"عن جبال في الغيم".. كتاب يبحث في "سرّ تركيبة" أغاني فيروز
الكتاب يؤكد أهمية الجدية البحثية في تناول ما سمّاه "المنجز الفيروزي" بالتفكيك، والحد من أَسطرته، مع الإضافة إليه باستقراء مكوناته.
ربما يكون من الصعب القبض على سر التركيبة التي منحت أعمال المطربة اللبنانية الكبيرة فيروز، مع منصور وعاصي رحباني، كمّا كبيراً من الخصوصية والديمومة.
ويقع كل ما يُكتب حول هذا الموضوع في دائرة "المحاولات الجادة والمحِبّة" فقط لا غير.
وبهدف تحديد موقع "المنجز الفيروزي" من النقاش الدائر في العالم العربي عن الموسيقى بين التراث والحداثة، يعرض كتاب "عن جبال في الغيم" للمؤلف اللبناني أسعد قطان، خمسة بحوث تؤكد أهمية الجدية البحثية في تناول هذا المنجز بالتفكيك، والحد من أسطرته، والإضافة إليه باستقراء مكوناته.
ويعتمد الكتاب الصادر عن الدار العربية للنشر والعلوم (ناشرون)، في أول أجزائه، على طرح خلاصة كتاب "فيروز والأخوان رحباني: الموسيقى والحداثة والأمة في لبنان"، وهو الطبعة المعدلة لأطروحة الدكتوراة التي رفعتها المؤلفة الألمانية إينيس فاينريش، وتستند إلى رسم إطار تاريخي وثقافي لأعمال الأخوين رحباني، ما منح هذا الجزء صفة المقدمة الضرورية.
وينتقل الكتاب بين أبحاث تناولت الرافدين اللحني والتأليفي اللذين شكّلا منجز فيروز، في محاولة للوقوف على ما هو لِعاصي الرحباني، وما هو لتوأمه منصور، أي ما يمكن تسميته "المنتج العاصوي" و"المنتج المنصوري"، أهم أسرار هذه التركيبة (تركيبة الأخوين رحباني).
يشير الكتاب في أكثر من موضع إلى مفتاح يُمكّن المتتبّع للمشروع الرحباني من القيام بعملية تحليله.
ويذكُر أكثر من بحثٍ في الكتاب، ميل عاصي لاستلهام المشروع الموسيقي الشرقي، مستنداً إلى حجة مفادها بأن مراعاة ذوق الجمهور العربي، ستمنح العمل قابلية انتشار أكبر.
ويورِد الكتاب شهادة لزياد رحباني تعتبر ألحان منصور الرحباني كلاسيكية أكثر، سواء كانت مستمدة من الألحان الكنسية، أو من الموسيقى المصرية في نهايات القرن الـ19 والنصف الأول من القرن الـ20.
وبالنسبة إلى تأليف القصائد المغناة، فإن الكتاب يشير إلى قدرة عاصي على كتابة القصيدة الفصحى، مع الاعتراف بتفوق منصور في نظمِها من ناحية بناء النص.
ويعتمد الأثر على أكثر من أداة، مثل تصريح عاصي بتأليفه قصيدة "النهر العظيم"، أو متابعة بعض السمات الفنية في القصائد، كتِكرار جمل في هذه القصيدة، أو في قصيدة "الليل أناشيد"، ولكنّ الأمر لا يعني أن قصائد عاصي في الفصحى كانت ضعيفة، بل تضمّنت خيالاً واسعاً ورؤى مدهشة.
وفي الجزء الأخير من الكتاب يتم تقسيم المنتج الفيروزي إلى "قصائد الخمسينيات" و"الأندلسيات" و"الدمشقيات" و"الفلسطينيات" و"قصائد أخرى".
وينتقل إلى حضور صورة القائد في مسرحيات الأخوين رحباني، والعلاقة القائمة دوماً بين السلطة والشعب بمختلف أشكالها.