بيت العائلة الإبراهيمية.. ترجمة إماراتية لوثيقة "الأخوة الإنسانية" على أرض الواقع
يحتفل العالم بيوم الأخوة الإنسانية، وسط ترقب لافتتاح "بيت العائلة الإبراهيمية" بأبوظبي، الذي يجسد على أرض الواقع أهداف تلك المناسبة.
الاحتفال بتلك المناسبة يأتي بعد قرار أممي صدر نهاية عام 2020 اعتمد يوم 4 فبراير/ شباط من كل عام يوما دوليا للأخوة الإنسانية.
جاء القرار تقديرا لخطوة الإمارات في احتضان توقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية" التاريخية، التي وقّعها الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، في مثل هذا اليوم عام 2019، برعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية.
ويعد "بيت العائلة الإبراهيمية"، الذي يضم كنيسة ومسجداً وكنيساً تحت سقف صرح واحد، ترجمة على أرض الواقع لوثيقة "الأخوة الإنسانية" التاريخية التي تدعو لنشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، واحترام حُريّات الاعتقاد، وتدعو إلى تقدير التعددية والاختلاف في الدين واللون والجنس واللغة.
كما تؤكد الوثيقة في إحدى مبادئها، أن الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس، من شأنه أن يسهم في احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية.
بمناسبة اليوم الدولي للأخوة الإنسانية تنشر "العين الإخبارية" رحلة هذا البيت ومراحل إنشائه وأهدافه والافتراءات التي تعرض لها حتى قبل أن يرى النور.
فكرة الإنشاء.. مبادرة رائدة
تم الإعلان عن إنشاء بيت العائلة الإبراهيمية لأول مرة يوم 5 فبراير/ شباط 2019، غداة توقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية".
وتخليدا لذكرى الزيارة التاريخية المشتركة بين قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر، الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، لدولة الإمارات، وإطلاقهما من أبوظبي "وثيقة الأخوة الإنسانية"، أمر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، بتخصيص مساحة أرض في جزيرة السعديات وتشييد معلم حضاري جديد يُطلق عليه اسم "بيت العائلة الإبراهيمية".
وتم التأكيد على أن يجسد ذلك المعلم البارز أهداف وثيقة الأخوة الإنسانية، ويعبر عن حالة التعايش السلمي وواقع التآخي الإنساني الذي تعيشه مختلف الأعراق والجنسيات من العقائد والأديان المتعددة في مجتمع دولة الإمارات، ويكون أول مبادرة للوثيقة .
تصميم البيت
لتصميم فكرة بيت العائلة الإبراهيمية التي تبرز أهداف وثيقة الأخوة الإنسانية، تم فتح المجال لمعماريين معروفين حول العالم تتنوع خلفياتهم ودياناتهم للمشاركة.
وفي 20 سبتمبر/أيلول 2019، وخلال الاجتماع الثاني اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، في المكتبة العامة بنيويورك، بحضور الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، تم اختيار تصميم المعماري العالمي الشهير، السير ديفيد اجايي أوبي، لبيت العائلة الإبراهيمية.
وبحسب التصميم سيضم البيت: كنيسة ومسجدا وكنيسا تحت سقف صرح واحد، ليشكل للمرة الأولى مجتمعا مشتركا تتعزز فيه ممارسات تبادل الحوار والأفكار بين أتباع الديانات، لتعزيز قيم التعايش السلمي والقبول بين العقائد والجنسيات والثقافات المختلفة.
وأجمع أعضاء اللجنة العليا، أن اختيار هذا التصميم العصري لـ"بيت العائلة الإبراهيمية" جاء وفق عملية دقيقة، أتيحت الفرصة خلالها لمشاركة معماريين معروفين حول العالم تتنوع خلفياتهم ودياناتهم.
ولفتوا إلى أن تصميم المعماري أجايي اتسم بالتميز حيث يضم أماكن عبادة منفصلة لكل ديانة، ومكانا مشتركا للتعاون، تقام فيه تجمعات غير رسمية، ولكونه تصميما معاصرا، فهو يعكس الهدف الذي تم وضعه لإنشاء مكان للأجيال المقبلة يستقطب الأجيال المستقبلية".
وشددوا أن هذا المشروع الحضاري سيكون بمثابة معلم حضاري عالمي، يهدف إلى إعلاء قيم التنوع والتفاهم والمحبة والتسامح، ويعطي في نفس الوقت للبشرية محطة للتأمل والأمل، والاحتكام إلى العقل والإرث الإنساني للأمم والشعوب مهما اختلفت وتعددت قناعاتها وأديانها وعقائدها.
والتقت اللجنة العليا للأخوة الإنسانية في منتصف نوفمبر 2019 في الفاتيكان، قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف لتقديم التصور والمقترح لبيت العائلة الإبراهيمية الذي سيقام في أبوظبي.
وحصل التصميم على مصادقة الرمزين الدينيين الكبيرين، لتبدأ رحلة العمل على إنشاء المشروع تحت إشراف اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، وبمتابعة وثيقة من كل من الإمام الأكبر شيخ الأزهر وقداسة بابا الفاتيكان.
ويتميز تصميم "بيت العائلة الإبراهيمية" بعمارته الهندسية البديعة التي تتكون من ثلاثة مكعبات تستحضر ملامح العمارة التقليدية الخاصة بالديانات الثلاث وتبرز في ذات الوقت عناصرها الجمالية والهندسية المتفردة.
وسيضم هذا الصرح المتميز 3 مبان منفصلة، سيخصص كل مبنى على حدة منها لعبادة ديانة سماوية في إطار مدخل منفصل من الحديقة الرئيسية للمجمع، إلى جانب مبنى رابع غير تابع لأي ديانة، سيكون بمثابة متحف ثقافي يجتمع فيه الأخوة في الإنسانية بمختلف انتماءاتهم، وسيوفر برامج تعليمية وفعاليات متنوعة، تهدف إلى تعزيز التبادل والتعاون الثقافي والإنساني بين الأديان والأخوة الإنسانية بمختلف انتماءاتهم.
ومن هذا المنطلق، سترحب أماكن العبادة الثلاث التي يتكون منها "بيت العائلة الإبراهيمية" بجميع الزوار الراغبين في العبادة والتعلم والتحاور، كما سينظم "بيت العائلة الإبراهيمية" مجموعة متنوعة من البرامج والفعاليات اليومية، واستضافة المؤتمرات والقمم الدولية، التي تبرز التعايش الإنساني.
وتم خلال مراحل التصميم إشراك أعضاء المجتمعات الدينية من جميع أنحاء العالم لتقديم رؤيتهم ومشورتهم بشأن كل من المباني الثلاثة، وذلك لضمان اتساقها والتزامها بمتطلبات كل دين وتعاليمه.
الدين الإبراهيمي.. وافتراءات كاذبة
مع المضي قدما في إنشاء البيت، بدأت تطاله بعض المزاعم والافتراءات، كان أبرزها أن مبادرة "بيت العائلة الإبراهيمية" تدعو لدين جديد يدمج الديانات السماوية الثلاث في دين أطلقوا عليه اسم "الدين الإبراهيمي"، وهي افتراءات زائفة لا تمت للحقيقة ولا لفكرة للبيت أو وثيقة الإخوة الإنسانية بصلة.
على العكس تماما فبيت العائلة الإبراهيمية يضم كنيسة قائمة بذاتها، ومسجدًا قائمًا بذاته، وكنيسًا قائمًا بذاته، وسيكون لكل فرد الحرية في ممارسة معتقداته، إذن فهو يكرس حرية الاعتقاد لا دمج المعتقدات، يدعو لتعايش بين الأديان وليس انصهارها.
يضم "بيت العائلة الإبراهيمية" كنيسة ومسجداً وكنيساً تحت سقف صرح واحد، بما يبرز القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية واليهودية، ويحفظ في ذات الوقت لكل دين خصوصيته، مقدمًا بذلك صرحًا عالميًا يجسد تواصل الحضارات الإنسانية والرسالات السماوية، ويعكس قيم الاحترام المتبادل والتفاهم بين أتباع الديانات السماوية الثلاث، ليشكل للمرة الأولى مجتمعاً مشتركاً، تتعزز فيه ممارسات تبادل الحوار والأفكار بين أتباع الديانات.
إنشاء البيت
فى 15 يونيو / حزيران الماضي تم الإعلان عن إنجاز نحو 20% من الأعمال الإنشائية للمشروع والتي من المقرر اتمامها خلال العام الجاري 2022.
كما تم الكشف رسميًا عن الأسماء التي من المقرر أن تحملها أماكن العبادة الثلاثة، حيث يرفع المسجد اسم "الإمام الطيب" فيما أطلق اسم "القديس فرنسيس" على الكنيسة، أما الكنيس اليهودي فيحمل اسم "موسى بن ميمون"، وفي محيط الموقع ستتوفر أيضًا مساحة رابعة تحتضن مركزًا ثقافيًا يهدف إلى دعوة الناس لإعلاء مشاعر الأخوة والتآزر ضمن مجتمع متفاهم يقدر قيم الاحترام المتبادل والتعايش السلمي.
وقال محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة – أبوظبي وعضو اللجنة العليا للأخوة الإنسانية: "يجسد بيت العائلة الإبراهيمية أهمية التعايش بين الأديان مع الحفاظ على خصوصية كل دين، ويبرز رؤية أبوظبي للأخوة الإنسانية ونجاح جهودها في ترسيخ ثقافة ومبادئ التعايش السلمي ضمن النسيج الثقافي المتنوع الذي يتميز به مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، وتعد مهمتنا في الإشراف على تنفيذ هذا المشروع التاريخي فرصة ملهمة وشرف عظيم لنا حيث يعكس جهود دولة الإمارات في تطبيق وثيقة الأخوة الإنسانية وتعزيز مبادئها السامية.
وبين إن "إطلاق أسماء فضيلة الإمام الطيب شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرنسيس، وموسى بن ميمون على دور العبادة الثلاثة إنما هو عرفانًا وامتنانًا لمواقفهم ورسائلهم الواضحة لإعلاء قيم الأخوة الإنسانية، والتعريف بجهودهم ومبادئهم التي تعد رسائل محبة وسلام تستفيد منها الأجيال الحالية والقادمة في جميع أنحاء العالم".
رسائل هامة
ومع احتفال العالم باليوم الدولي للأخوة الإنسانية هذه الأيام، يقترب افتتاح "بيت العائلة الإبراهيمية"، فيما أضحى العالم يوما يعد يدرك حقيقة الرسائل والأهداف التي يعبر عنها ويجسدها.
رسائل تدعو للتعايش لا الإقصاء، وتبرز مفهوم الاعتدال في مواجهة التطرف، وتعزز قيم التسامح لنبذ التعصب، وتدعو للمحبة في مواجهة الكراهية.
كما تؤكد الإمارات من خلال فكرة ذلك البيت أهمية التركيز على ما يجمعنا من قيم مشتركة تدعو لها مختلف الأديان لنكون حجر الأساس في بناء مظلة التسامح وواحة الإخوة التي نعيش فيها جميعا في تكامل وتعاون، الذي نحن في أمس الحاجة له في هذا التوقيت تحديدا، وخصوصا بعد انتشار أوبئة مثل فيروس كورونا المستجد التي تحتاج إلى تعاون عالمي لمواجهته.
البيت، الجاري تشييده في أبوظبي والمرتقب افتتاحه خلال شهور، يجسد رسالة الإمارات للإنسانية بأهمية التعايش والأخوة بين الجميع بغض النظر عن الأديان والمعتقدات واللغات والجنسيات.
تؤكد الإمارات من خلال ذلك البيت أهمية الإيمان بالاختلاف وأن تنوع المذاهب والعقائد لا يمكن إلغاؤه، وأن التعايش بين أتباع الديانات المختلفة في وئام وسلام واحترام متبادل هو السبيل لتعزيز الاستقرار، وبناء درع واق لحماية مجتمعاتنا من أخطار الإقصاء والتشدد والتطرف.
تلك الرسائل جسدتها الإمارات على أرض الواقع، من خلال احتضانها لأكثر من 200 جنسية يمارسون معتقداتهم بحرية تامة، من خلال عشرات دور العبادة المخصصة لهم، من بينها كنائس للمسيحيين ومعبدين هندوسيين وكنيس يهودي ومعبد للسيخ ودير بوذي.
وتوجد في الإمارات العربية المتحدة 76 كنيسة ودار عبادة للديانات والعقائد المختلفة بعضها تبرعت لها دولة الإمارات بأراضٍ لإقامتها، ما يترجم عراقة قيم التسامح والتعايش السلمي وحرية المعتقد في الدولة.