اللبناني أحمد بيضون يقدم مدخلا لغويا لأغنيات فيروز في كتابه الجديد
المفكر اللبناني أحمد بيضون يصف كتابه بأنه "أدب" لا غير، رغم تقاطعه مع علوم التاريخ والفلسفة والاجتماع
يقدم المفكر اللبناني أحمد بيضون في كتابه الجديد "في صحبة العربية.. منافذ إلى لغة وأساليب"، مدخل لغوي لأغنيات المطربة اللبنانية الكبيرة فيروز.
وأكد "بيضون" أن ما بدّله زياد الرحباني نجل الفنانة الكبيرة في تراث عائلته، أصبح لا يتخذ مرجعاً لمخيلته في الريف اللبناني الذي شاع في أعمال الأخوين رحباني، في حين كشف زياد عن بؤس الحياة في الضواحي والهوامش، وأن هذا البؤس لا يملك منفذاً إلى عالم الخيال القديم الذي كرسه الرحابنة.
ويقف "بيضون" في الكتاب الصادر عن دار الجديد في بيروت، في نحو 225 صفحة من القطع الكبير ، مع بعض أغاني فيروز محللا كلماتها، باحثاً عن أثر التركيبة المجتمعية للبنان في استقبال أغانيها باختلاف البيئات، وأثر الريف اللبناني في تكون المركب الرومانسي في نصوص الرحبانية، وتوقف الكتاب بشكل تفصيلي مع بعض نصوص زياد الرحباني.
ويقوم الكتاب على النظر لتطبيقات الظواهر اللغوية من خلال منظور معرفي عام، يبدأ من استغنائه عن تحديد انتمائه بشكل نهائي، إلى أحد الحقول العلمية، فاللغة أداة لتحقيق التواصل، وآلية لاكتشاف تطور المعارف والتعبير عنها.
ويصف بيضون كتابه بأنه "أدب" لا غير، رغم تقاطعه مع علوم التاريخ والفلسفة والاجتماع، ويتتبع عبر فصوله الشيقة علاقة اللغة العربية وتطبيقاتها في حركتها المصاحبة لمستجدات الحياة، إلى جانب علاقتها بالعاميات واللغات الأخرى داخل مجتمعاتنا العربية.
ويستعيد الكاتب مقالات كتبها عبر 10 سنوات تُظهر انشغالاً راسخاً بحيوية اللغة العربية ومسارات تطورها، وتُظهر معالجات الكتاب أرضية معرفية واسعة لصاحبها، تتسم بالاتساع على مستوى التنوع والعمق على مستوى التخصص.
ويُعلي الكتاب من قيمة اللغة التي تكمن في "الاستعمال لا الانتماء"، منحازاً إلى تغليب النظر المعياري أو التفاضلي على النظر الوضعي في أحوال اللغة، فالمعيار حيوية اللغة، فلا يصح أن يكون التعويل على أن صيانتها نتاج للاعتقاد في أن حفظها جاء من ارتباطها فقط بالقرآن، داعياً إلى تعميق الارتباط باللغة وصيانتها في أشكال الممارسة اليومية.
ويشير الكتاب إلى أن انتشار التعليم الديني بين عموم الجماهير أنتج لغة تجنح كثيراً إلى العامية، خلافاً لما هو مستهدف منه، نتيجة لتدهور عام في مستويات تعليم اللغة العربية وعزلها عن نسيج الحياة اليومية.
ويدافع الكتاب عن العامية، ناهياً عن النظر إليها بازدراء، كونها في ظن البعض الدرك الأسفل من أحوال اللغة، مشيراً إلى أنها ممر هام للناطقين بالعربية جميعاً إلى التواصل، وتدبر وجوه الحياة كلها تقريباً والتعبير عنها، إضافة إلى كونها المختبرات التي تهيأت فيها عناصر مختلفة تصل ما بين الفصحى ووقائع الحياة وتطوراتها وتحولاتها.
وفيما يخص الاشتباك مع اللغات الأخرى، فإن "بيضون" يخلص إلى ضرورة تعزيز الاقتناع العام بأن المعرفة باللغات الأخرى قيمة كبرى ترقى بالمعارف فكراً وشعوراً، فالتصرف المحكم باللغات الأجنبية، سيبقى شرطاً لإحكام كل منا على عالمه الذي بات المصنوع المستورد فيه يغلب على المطبوع، سواء المطبوع منه أو المزعوم، متناولاً ضرورة تكوين بيئة مواتية بالأساس لتعليم اللغات ولتعلمها وللتعلم بها، متعرضاً لإشكالية تحقيق ذلك، وبخاصة في المرحلة الجامعية وما قبها.
ويتضح ذلك عبر استقراء الأمثلة التطبيقية التي ساقها، وكان أولها في الكتاب الوقوف على العلاقة بين مفردة "الطائفة"، وميلاد مصطلح "الطائفية"، حيث يؤسس الكتاب لوجود المفردة الأولى في المتن الديني كما يظهره القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريف، وكذلك اعتياد استعمالها لدى العرب بمدلولات مختلفة لم تربتط بالضرورة بالمعنى الذي يتبادر إلى الذهن أولا وهو مجموعة من الناس، وكذلك في تناوله لظهور مصطلح "الطائفية"، في لبنان على وجه التحديد، فإن الكتاب يبحث في الأسس التاريخية، منذ الدولة العثمانية، مُفرقاً بين الطائفية بترجمتيها الإنجليزية الأمريكية، والفرنسية، متطرقاً في ذلك إلى أزمات عدة تخص الترجمة، دون الاستغناء عن إشارات فكرية عدة، يستخصلها الكاتب من استقراء تاريخ المفردة منذ ظهورها في الوثائق الفرنسية المتعلقة بلبنان منذ القرن الـ17.
ويُعالح الكتاب في فصل طريف، سماه الكاتب "استراحة"، مسألة توظيف الثقافة للغة بمستوياتها في مصر ولبنان، متطرقاً لقضية الريادة الثقافية التي كانت محل نقاش بين مثقفين لبنانيين وآخرين من مصر، حول أحقية كل منهما بالريادة الثقافية على الصعيد العربي.
ويحلل "بيضون" شروط تحقيق الريادة لأي من البلدين، في ظل تغير الظروف عبر نحو قرن كامل، وفي ظل عدم وجود أرقام ونسب نهائية تثبت تأثر اللبنانيين بالأفلام المصرية التي ملأت صالات لبنان، ولا اعتناء المصريين بأغاني فيروز، منوهاً إلى غزارة الأمية والثقافة في البلدين كليهما، راصداً ريادة المسيحيين اللبنانيين في المغامرة بالانحياز إلى أنماط جديدة من كتابة الشعر، وكذلك رسوخ نجيب محفوظ، ماراً بتاريخ الصحافة المصرية، إلا أنه في الأخير وبعد استجلاء ذاكرة نصف قرن مضى، يقر بريادة مصر الثقافية، مؤكداً أن طلب الاعتراف المصري بأي منتج ثقافي عربي لا يزال ذا أولوية مؤكدة عند صاحب المنتج.
ويرى أن العامية المصرية تبدو أشبه بـ"فصحى العاميات" أي الجامعة بين أجنحة المستمعين أو المشاهدين العرب شأن العربية الفصحى بين أجنحة قرائهم.
أحمد بيضون، كاتب لبناني من مواليد بنت جبيل في عام 1943، عمل أستاذاً للعلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، له قرابة 20 كتاباً معظمها في تاريخ لبنان، منها الصراع على تاريخ لبنان، “كلمن” من مفردات اللغة إلى مركبات الثقافة، “الجمهورية المتقطعة” (1999).
aXA6IDMuMTQ1LjE3Ny4xNzMg جزيرة ام اند امز