أعتقد أن المسلمين اليوم في أمس الحاجة إلى تفعيل فقه المقاصد الشرعية الذي برع فيه علماء فقهاء المالكية.
أعتقد أن المسلمين اليوم في أمس الحاجة إلى تفعيل فقه المقاصد الشرعية، الذي برع فيه علماء فقهاء المالكية، فكتاب الموافقات للشاطبي كان أول المؤلفات التي تحدثت وفصلت وتبحرت في هذا الشأن المهم من شؤون الفقه، على الرغم من أن الشاطبي شافعي المذهب، ثم جاء الشيخ التونسي الطاهر بن عاشور والشيخ المغربي علال الفاسي، فاستطاعا بكل تمكن وجدارة وسعة أفق الاتكاء عل هذا الفقه، والتألق في محاولتهما المبهرة لمواكبة العصر، والتحليق في محاكاة العصر وضرورة اللحاق بركب التحضر.
فقه المقاصد من أهم تفرعات أصول الفقه، فيعطي الفقيه القدرة على استنباط الدليل إذا كانت المسألة من النوازل المستجدة، كما أنه يمكّن الفقيه أيضا من الترجيح بين الأقوال إذا كانت القضية محل البحث وسبق للفقهاء التطرق إليها
وأنا ممن يعتقدون جازمين أن الفقه المالكي على وجه الخصوص الأقدر على تحقيق التجديد ومواكبة مستجدات العصر وكيفية التعامل معها، التي أصبحت هذه الأيام هاجس كثير من الفقهاء المتنورين، الذين لم يأسرهم (التقليد) والتعصب لمقولات أسلافهم، وحصر آليات اجتهاداتهم في منطقة ضيقة ومحدودة، جعلت -في أحايين كثيرة- الفقهاء المعاصرين السلفيين يختنقون في محدوديتها، فلا يستطيعون الحراك ناهيك عن الإبداع، وغني عن القول إن الأحكام الشرعية، خاصة في التعاملات الدنيوية، لم تُشرع عبثا، وإنما لمقاصد وغايات، والفقيه الفطن هو ذلك الرجل الذي يغوص في الشواهد والأدلة ليكتشف غايتها ومقصدها، ليستنبط الحكم المناسب لها، خاصة عند نظره في القضايا المستجدة، التي ليس لها ما يمكن القياس عليه في القول بحلها أو الفتوى بحرمتها، والأساس الذي ينطلق منه علم المقاصد أن الأصل في الأمور الإباحة، ما لم يأتِ نص قاطع مانع واضح الدلالة بتحريمها.
وفقه المقاصد من أهم تفرعات أصول الفقه، فيعطي الفقيه القدرة على استنباط الدليل إذا كانت المسألة من النوازل المستجدة، كما أنه يمكن الفقيه أيضا من الترجيح بين الأقوال إذا كانت القضية محل البحث وسبق للفقهاء التطرق إليها.
وأنا هنا أتحدث عن المستجدات في المسائل الدنيوية، التي ليس فيها نص واضح الدلالة والثبات حول حرمتها، اللهم إلا اجتهادات بعض الفقهاء دونما دليل واضح جلي أو قياس لا يخالجه وجود فارق بين تلك الحالة والحالة التي قام بالقياس عليها، فقول الفقيه إذا لم يكون مرفقا بدليل هو اجتهاد منه، لك أن تقبله كما أن بوسعك إذا لم تقتنع به أن ترفضه، والحكم دائما وأبدا في أن القضية الفقهية لها منذ البدء مقاصد وغايات، إما مقاصد كلية شاملة لا يجب أن يخرج القول من دائرتها، أو مقاصد تفصيلية تتعلق بوشائج قوية بمقاصد الشريعة الكلية.
ومقاصد الشريعة الكلية هي (حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ النسل وحفظ المال وحفظ العقل)، كما يقول الإمام الشاطبي رحمه الله، ويتفرع من هذه الكليات فرعيات استجدت علينا اليوم، وهي على سبيل المثال لا الحصر (حفظ الوطن)، لأن ما تقدم لا يمكن حفظه وحمايته إلا بحفظ وعائه وهو (الوطن)، علما أن جماعة الإخوان المسلمين المبتدعة يعتبرون الوطن والحفاظ عليه خارج هذه المنظومة، مستندين إلى قول الإخواني الهالك سيد قطب: (بان الوطن حفنة من تراب نجس).
وأنا -من خلال مطالعاتي- أجد أن ثمة قصورا لا تخطئه العين في العناية بهذه المقاصد المرجعية، والتي أرى من الضرورة بمكان تدريسها في مراحل التدريس الأولى، على الأقل في المرحلة الثانوية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة