من الصين إلى العالم كانت البداية، ومن القارة الآسيوية إلى مناطق متعددة عبر الفيروس وتجاوز حدود وتخوم دول عديدة
لم يكلف الأمين العام للأمم المتحدة نفسه بدعوة دول مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة طارئة للأمم المتحدة على مستوى زعماء المجلس، لمناقشة تأثيرات انتشار وتمدد فيروس كورونا في العالم على اعتبار أن هذا الأمر يهدد الاستقرار في العالم، بل يهز منظومة الأمن الدولي الإنساني وقواعد التنظيم الدولي ذاته.
ولعل ذلك التوجه ارتبط بتوجه استباقي للأمم المتحدة بالبعد عن الصراع الدائر بقوة في التعامل مع الفيروس رغم تصريحات الأمين العام وعدد من كبار مستشاريه، وعدم حسم الموقف بعد بين الولايات المتحدة والصين حول علاج الفيروس، وانتشاره وما يتردد حول وجود تدخلات من الولايات المتحدة في الملف في إطار الحرب البيولوجية الراهنة التي تدور بين العلماء في الولايات المتحدة والصين من جانب وإسرائيل وعدد من دول العالم الأخرى، وعلى رأسها الهند التي لم يقترب أحد من الإشارة لمواقفها.
إضافة لما يجري في بقاع أخرى من العالم، وترتبط بكيفية تعامل الدول الكبرى والصغرى مع انتشار الفيروس والصراع المحموم للوصول للعلاج في ظل أكبر حرب إعلامية موجهة من أجهزة المخابرات الدولية بأن الولايات المتحدة ستسبق الصين التي أعلنت انتهاء الفيروس من أراضيها، وأنها باتت في أمان تام، كما ظهر الرئيس ترامب مؤكدا قرب إنقاذ العالم من انتشار الفيروس، وأن الأمر تحت السيطرة رغم أن هناك حالات عديدة ظهرت في الجنوب الأمريكي بل في ولايات كبرى بحجم دول في الإقليم وخارجه.
من الصين إلى العالم كانت البداية، ومن القارة الآسيوية إلى مناطق متعددة عبر الفيروس وتجاوز حدود وتخوم دول عديدة، وهو الأمر الذي يجب أن يواجه بإجراءات دولية متعددة ومتكاملة، وليست فقط من داخل الدول التي ظهرت فيها الحالات
في مقابل ذلك تعاملت بعض الحكومات الإقليمية والدولية بفكرة الإدارة بالأزمة وبعضها تعامل بالإدارة التفاعلية وثالثة انتهجت نمطا تحذيرا ورابعة قررت توفير المليارات للعلاج وتوفير مستلزمات المكافحة وتعددت صور التفاعل وفقا لظروف كل دولة، وفي كل الأوضاع شاهدنا على الملأ كيفية إدارة العالم بدولة كبيرها وصغيرها لفيروس بات عالميا، وفي ظل خسائر فادحة للدول على مختلف درجاتها، وحسب قوة اقتصادها، وهو ما سيزيد في الفترة المقبلة بصرف النظر عن رسائل التطمينات التي تطلقها أجهزة المخابرات الدولية والتي تشير إلى انحسار تمدد الفيروس وفي المقابل تنشر تقارير متضاربة ومتجاذبة في إطار لعبة الأمم الجارية.
من الصين إلى العالم كانت البداية، ومن القارة الآسيوية إلى مناطق متعددة عبر الفيروس وتجاوز حدود وتخوم دول عديدة، وهو الأمر الذي يجب أن يواجه بإجراءات دولية متعددة ومتكاملة، وليست فقط من داخل الدول التي ظهرت فيها الحالات بصرف النظر عن كم الأعداد التي أعلنت عنها منظمة الصحة العالمية والتي تقوم بدورها وفقا لصلاحياتها ومهامها باعتبارها المنظمة المعنية والمتخصصة، وإن كان مطلوبا ضرورة النظر في عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن أو قمة دولية خارج سياق الأمم المتحدة المهددة بالغلق لأول مرة في تاريخ إنشائها تخوفا من انتشار الفيروس، أو على الأقل تخفيض عدد الموظفين في أروقتها الشهيرة.
وذلك بهدف وضع النقاط على الحروف ونقل صورة صحيحة عما يجري في ظل شعور عام لدى البعض بوجود أدوار لدول لم تعلن، ولم تتضح ومنها على سبيل المثال الموقف الروسي وهو عضو دائم في مجلس الأمن مما يجري، وما هو موقف الاتحاد الأوروبي بدوله خاصة مع الإجراءات غير المسبوقة التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي ماكرون مؤخرا، ونقل رسالة إلى الشعب الفرنسي.
كما باتت دول مثل إسرائيل في معزل طبي كامل وأصبح الشعب الإسرائيلي في منتجع طبي بصورة كاملة، ونجح الفيروس في وقف تهديدات الفصائل الفلسطينية على إسرائيل بل أوقف الفيروس عددا من المواجهات العسكرية المنتشرة في العالم، كذلك انحسر معدل العمليات الإرهابية خلال الأسابيع الأخيرة وأوقفت دول تدريباتها ومناوراتها العسكرية المقررة سلفا.
وهكذا نجح فيروس كورونا في تحقيق أهداف متعددة الأغراض، وفي توقيت سريع أفزع العالم بأكمله، ولا يزال كما أبرز كيف يمكن بوضوح إيجاد تهديدات حقيقية يمكن أن تضرب استقرار العالم بأكمله، وتشل الحركة الاقتصادية وتؤدي للكثير من الخسائر المكلفة التي لم تتوقف على وقف خطوط طيران عالمية أو تقليل المكون البشري في المواقع والتجمعات أو محاصرة الصراعات ووقف الإرهاب.
إن مخاطر انتشار فيروس كورونا ستؤدي إلى فتح ملفات مسكوت عليها في إطار حروب غير مرئية بين الدول الكبرى تركز على حروب تجارية واقتصادية عليا لا تحسمها فقط الاتفاقيات الدولية أو مراجعة بنود الشراكات الاقتصادية، ومن ثم فإن النظام الدولي في حاجة إلى مراجعة مثل هذه التهديدات الوجودية التي تهدد الإنسان في العالم، وتبعث برسائل متعددة، وفي اتجاهات مختلفة ومع تصاعد ما يعرف بظاهرة جيوش القطاع الخاص وشركات الأمن العالمية، وإلى حين تتضح الرؤية الدولية التي بدأت تتكشف ملامحها، سيصبح السؤال المشروع كيف يمكن مواجهة تمدد انتشار الفيروس، وما هي الجهات المستفيدة من انتشاره - وهي كثر - ولا تتوقف فقط على دولة بعينها.
كما ستبقى الكلمة الأخيرة لعلماء المجمعات العلمية الطبية في الولايات المتحدة والصين وروسيا وإسرائيل وألمانيا تحديدا، وليبقى السؤال الأكثر طرحا لماذا لا تتوافق رؤية العلماء في العالم لمواجهة ما يجري، ولماذا لا تخلص الإرادات الدولية - إن وجدت أصلا - للوصول لحل حقيقي.. قولا واحدا إنها لعبة أجهزة المعلومات في العالم التي لا تزال تنتهج مبدأ الصراع، وليس التعاون، ولتبقى لغة المصالح هي المعيار أولا وأخيرا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة