السؤال المطروح: ما الذي تغير في هذه الحالة؟ وهل يعمل قرار إدماج المليشيات بالجيش إلى تقليم أظافرها والحد من سطوتها وتحكمها؟
مع مرور الزمن أصبح الحشد الشعبي عبئاً ثقيلاً على ساسة العراق، والتي وصلت إلى نحو 67 تنظيماً مليشياوياً، وأدى ذلك إلى إحراج الولايات المتحدة التي طالبت بتفكيكها والعودة إلى تأسيس الدولة الحديثة التي عرفها العراق عبر تاريخه الحديث، لم يتجرأ أحد من رؤساء الوزراء السابقين أن يصدر هذا المرسوم الذي أقدم على إعلانه رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، وجاء قراره ماسكاً العصا من الوسط، لكي لا يُغضب المليشيات ولا الولايات المتحدة، فلجأ إلى أسلم الحلول، وأصدر مرسوما بدمج المليشيات بالقوات المسلحة النظامية، وطرح عليها الاختيار بين العمل السياسي أو العسكري.
يتخيل عادل عبدالمهدي أنه بهذا المرسوم يتمكن من إنقاذ المليشيات من العقوبات الأمريكية التي طالبت بتفكيكها وحلها وتأسيس دولة المؤسسات، لكن الفساد يحول دون ذلك، وعن إدماج المليشيات في الجيش النظامي يمكن أن نقول كما في المثل الشعبي: تخرج المليشيات من الباب وتدخل من الشباك!
خطوته الحالية أعطت شرعية لهذه التنظيمات المليشاوية من خلال العمل تحت غطاء قانوني وتشريعي، ويكون عمل هذه القوات جزءا لا يتجزأ من القوات المسلحة تحت إمرة القائد العام وفقا للقانون الذي شرعه مجلس النواب، واستبدال التسميات العسكرية المعروفة بها، وتحويلها إلى التسميات المعمول بها في الجيش، كما أمر بغلق جميع مقرات فصائل الحشد الشعبي في المدن وخارجها، بما فيها المكاتب الاقتصادية أو نقاط التفتيش، وقد تعاطف مع هذا المرسوم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وفك ارتباط فصيله المسلح به مباشرة، تمهيدا لإلحاقه بالمؤسسة الأمنية.
من الواضح أن ما عجل في إصدار هذا القانون أو المرسوم ما شهده بغداد من أحداث أمنية خطيرة، آخرها الهجوم على مقر السفارة البحرينية وقبلها الهجوم على قواعد عسكرية أمريكية، لكن ذلك لن يحل المشكلة بأي شكل من الأشكال، لسبب بسيط.. وهو أن معظم هذه المليشيات مرتبطة بولاية الفقيه في إيران وغير خاضعة لمرجعية الحكومة العراقية.
لن يكون هناك أي تغيير ما دامت قوة المليشيات حاضرة في المشهد السياسي، ولم يتغيّر شيء سوى التسميات ليس إلا، فهي ستحمل الرتب العسكرية، وتتحول إلى فرق وألولية وأفواج بدل تنظيماتها السابقة.
السؤال المطروح: ما الذي تغير في هذه الحالة؟ وهل يعمل قرار إدماج المليشيات بالجيش إلى تقليم أظافرها والحد من سطوتها وتحكمها؟
على أية حال، ستحافظ المليشيات سواء اندمجت أم لم تُدمج على قوتها وتحكمها وسلطتها أكثر من السابق؛ لأنها ستصبح في إطار الشرعية، ومن الواضح أن الحشد الشعبي تنظيم إيراني في الدرجة الأولى، ومتربط بمرجعية ولاية الفقيه في إيران، حتى في تمويله، وهو ذراع مهم من أذرعها التي تحرك بها، بعد تصاعد حدة الصراع بين أمريكا وإيران، ويمكن القول إن الحشد الشعبي تم تشكيله وصياغته على غرار الحرس الثوري الإيراني تحت راية سليماني.
يأتي قرار عادل عبدالمهدي بسنّ هذا المرسوم من أجل تهدئة خواطر العراقيين، والتنفيس عن نقمتهم على المليشيات الطائفية بعد أن اقترفت جرائم من خطف وسرقة وقتل، إن أسوأ ما في هذا القرار هو إضفاء الشرعية الحكومية على الحشد لإحراج أمريكا، التي تعتبره أداة إيرانية، يضاف إلى ذلك أن لهذه المليشيات كتلا نيابية فاعلة ومتنفذة في مجلس النواب.
ولو عدنا إلى البدايات فإنه تم تشكيل الحشد الشعبي ليكون قوة موازية للجيش العراقي وسلاحا إيرانيا في التعامل مع أي تغيرات سياسية في المستقبل، هذه هي الحقيقة المرّة، ولهذا السبب ظل العراق منذ الاحتلال الأمريكي دولة فاشلة بكل معنى الكلمة، ولا تزال المليشيات تملك السلاح والسلطة، حتى لو تغيرت تسمياتها، وهذا المرسوم لن يفضي إلى حصر السلاح بيد الدولة، بل سيحول هذه الميلشيات إلى دولة.
غني عن القول إن هذه المليشيات التهمت خيرة شباب الجنوب، وهي ترفع اليوم بوجههم السلاح عندما يطالبون بحقوقهم، وهذا ما يجعل عشائر جنوب العراق المسلحة تسليحاً ثقيلاً، وهناك مواجهات دامية بينها وبين هذه المليشيات، وهو ما يضع العراق على صفيح ساخن؛ مواجهات شيعية شيعية، وشيعية سنية، وحكومية عشائرية، البعض يتكهن أن عدد هذه المليشيات وصل إلى نحو 120 ألف مقاتل، مجهزين بأحدث أنواع الأسلحة. وهو ما يجعله يشكل جيشا موازيا، لكن دمجها بالجيش النظامي من شأنه أن يقوي سلطتها واحتلالها مركز الصدارة والقرار بسبب عقائديتها وتعصبها وولائها غير المحدود.
يتخيّل عادل عبدالمهدي أنه بهذا المرسوم يتمكن من إنقاذ المليشيات من العقوبات الأمريكية التي طالبت بتفكيكها وحلها وتأسيس دولة المؤسسات لكن الفساد يحول دون ذلك، وعن إدماج المليشيات في الجيش النظامي يمكن أن نقول كما في المثل الشعبي: تخرج المليشيات من الباب وتدخل من الشباك!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة