات بالضفة الغربية وهو ما قدره الفلسطينيون بنحو 30% من مساحة الضفة، الأمر الذي يعني القضاء على أمل إقامة دولة فلسطينية، تدخلت الإمارات بدبلوماسيتها الواقعية لتمنع الضم عبر معاهدة سلام تاريخية مع إسرائيل.
وفيما تواصل الإمارات العمل من أجل نصرة القضية الفلسطينية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني عبر طريق السلام، يكتفي عباس وزمرته بشن حملات تحريضية ضد الإمارات والدول التي تؤيد مواقفها الداعمة للسلام، كان أحدثها خلال اجتماع للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الخميس الماضي.
وفيما قوبلت المعاهدة بترحيب عربي ودولي واسع، ورحب بها قطاع كبير من الشعب الفلسطيني، رفضتها السلطة الفلسطينية، وبدأت حملة تحريضية ضد الإمارات، في سلوك بات يؤكد حرص السلطة وقادتها وعلى رأسهم رئيسها محمود عباس على استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون أي حلول، لاستمرار تربحهم من المتاجرة بتلك القضية.
لماذا يهاجمون الإمارات؟
المتاجرون بالقضية يحرضون على الإمارات، فقط كونها بدأت تبحث عن حلول عملية، تسهم في نشر الأمن والاستقرار، واستعادة الحقوق الفلسطينية المشروعة دون تفريط في أي منها.
لم تعلن الإمارات التنازل عن أي من الحقوق الفلسطينية، ولم تدع الفلسطينيين لذلك، ولم تمنع الفلسطينيين أيضا من نيل أي حقوق يطالبون بها، على العكس تماما، نجحت الإمارات -دون أن يطلب منها أحد ومن واقع إحساس قادتها بالمسؤولية عن قضية تعد مركزية في سياستها الخارجية منذ تأسيسها- في إنقاذ 30% من الأراضي الفلسطينية وأكثر من 100 ألف فلسطيني كانوا معرضين للطرد وإنهاء 6 سنوات من الجمود.
كما بثت الروح في المسار التفاوضي للوصول إلى السلام العادل والشامل بعد نحو 3 عقود من مفاوضات بلا جدوى، أي حصلت على مكاسب مقدما للقضية الفلسطينية في سابقة في تاريخ العلاقات العربية الإسرائيلية.
كما فتحت الإمارات الطريق أمام تسوية وضع الأقصى، وألزمت معاهدة السلام إسرائيل بفتح المسجد أمام المسلمين من بقاع الأرض كافة.
ولا تزال الإمارات تعمل على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ولكنها اختارت طريقا مختلفا عن طرق سلكها العرب على مدى عقود، ولم تسهم في شيء، سوى في خسائر متلاحقة للقضية.
وحل القضية الفلسطينية يعني مكسبا كبيرا للشعب العربي والعالم الإسلامي، وفي الوقت نفسه خسائر للمتاجرين بالقضية وعلى رأسهم عباس وزمرته، التي ما فتئت تقارير دولية تفضح فسادهم.
أرقام تفضح فساد السلطة
لكن موقف السلطة الفلسطينية من معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية وتحريضهم ضد الإمارات، يكشف بشكل واضح عدم جديتها في حل القضية الفلسطينية، وإبقائها دون حل لأنها باتت منجما يدر عليهم أموالا.
ولا تزال علامات استفهام كثيرة تثار حول مصدر الأموال الضخمة لأبناء محمود عباس، طارق وياسر، اللذين ارتبطت أسماؤهما بتهم فساد كشفتها تقارير لوسائل إعلام أجنبية على مدار الفترة الماضية.
وتساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية في تقرير سابق لها عن سبب ثراء نجلي الرئيس الفلسطيني محمود عباس قائلة: هل ازداد ياسر وطارق ثراء على حساب الفلسطينيين وربما دافعي الضرائب الأمريكيين؟
كما وجهت اتهامات لعباس وغيره من قادة منظمة التحرير الفلسطينية بسرقة ملايين الدولارات من التمويل الدولي المخصص للشعب الفلسطيني.
وفي الوقت الذي يعاني فيه الشعب الفلسطيني من أزمة سيولة طاحنة، وأوضاع اقتصادية صعبة، تم تسريب وثائق تكشف أن الرئيس عباس أصدر قرارا يقضي بزيادة راتب رئيس الوزراء الحالي محمد اشتيه ورواتب وزراء الحكومة بنسبة 67%، الأمر الذي أثار موجة من الاستنكار في الشارع الفلسطيني الذي وصف حكومته بـ"مزرعة لكبار المسؤولين".
نتيجة تلك السياسات تزايد الرفض الشعبي لمحمود عباس، ووفقا لاستطلاعات الرأي التي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الضفة الغربية وقطاع غزة في الفترة ما بين 14 و16 سبتمبر 2017، فإن غالبية الفلسطينيين غير راضين عن أداء الرئيس محمود عباس و67% من الشعب يطالب باستقالته، بينما 27% يريده أن يبقى في منصبه. ويصل الطلب على استقالة عباس إلى 60 % في الضفة الغربية و80 % في قطاع غزة.
ووفقا لنتائج المقياس الدولي الذي نفذته منظمة الشفافية الدولية فإن 62% من المواطنين المستطلعين في فلسطين يرون أن الفساد قد تفاقم خلال عام 2019، فيما قيّم 51% من المواطنين أن أداء الحكومة يعد ضعيفاً في مجال مكافحة الفساد، فيما يرى 45% من المواطنين أنه جيّد، و5% هامشية بأنهم لا يعرفون.
وأكد تقرير "مقياس الفساد العالمي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2019" الصادر عن منظمة الشفافية الدولية أن الأبحاث المتعلقة بفلسطين تشير إلى افتقار القادة هناك إلى "النزاهة السياسية بدرجة كبيرة".
الفساد طال حتى التعيينات في هرم السلطة، فقد أشارت تقارير إعلامية فلسطينية إلى أنه تم تعيين محمد اشتيه رئيسا للوزراء عبر تقربه لأبناء عباس، رغم اتهامات الفساد التي طالته هو الآخر.
وفي عام 2016 فتح النائب العام الفلسطيني تحقيقا مع اشتيه في اختفاء أموال المساعدات الأوروبية، حينما كان يشغل منصب وزير الأشغال والتي قدرت بــ2.5 مليار دولار.
ووجه النائب العام الفلسطيني تهمة الاستثمار الوظيفي للوزير اشتيه وكذلك هدر المال العام وصرف مستحقات بدون سندات رسمية، لكن أغلقت القضية فيما بعد.
في ظل تلك الفضائح، فإن استمرار القضية الفلسطينية دون أي حل على مدار عقود، وتحريض قادة السلطة الفلسطينية على من يحاول التوصل لأي حلول عملية لها، يكشف بلا شك مصلحة قادتها في الإبقاء على تلك القضية دون حل للمتاجرة بها.
aXA6IDMuMTQ3LjY1LjExMSA= جزيرة ام اند امز