فرضت الإمارات العربية المتحدة نفسها عبر العقود الخمسة الماضية كواحة للأمن والأمان في منطقة مضطربة ليلها أرق ونهارها قلق.
وقد فعلت ذلك من خلال عقول قيادتها التي تفكر بعزم وتعمل بحزم، ولا تنفك إلا حين تنال ما تقصد.
أضحت الإمارات جسرا وقنطرة بين الشرق والغرب، ونقطة التقاء للباحثين عن عالم المال والأعمال وللساعين إلى الحوار والجوار، بل وللراغبين ليس فقط في فرصة عمل أفضل، بل في فرصة حياة شاملة أنفع وأرفع.
من ناحية أخرى، لقد شهد العالم للقوات المسلحة الإماراتية بأنها باتت في مصاف القوات النظامية الحديثة، القادرة على الذود عن الوطن والدفاع عن حياضه، وقد أثبتت الأيام الماضية القدرات الفائقة لنظام الدفاع الجوي الذي أسقط صواريخ العبث الحوثي، التي تندحر يوما تلو الآخر، والتي لم تجد من وسيلة للانتقام لهزائمها سوى تلك الفرقعات الصوتية صفرية التأثير، وفي خيالها أنها قادرة على تغيير صورة العالم عن أمن الإمارات واستقرارها.
نهار الاثنين، الذي أطلق فيه الحوثي الإرهابي صواريخه، ارتفعت بورصة العاصمة الإماراتية في التعاملات الصباحية، متجاهلة الشر الحوثي المجاني، والذي يدور في فلك دوائر أكبر منه وتحركه ولا تخفى عن الأعين والعقول.
فات الذين أرادوا إحداث ضرر بالاقتصاد الإماراتي، أنه بات درعا أخرى بجوار الدرع العسكرية، درع تتكسر على صخرتها سهام الكراهية، وتنكشف فخاخ الخبث.
ليس سرا أن الاقتصاد الإماراتي أصبح حديث القاصي والداني في العقدين الأخيرين على نحو خاص، لا سيما وأنه تجاوز ملامح ومعالم الاقتصادات التقليدية، ليقفز إلى عالم اقتصاد الابتكار، وبات قاطرة للتنمية والتقدم.
المتابع لتقارير المؤسسات الاقتصادية الدولية، وكذا بيوتات المال العالمية، يدرك النجاحات التراكمية للاقتصاد الإماراتي، تلك التي تتبدى من خلال مستويات النمو الإيجابية، ومن بينها أرقام ما تم تحقيقه العام الفائت، 2021، على الرغم مما أصاب اقتصاد العالم من ركود خلال عام جائحة كوفيد-19.
يبدو الاقتصاد الإماراتي علامة مدموغة وماركة مسجلة باسم الدولة، التي تفكر صباح مساء كل يوم في تطوير رؤاها العالمية لتضحي في مصاف الدول القائدة اقتصاديا، وقد ساعد على تحقيق ذلك الإصلاحات والمبادرات الهادفة إلى تعزيز تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة التي أقرتها الإمارات في الآونة الأخيرة، بما في ذلك برامج الإقامة الذهبية وغيرها.
الذين لديهم علم من كتاب يعرفون أن خيرا وفيرا ينتظر الاقتصاد الإماراتي في 2022، والعهدة على وكالة التقييم الائتماني العالمية "فيتش"، لا سيما مع رفع إنتاج النفط بما يتماشى مع اتفاقية "أوبك بلاس"، وفي ظل ارتفاع أسعار النفط العالمية، وكذا تواصل تعافي الأنشطة الاقتصادية غير النفطية.
ما الذي يجعل الاقتصاد الإماراتي اقتصادا أخضر مطردا يوما تلو الآخر؟
باختصار غير مُخلٍّ، تبقى المُناخات الإماراتية الجاذبة للعقول الشابة، لا من العالم العربي فحسب، بل من الكثير من بقاع وأصقاع العالم، قيمةً مضافةً، تدفع عوالم التحدي الاقتصادي القابل للتحقق على الأراضي الإماراتية، ولهذا لم يكن غريبا أو عجيبا أن تضحي الإمارات باقتصادها الوثّاب هي الدولة الأولى التي يرغب الشباب العربي على نحو خاص في الهجرة إليها، قبل أمريكا وكندا.
تتوقع وكالة "فيتش" أن ينمو إجمالي الناتج الحقيقي في أبوظبي مثلا بنحو 6.6% في العام الحالي، وأن تحقق فائضا في الموازنة يصل معدله إلى 2.9% من الناتج المحلي.
يدعم ويزخم الاقتصاد الإماراتي عقول وسواعد إماراتية، الأولى تطالع كل ما هو جديد ومفيد حول العالم وتستجلبه، والثانية تبني وتعمر وتنشئ بِنى تحتية ومؤسساتية، وتتيح ضرائب مواتية، وأسواق سلع مفتوحة على العالم برمته، وعمالة ماهرة متوافرة.
تمضي الإمارات في طريق اقتصاد متنوع، مزيد من الصناعي والسياحي، الرقمي واللوجستي.. لقد كثر ما يجعل الإماراتيين مستشرفين مستقبلا اقتصاديا واعدا لبلادهم، وهو أنهم يخططون عقلا ونقلا للاحتفال يوما ما بآخر برميل نفط يُستخرج من أراضيهم، فقد أدركوا أن هناك مداخيل أوسع وأرفع من مجرد الدخل الريعي للنفط.
خذ إليك على سبيل المثال ما يتأهب له قطاع الصناعة في الإمارات خلال العام الجاري من قفزات نوعية وكمية، وذلك بفضل دعم المبادرات التي أطلقتها وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، وتطبيق برنامج "القيمة الوطنية المضافة".
تمتلك الإمارات اقتصادا يُعدُّ الأكثر انفتاحا في العالم، حيث رسخت الدولة علاقاتها مع أكثر من 200 دولة في قارات الأرض الست، جميعها باتت تُجمع على أن الإمارات ليست رواق الأمم معنويا فحسب، ولكنها نقطة تجمع وسيطة في عالم معولم، وملايين تقصدها بحثا عن الجديد والمفيد.
الذين قُدّر لهم زيارة الإمارات قبل ثلاثة عقود، وعادوا إليها من جديد، يعرفون مدى نجاعة المعجزة الاقتصادية الإماراتية، تلك التي استفادت من المعطيات الحياتية كافة، وفي مقدمها نعمة الجغرافيا. إذ يكفي المرء النظر إلى الصناعة اللوجستية التي عظمتها الإمارات من خلال ميناء "جبل علي"، التابع لمجموعة مواني دبي العالمية، والذي صار متجاوزا لدور الميناء التقليدي، وعنده تجتمع الأمم.
اقتصاد الإمارات له شقه السياحي أيضا، بما لدى الدولة من طقس خلاب، وشمس ساطعة، ومياه دافئة، لهذا فقد حققت السياحة الإماراتية مليارات الدراهم في الموازنات الأخيرة.
وفي الإمارات سوق عقارية تحظى باهتمام عالمي، وأخرى رقمية واعدة في ظل تجارة عالمية رقمية ترتفع لأعلى كالصاروخ، أما المجال المبدع الذي تشاغبه العقول الإمارتية مؤخرا، فهو اقتصاد الفضاء، وله عدوة بالتفصيل.. إذًا هي أضغاث أحلام من الحوثي تتبخر مع إشراقة كل صباح على الإمارات بشرا وحجرا، سياسة واقتصادا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة