على الرغم من الأوضاع السيئة التي يعيشها لبنان اليوم بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية المتوارثة جيلا بعد آخر،
فإن مسألة اللجوء السوري إلى هذا البلد حُملت أكبر وأكثر مما تستحق، نتيجة تحميلها وزر ما آلت إليه الأمور في بلد يقول أبناؤه إنّ مسؤوليهم يفكرون بذواتهم أكثر من مسألة البحث عن طريقة يتمّ من خلالها تخليص البلاد من السقوط في خانة الدول منعدمة الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهذا ما تسير باتجاهه الأمور تباعا.
في واقع الأمر وللإنصاف، لا يمكن إنكار أنّ لبنان الصغير في مساحته الجغرافية وموارده الطبيعية يتحمل عبئا ليس سهلا من مسألة اللجوء، ولكن هذا لا يعني أبدا أن هذه القضية هي التي تقف عائقا أمام تقدم الحركة الاقتصادية ونموها، بل على العكس تماما كان يمكن الاستفادة من هذا الأمر على وجه يخدم الدولة المضيفة، وكذلك اللاجئين، ولكنّ عدم اجتماع كلمة الساسة وتفرقهم وآراءهم المختلفة جعلت الأمر معقدا أكثر، بل وأثّر كثيرا على اللاجئين أنفسهم الذين ومنذ اندلاع الأزمة السورية ولجوئهم إلى لبنان وهم يتعرضون لمضايقات كثيرة وهذا ناتج عن عدة عوامل:
الأول: تعليق كثير من المسؤولين والطبقات السياسية في لبنان فشلها وفسادها في إدارة دفة البلاد على شماعة الأعباء التي تتحملها بسبب اللاجئين السوريين رغم أن الدولة اللبنانية تتلقى ملايين الدولارات المقدمة من أجل ملف اللاجئين دون قيود واضحة لإنفاقها، وهذا يطرح تساؤلات عدة فيما إذا كان من حق هذه الطبقة بالفعل ربط أي خطوة تعتزم القيام بها بمسألة اللجوء السوري أو لا؟
الثاني: التجييش الإعلامي لعدة منصات محسوبة على تيارات سياسية، مسوّقة تلك الادعاءات المتعلقة بملف اللاجئين وكونهم السبب في أزمات لبنان؛ لإبعاد الرأي العام عن حقيقة فساد تلك التيارات وفشلها، ما أدى إلى خداع الرأي العام اللبناني، فبات المواطن اللبناني يرى اللاجئ السوري الذي يعمل في لبنان ليل نهار وبثمن بخسٍ موفراً اليد العاملة التي لا تطمع بأكثر من قوت يومه، المعضلة الوحيدة في طريق العجلة الاقتصادية والسياسية في بلاده، وهذا ما يفسر الظهور المتكرر لإعلاميين وشخصيات شهيرة بين الفينة والأخرى للتهجم على اللاجئين السوريين.
هذه العوامل الرئيسية وغيرها الكثير هي التي دمغت اللاجئ السوري بهذه الصفة التي بات يدفع ثمنها كل يوم وبدماء باردة بهضم حقه وإحراق خيمته وطرده من قِبل بعض الأشخاص الحاقدين المدفوعين بذهنية إلغاء الآخر والتعدي عليه واستغلال مأساته.
ما تعرض له مخيم اللاجئين السوريين في شمال لبنان مؤخرا لا شكّ أنه فعل شنيع لم يرضَ عنه كثير من اللبنانيين الذين رفعوا الصوت عاليا بوجه كل الذين يتصرفون بمنهجية "البلطجة" بل وذكروهم بأنّ سوريا من شرقها إلى غربها فتحت ذراعيها لكل الهاربين من جحيم الحروب وويلاتها سواء من لبنان أو العراق وغيرهما من الدول، وهذا يتطلب رد الدين للسوريين باحتضانهم والحفاظ على كرامتهم، وهو أمر لا يقتصر على جهة بعينها، بل واجب على الجميع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة