بدأت بطلب بدلة بيضاء.. اليوسفي وهيلين: قصة حب ونضال وسياسة
في تاريخه السياسي مواقف تاريخية، وتدبيره للشأن الحكومي كان مرحلة مهمة في تاريخ البلاد، إلا أن قصته وزوجته صارت مثلاً للوفاء والحب.
بجسديهما اللذيْن أنهكهما الزمان، وقفاً والظهر قد تقوس. خطواتهما كانت جد بطيئة، لكن على محيى العجوزين بدت ابتسامة عريضة، وكأنه يوم زفافهما.
يوم التقطت الصورة التالية، كان عبدالرحمن اليوسفي، خرج للتو من وعكة صحية أرقدته المستشفى لأسابيع، لازمته خلالها زوجته هيلين، ويوم تعافى، خرجت ممسكة بيده، تسنده ويسندها، كما اعتادا لسنوات، إلى أن وافته المنية.
بداية الحُب بدلة
لم يكن حينها قد صار وزيراً أولاً، كان شاباً يبحث عن بدلة بيضاء يرتديها في عرض مسرحي خلال حفل نهاية العام الدراسي.
توجه إلى الخياط اليوناني، الرجل الذي استقر في المغرب بعد الحرب العالمية الثانية، واحترف الخياطة بعدما كان في السابق تاجر بواخر بين روسيا وتركيا.
توطدت علاقته بالرجل إلى أن دعاه ذات يوم لطعام العشاء، وهُناك بدأت قصة حب اتصلت لعقود.
كان حُبا من أول نظرة، وعشقاً دام عُمراً كاملاً، خطبتهما طالت ربع قرن، إلى أن عقد قرانهما بباريس عام 1968.
رفيقة درب السياسي المغربي عبدالرحمن اليوسفي، كانت دائما تناديه بـ"العم عبدالرحمن"، وهي تسمية أطلقها عليه الملك الحسن الثاني حين قدمه لأول مرة لولي عهده آنذاك، الملك الحالي للبلاد محمد السادس.
إدمان وبساطة
الزوجان أدمنا السفر والقراءة. إدمان ازداد بشكل كبيرمع الوقت، خاصة وأنهما لم يُرزقاً بأطفال، إذ رافقته في كثير من رحلاته إلى عدد كبير من دول المعمور كالهند والصين والأردن وباكستان والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج ودول جنوب الصحراء.
المقربون منهما، يروون كيف كانت هيلين لا تُفارق اليوسفي، تهتم به، ترعاه، وبنفسها تختار ملابسه، كما تسهر على منحه جُرعات الدواء في وقتها.
هذا الحرص الكبير، لم يكن من جانبها فقط، بل حتى اليوسفي كان يُعاملها بالمستوى ذاته من الرعاية.
اهتمامه الكبير، ظهر بشكل جلي حينما تعرضت ذات يوم لكسر في إحدى قدميها جعلته يرافقها طيلة فترة العلاج والنقاهة مؤجلا كل التزاماته.
الرجل، وإن كان أشهر رئيس وزراء في تاريخ المغرب، وأكثر الزعماء السياسيين شعبية، إلا أنه حرص على العيش في منزل بسيط، من غُرفتين ولا تتجاوز مساحته السبعين متراً.
وحتى عندما عُين من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، وزيراً أولاً، حرص على أن يجعل الفيلا الرسمية، للقاءات والاستقبالات البروتوكولية فقط، دون العيش فيها، مُتشبثاً بمنزلهما الصغير.
هول الفراق
مات عبدالرحمن اليوسفي في 29 مايو/أيار عام 2020، فارق العم يوسف الحياة، في حدث فجع المغاربة قاطبة.
وقفت المرأة ذات الأصول اليونانية وصاحبة الجنسية الفرنسية على باب المقبرة، بجلباب مغربي واسع، ولولا شخصان حرصا على إسنادها، لهوت أرضاً من قدر الفاجعة.
صورة مؤثرة، جرت تعاطفاً كبيراً، ظهرت فيها المرأة وهي تودع رفيق الدرب، الرجل الذي احتفل بعيد ميلاده السادس والتسعين، قبل أسبوعان فقط من رحيله.
حافظ على ابتسامته وبشاشة وجهه، ظل بصحة مستقرة نسبياً، قبل أن تتسارع الأحداث، وتتدهور صحته لتوافيه المنية بإحدى مصحات الدار البيضاء.
حُزن مشترك
"إذ أعبر عن بالغ تأثري لهذا الحدث الفادح، فإني أشاطر جلالتكم هذا الألم كما أشاطره مع شعبكم”، هكذا ردت هيلين على برقية تعزية للعاهل المغربي الملك محمد السادس.
رسالة حزينة، عبرت فيها عن ما تُكنه من حُب وتقدير للراحل، كاشفة عن تأثرها الكبير بما حدث.
وقالت: "إذا كنت على المستوى الشخصي قد فجعت في زوجي ورفيق حياتي، فإن المغرب والمغاربة فجعوا أيضا في خديم نذر حياته كاملة لخدمة ملوكه واستقلال ووحدة بلده".
الملك، وصف الراحل بـ"المجاهد"، مؤكداً أن رحيله خسارة فادحة، ليس لأسرته فحسب، وإنما لبلده المغرب الذي فقد فيه أحد أبنائه البررة، الذي بصم بشخصيته وبأسلوبه المتميز، والقائم على المسؤولية والالتزام الواضح بالمبادئ، والإخلاص والوفاء، مرحلة مهمة من تاريخ بلده الحديث”.
ومما جاء في برقية الملك: “وإننا ونحن نستشعر مدى فداحة هذا الرزء، لنذكر للفقيد الكبير، انخراطه المبكر في مقاومة الاستعمار، ونذر حياته للدفاع عن القضايا المصيرية لبلده، في تشبث بقيم النزاهة والأمانة والتواضع ونكران الذات وحب الوطن".
aXA6IDE4LjIyNS4xNzUuMjMwIA== جزيرة ام اند امز