في الآونة الأخيرة، ترددت الأخبار عن مصير الاتفاق النووي مع إيران.
والذي انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية بقرار من الرئيس السابق ترامب، حيث أعادت واشنطن كافة العقوبات الاقتصادية المشددة على إيران، بل بشكل أشد هذه المرة، عبر منع إيران من بيع نفطها بشكل تام، مما تسبب بأضرار اقتصادية شديدة الخطورة على إيران.
فاز الرئيس الأمريكي بايدن، الذي قام بوقف أو تجميد مجمل القرارات التي أقرها الرئيس السابق ترامب، لكنه حتى الآن لم يتخذ قراراً برجوع أمريكا للاتفاق مع إيران 5+1 الذي تم برعاية الرئيس أوباما، حيث كان الرئيس بايدن من المشاركين في هذا الاتفاق، وكان وقتها نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
إن المتغيرات التي وقعت تجبر الرئيس بايدن على التأني وعدم الاندفاع لعودة أمريكا للاتفاق، خاصة إذا ما شاهدنا سلوك إيران في المنطقة عبر استمرار نهجها السابق في سياسة تغذية الحروب، ودعم أذرعها بالصواريخ "الباليستية" لتهديد دول المنطقة والعالم، ليس هذا فحسب، بل تهدد أمن وسلامة الممرات البحرية الدولية، تارة بالاستيلاء على ناقلة بالخليج، وتارة أخرى بإعطاء أوامرها لذراعها مليشيا الحوثي الإرهابية في اليمن باستهداف سفن وناقلات بالبحر الأحمر، ناهيك عن مناورات عسكرية قامت خلالها إيران بإطلاق صواريخ بعيدة المدى في تحدٍّ صارخ للمجتمع الدولي.
جاءت أول تصريحات لإدارة بايدن على لسان وزير خارجية أمريكا "أنتوني بلينكن"؛ حيث أكد دعم الولايات المتحدة الأمريكية لحلفائها بالمنطقة، وأن عودة أمريكا للاتفاق النووي مع طهران مشروطة بتنفيذ طهران كافة شروط الاتفاق النووي، وهذا الأمر بعيد كل البعد عن أن يتم حاليا، ومن تلك الشروط وقف تطوير برنامج الصواريخ الذي تقوم به، كذلك لم تلتزم إيران ببعض بنود الاتفاق بعد انسحاب أمريكا منه من جانب واحد، وأعادت أمريكا العقوبات الاقتصادية المشددة على إيران كافة بقرار من الرئيس السابق ترامب.
يكمن عدم استعجال الرئيس بايدن بعودة أمريكا للاتفاق النووي مع إيران في استخدامه كورقة ضغط على إيران، كونها الخاسر الأكبر من إطالة أمد العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها، إذ كل يوم يمر باستمرار العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها سوف يزيد من الضعف الاقتصادي، خاصة مع تسجيل كافة الأرقام الاقتصادية السلبية؛ من انهيار العملة الإيرانية، وارتفاع معدلات الفقر بشكل خطير، والبطالة، والتضخم.. كلها أمور تجبر طهران على تلبية أي شروط لعودة أمريكا للاتفاق النووي 5+1.
لا بد أن تعلم إيران أنها الخاسر الأكبر لاستمرار سلوكها العدواني بالمنطقة، وأمريكا لن تخسر حلفاءها التقليديين بالمنطقة من أجل إرضاء إيران، لذلك تبقى ورقة رجوع أمريكا للاتفاق مربوطة بشروط جديدة قد لا توافق عليها إيران؛ من أهمها وقف تطوير الصواريخ الباليستية، لذلك فمن المتوقع ألا تستعجل إدارة بايدن العودة لهذا الاتفاق، بل سوف تستغل هذه الورقة للضغط أكثر على طهران، من أجل عمل اتفاق صارم ومشدد يحظى بترحيب دول المنطقة، وقد نشهد إضافة شروط جديدة تكون أكثر تشدداً في هذا الاتفاق إن تم.
إن مشكلة إيران ليست فقط في الاتفاق النووي، سواء عادت إليه أمريكا أو لم تعد.. إن مشكلة إيران تكمن في سلوكها القديم المستمر حتى الآن، وهو أيديولوجيا التوسع والسيطرة، والاعتداء، وخلق أذرع عبر مليشيات لها في عدة دول عربية، كي تكون خاضعة وتحت قيادة أطماع النظام الإيراني، حيث لم تتوقف إيران عن مشروعها العدواني، حتى مع إيقاع أشد العقوبات الاقتصادية عليها، لكنها تواصل نفس نهج سلوكها المنبوذ.
متى تعي إيران أن مشروعها العدواني على مدار أربعين سنة لم تجنِ منه إلا الخراب والدمار وملايين القتلى من شعبها ومن دول المنطقة، والضعف الاقتصادي، وارتفاع معدلات الفقر بشكل مخيف، في دولة تملك من الخيرات، من النفط والغاز وغيرهما، ما يجعلها من أغنى دول المنطقة؟ لكن أيديولوجيا التوسع لم تنجح، ولن تنجح.
الخلاصة، لا أتوقع أن تكون سياسة إدارة الرئيس بايدن مع إيران هي نفسها عندما كان نائبا للرئيس الأمريكي أوباما، بل أتوقع أن تكون أكثر حزماً، خاصة حال عمل أي مفاوضات برجوع أمريكا للاتفاق النووي معها، بل سوف يكون ذلك عبر شروط صارمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة