انتهت قمة العلا بإعلان مصالحةٍ قادتها المملكة العربية السعودية بتفويض مباشر من الدول الثلاث "مصر والإمارات والبحرين".
للتمهيد لعودة العلاقات مع قطر التي تمت مقاطعتها من قِبل الدول الأربع في منتصف عام 2017م.
الدول الأربع نسبت للكويت تلك الجهود الدبلوماسية لحلحلة هذه الأزمة، خاصة ما قام به سمو الشيخ صباح الأحمد -رحمه الله- والحقيقة أن الجهود الكويتية لا يمكن تجاوزها لصالح أي جهود موازية كانت تتم، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، فالكويت وضعت نفسها وسيطا بين هذه الدول منذ اللحظة الأولى لإعلان المقاطعة قبل ثلاث سنوات.
جميع الدول الخليجية الثلاث، مع المملكة العربية السعودية، أبدت انفتاحا كبيرا على فكرة المصالحة، خاصة أن الخلاف الخليجي خلال هذه السنوات الثلاث أصبح أكثر إيلاما للمنظومة الخليجية والمنظومة العربية، كما أن حلفاء الدول الخليجية ينظرون إلى هذا الخلاف كونه يؤثر مباشرة في مصالح المنطقة ومصالح قوى دولية مثل الولايات المتحدة الحليف الموثوق للخليج، والتي دائما ما كررت أنها ترغب في خليج موحد في سبيل مواجهة تحديات كبرى، من أهمها الخطر الإيراني الذي يهدد المنطقة بأكملها عبر التدخل المباشر وغير المباشر في الكثير من العواصم العربية.
المصالحة ومهما كانت الأسئلة التي تدور حولها، إلا أنها واجبة الحدوث في هذه المرحلة، فالمنطقة وخلال السنوات العشر الماضية شهدت تحولات جذرية غيّرت الكثير من الموازين السياسية، وتحمل مجلس التعاون لدول الخليج العربية بقيادة السعودية مسؤولية القيادة المباشرة للعالم العربي، وأصبح الثقل العربي يضغط وبقوة على الخليج لتحمل المسؤولية الكاملة للنظام العربي، الذي تأثرت بعض دوله خلال العقد الماضي، مما استوجب وقفة ثابتة من دوله مجتمعة، فالكتلة الخليجية لم تعد تحتمل الفرقة ومهما كانت نقاط الاختلاف متعددة إلا أن المشتركات الاستراتيجية بين الدول الخليجية أكبر وأهم، خاصة ثبات وبقاء مجلس التعاون.
المصلحة العليا كما تحدث عنها سمو الأمير محمد بن سلمان في افتتاح قمة العلا ليست خيارا ثانويا في المنظومة الخليجية، ومن الطبيعي أن تكون هناك بعض الفقرات التي تتطلب نقاشا مباشرا بين الأطراف كلها، ولكن الضرورة السياسية اليوم تستوجب الانفتاح المباشر بين دول الخليج، ومن الطبيعي أن الصفحة الأولى في أي خلاف إذا ما طويت، فلن تبقى بقية الصفحات مفتوحة إلى الأبد، وهذا ما يمكن تسميته الاتجاه الصحيح في حل الأزمات السياسية.
الأمن القومي الخليجي كان حاضراً وبقوة في تفاصيل هذه الأزمة، خاصة في مرحلة المصالحة التي قادتها الكويت بكل اقتدار وأثبتتها قمة العلا، ففي مثل هذه الأزمة يلعب الزمن دورا سلبيا فيما لو بقيت الأزمة بلا تحركات مباشرة لحلها، فقد تتحول من عمقها السياسي إلى العمق الشعبي وتصبح جزءا من القيم التاريخية التي يصعب تجاوزها عبر الأجيال، فالخليج وفي هذه الظروف لا يحتمل صراعا سياسيا لا يمكن لأي طرف أن يحقق فيه مكاسب استراتيجية، فالحقيقة السياسية الصارمة تقول إن المصير الخليجي واحد مهما كانت الاختلافات السياسية، وهذا ما أسهم في صمود منظومة الخليج إلى هذا الوقت، ولعل الخبر الأكثر إثارة هو كمية النضج السياسي التي يحققها المجلس بتعامله العقلاني مع مشكلاته وتجاوز أزماته بمهارات سياسية داخلية كتلك التي شهدتها قمة العلا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة