«سيف» الأمير عبدالقادر على رقبة العلاقات الفرنسية الجزائرية
ما بين شد وجذب تتأرجح علاقة فرنسا والجزائر، فمن شراكة استراتيجية أعلنها الرئيسان إيمانويل ماكرون وعبدالمجيد تبون إلى ملفات ملتهبة تنكأ جراح الماضي.
ما زالت ملفات الذاكرة المشتركة التي تخص كتابة تاريخ فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر (1830 – 1962) على رأس تلك الملفات الملتهبة بين البلدين، بالإضافة إلى التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية إبان الاحتلال وحرية التنقل بين البلدين والتعاون الاقتصادي.
خامس تلك الملفات كان متعلقات الأمير عبدالقادر (1808-1883) أحد الزعماء التاريخيين للجزائر التي تحتفظ بها فرنسا في قصر "أمبواز" الذي سجن به خلال فترة نفيه.
وبعد أكثر من 140 عاما بدا أن الأمير عبدالقادر الذي يقف تمثاله الضخم فوق حصانه ممسكا بسيفه في الساحة التي تحمل اسمه بوسط العاصمة الجزائرية، خرج من قبره ليؤرق العلاقات الفرنسية الجزائرية، كما كان يفعل في حياته.
من هو الأمير عبدالقادر؟
هو الأمير عبدالقادر بن محي الدين، عالم دين وبطل المقاومة ضد فرنسا الذي استطاع توحيد كل المعارضين للاحتلال الفرنسي لبلاده وقاد مقاومة مسلحة انتقلت من مكان لآخر تحت قيادته.
وبعد أن قاد المقاومة لنحو 15 عاما، ألقى الأمير عبدالقادر السلاح عام 1847 بعد وعد فرنسي بنفيه إلى الإسكندرية أو عكا، إلا أن باريس لم تلتزم هذا الوعد بل نقلته إلى فرنسا حيث اعتقل من 1848 حتى 1852 في قصر "أمبواز" مع نحو 100 من أفراد عائلته وحاشيته.
وفي 2024، عاد الأمير عبدالقادر إلى واجهة المشهد السياسي بعدما تسببت متعلقاته الشخصية في تأجيل زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى فرنسا أكثر من مرة.
تبون كان مقررا أن يزور فرنسا في 2023 ردا لزيارة نظيره الفرنسي ماكرون للجزائر في 2022 التي أعلن خلالها البلدان الشراكة الاستراتيجية، إلا الملفات المعلقة أجلت الزيارة.
وكان مقررا أن يتضمن جدول زيارة تبون، زيارته قصر "أمبواز"، الذي سجن فيه الأمير عبدالقادر مع عائلته، كما طلبت الجزائر أن تتسلم بعض متعلقات الأمير عبدالقادر، من بينها خيمته ومصحفه وعباءته وسيفه، إلا أن باريس رفضت.
سيف عبدالقادر يقطع طريق فرنسا والجزائر
وقال الدكتور موهوب شريف أستاذ السياسة والعلاقات الدولية بجامعة وهران إنه كلما تقدمت العلاقات خطوة للأمام أعادتها فرنسا 10 خطوات للخلف.
وأضاف لـ"العين الإخبارية" إنه بعد زيارة الرئيس ماكرون للجزائر، والتي تضمنت الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية وتشكل لجنة مشتركة بشأن الذاكرة المشتركة للبلدين، وسمى كل طرف أعضاءه فيها، ساعدت فرنسا ناشطة سياسية مطلوبة للعدالة على الهرب لفرنسا.
وفي فبراير/شباط 2023 قامت القنصلية الفرنسية في تونس بمساعدة الناشطة الفرنسية الجزائرية أميرة بوراوي على السفر إلى فرنسا.
ورغم صدور قرار يمنعها من مغادرة الجزائر، دخلت بوراوي إلى تونس ليوقفها الأمن التونسي أثناء مغادرة العاصمة التونسية جوا باتجاه باريس، قبل أن تتمكن من السفر إلى فرنسا في السادس من فبراير/شباط 2023 رغم محاولة السلطات التونسية ترحيلها إلى الجزائر.
واعتبرت الجزائر أنّ سفر بوراوي إلى فرنسا يشكّل عملية إجلاء سرية وغير قانونية تمّت بمساعدة دبلوماسيين وأمنيين فرنسيين، واستدعت سفيرها في باريس سعيد موسي للتشاور.
موهوب شريف اعتبر أن قضية متعلقات الأمير عبدالقادر أساسية ولا يمكن التفريط فيها، مشيرا إلى أن الجزائر سبق لها في 2020 استعادة رفات 24 من قادة المقاومة، كانت فرنسا تحتجزها لأكثر من 100 عام.
وأشار إلى أن فرنسا أقامت نصبا لتكريم الأمير عبدالقادر في أمبواز باعتباره "أفضل عدو لفرنسا"، لكن تم تخريبه قبل تدشينه.
وتوجد بعض مقتنيات الأمير عبدالقادر في متحف الجيش الفرنسي، مثل سيفه الذي قبل أنه سلمه بنفسه عام 1847 وعباءته التي قيل إن ابنه قدمها للحكومة الفرنسية.
ومن أجل الاستجابة لطلب الجزائر، ينبغي على فرنسا أن تقر قانونا ثالثا يجيز إعادة أملاك ثقافية. وفي نهاية كانون الثاني/يناير، أكدت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي أنه سيكون من دواعي "اعتزازها" أن تقدم هذا القانون، من دون الإعلان عن أي جدول زمني لذلك.
واعتبر أنه مع الخروج الفرنسي المهين من أفريقيا في 2023، بعد سلسلة الانقلابات التي شهدتها عدة دول في وسط وغرب القارة، فإنه يجب على فرنسا ألا تخسر حلفاء آخرين إذا أرادت أن تواصل دورها في أفريقيا.