في مثل هذه الأيام في عام 2019 أطلقت من أبوظبي وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك.
بعد أن وقع عليها شيخ الأزهر الشريف فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وبابا الفاتيكان قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، لتعتمد الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالإجماع يعلن يوم الـ4 من فبراير يوماً عالميًّا للأخوة الإنسانية ابتداءً من العام الجاري.
وبالعودة إلى اليوم التاريخي لزيارة البابا فرنسيس، حيث كانت المرة الأولى التي يزور فيها بابا الكنيسة الكاثوليكية أرض الخليج العربي، فإن ما قبل تلك الزيارة ليس كما بعده، بعد المنعطف التاريخي والنقلة المهمة على صعيد الأخوة الإنسانية، متجاوزا المراحل السابقة كافة إلى مرحلة جديدة من التسامح والوئام، ومتجسداً في بنود الوثيقة التي شهد توقيعها أكثر من 400 من قيادات وممثلي الأديان وشخصيات ثقافية وفكرية من مختلف دول العالم.
وفي ظل كراهية تبحث عن شماعة لتلقي عليها نتائجها وإلصاق التهم الباطلة بها، جاءت الوثيقة لتقدم صورة حقيقية لعموم المسلمين المؤمنين بالتسامح والتعايش والتآخي الإنساني مع جميع الشرائع والملل، بعكس ما يتم ترويجه بسبب المتطرفين ممن تصدروا -أو يراد لهم أن يتصدروا- المشهد الإعلامي.
إن نظرة الإسلام الحقيقية إلى أتباع الشرائع السماوية حول العالم نظرة متقدمة تضمن حرية الاعتقاد، انطلاقاً من آيات القرآن الكريم من منطلق إنساني متقدم، ومحبة مطلقة بثها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
وفي عالمٍ أصبح مدينة صغيرة، فإن أفضل وسيلة للعيش بسلام هي تقبل الآخر، وعدم التدخل في شؤونه، تأسيساً للتسامح الذي يرى أن الجميع على حق من وجهته، والمسلمون أثبتوا خلال حقب طويلة من التاريخ أنهم أهل التسامح والمحبة والمؤاخاة من خلال ما تحلوا به من أخلاق كريمة وصفات طيبة، انطلاقاً من المعاهدات التي أبرمت حتى ترك أهل البلاد على دينهم، بل حمايتهم والدفاع عنهم.
فالتسامح قيمة إنسانية لا يمكن أن يعيش مجتمع بدونها، وهذا ما يطبقه معظم العالم اليوم ويرفضه المتطرفون ممن غفلوا عن النصوص الدينية في كل الديانات التي تفيض إحساناً وتسامحاً، وأشكل لديهم فهمها، بسبب تداخل حدود الانتماء الديني والمذهبي مع الانتماء السياسي.
إن قمة الإمام والبابا مرحلة ستذكرها الأجيال طويلاً؛ لأنها مقدمة لتعامل إنساني مع المختلِف، ديناً ومذهباً، لا سيما في منطقة عانت الويلات باسم الدين، ولعل القمة تكون منطلقا لحوار وتفاهم أوسع يشمل جميع الأديان، حتى يتحقق الحلم بأن تختفي الكراهية الدينية من هذا العالم، وحتى لا يبرر القتل وإزهاق الأرواح باسم الدين بعد اليوم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة