مع أوائل مارس 2023، سيستقبل "بيت العائلة الإبراهيمية" بدولة الإمارات زائريه، بعد افتتاحه هذا الأسبوع من قبل الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش.
وتأسس بيت العائلة الإبراهيمية ليكون منصة جديدة للحوار، وصرحا للتواصل تستضيفه جزيرة السعديات في العاصمة الإماراتية أبوظبي.. ويضم في داخله رموزا ثلاثة تؤطر وتقود ذلك التواصل، وهي دور العبادة الثلاثة، مسجد وكنيسة وكنيس.
تدشين بيت العائلة الإبراهيمية إنما هو تتويج للجهود المتواصلة، التي تبذلها دولة الإمارات، لإرساء التعايش بين الأمم والشعوب وأصحاب الديانات على تنوعها.. وتجسيد لرؤية بعيدة المدى وواسعة تستوعب الوجود الإنساني بمعناه المجرد والشامل.
ويمثل تأسيس هذا "البيت" خطوة متقدمة على طريق طويل نهايته المرجوة، والتي يتمناها كل محب للخير، هي اندماج البشر وتعايشهم وتعاونهم معا من أجل المستقبل، بصفتهم بشرا فقط.
والواقع أن الجمع بين التنوع والتعايش قائم ومستقر بين البشر على مر الزمان.. ولا ينحصر في بقعة معينة أو حقبة زمنية دون غيرها.. ونظرة سريعة على الواقع الديمغرافي في العالم من منظور علم اجتماع الأديان، تكفي للاستدلال على وجود ذلك التعايش، ليس فقط بين مجموعات دينية وعقائدية مختلفة داخل حدود دولة واحدة، وإنما أيضا ضمن نطاق اجتماعي واحد أو القبيلة في المجتمعات العربية.
ففي كثير من المجتمعات تجمع الأسرة الواحدة داخلها اعتقادات ومرجعيات مختلفة، سواء أديان سماوية أو عقائد متوارثة أو أفكار وتوجهات مستحدثة.
ولا تختلف في هذا الواقع المجتمعات الفقيرة عن الغنية، أو المتقدمة عن النامية، إذ تشمل تلك الخريطة للتعايش البشري والتنوع العقائدي أُسَرا في مجتمعات أفريقية تقليدية.. فنجد أسرة يدين أحد أفرادها بالإسلام، فيما ينتمي أخوه إلى المسيحية.. كذلك توجد حالات كثيرة من هذا النوع في مجتمعات أوروبية، أو غربية بشكل عام، تتسم بالتنوع العقائدي داخل أصغر الوحدات المجتمعية، الأسرة.
هذا يعني أن القناعة الإماراتية بحتمية الاندماج والتواصل بين الشعوب بمختلف هوياتها وانتماءاتها، ليست من منطلق تطبيق قسري لنموذج مفتعل، وإنما هي استجابة واعية وذكية لواقع سيفرض نفسه على البشرية عاجلا أم آجلا.. غير أن الاستجابة الآجلة ستكون باهظة وعلى حساب مستقبل الإنسانية، معنويا قبل ماديا.
المغزى المهم في ذلك أن العالم يشهد بالفعل، ولو جزئيا، حالات تعايش سلمي وتجاور إنساني يؤكد أحادية الجوهر رغم تنوع الأشكال والمظاهر والصيغ والطقوس.
لكن في الوقت نفسه، لا يعني ذلك صهر الهويات أو إدماج المرجعيات، فلكل دين أو عقيدة خواصها وتعاليمها واستقلاليتها، وإن اتفقت في جوهر واحد هو العبودية لله.. بالتالي فإن الغاية ليست توحيد الديانات في دين واحد، كما يحاول البعض الترويج له خطأ أو بقصد تشويه الفكرة.. وإنما الهدف يتركز في نقطتين اثنتين، النقطة الأولى: الجمع بين أتباع الديانات وتجسير الفجوة بينهم، لدرء الصراعات وتجاوز الاختلافات.. والنقطة الثانية: الكشف عن أن أسباب النزاع والاحتقان بين البشر ليست الديانات ولا العقائد أيا كانت.. وإنما هي النوازع البشرية نحو السيطرة والتسلط والبحث عن مكاسب مادية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو غيرها.
لقد جاء تصميم "البيت الإبراهيمي" مكونا من ثلاثة أبنية تضم مسجد "الإمام الطيب" وكنيسة "البابا فرانسيس" وكنيس "موسى بن ميمون".. لتتجسد حالة تقارب وتواصل واتصال مكاني وروحي بين مبانٍ ثلاثة، هي ليست بنيانا واحدا وإنما لكل منها هويته وخصوصيته.
ولا شك في أن ما تقوم به دولة الإمارات في هذا المجال وتصديها لهذه المسؤولية الإنسانية العالمية هو امتداد لتوجهات الدولة منذ عقود نحو بلورة رؤية شاملة وعميقة للتعايش الإنساني والانفتاح على العالم والجمع بين أصالة المبادئ والتمسك بالأصول والجوهر مع حداثة الأفكار وتحديث الآليات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة