جزء كبير من العالم، يراقب بحرص مصير الدعاوى التي رفعها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على عمالقة الإنترنت المحتكرين لتطبيقات السوشيال ميديا.
"فيسبوك" و"تويتر" و"غوغل"، هذه الشركات الكبرى، هي التي تتحكّم اليوم فيما يقال وما لا يقال، ما هو صح وما هو غلط، ما هو حق وما هو باطل، والأخطر من ذلك أن هذه الشركات هي التي تربّي اليوم الأطفال والمراهقين عبر الإمساك بآذان وعيون وأذهان الفتيان والفتيات، الذين سيحكمون المستقبل القريب.
علّق الأستاذ عادل درويش، وهو صحافي عريق في الصحافة البريطانية والعربية، هنا في مقاله بـ"الشرق الأوسط"، على ذلك، مستشهداً بموقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي أبدت انزعاجها من حظر شركات السوشيال ميديا لحسابات الرئيس ترامب.
أما "ترامب" نفسه فقال في مؤتمره الصحافي إن سبب رفعه القضايا هو أنه "إذا كانوا يستطيعون منع الرئيس الأمريكي من التعبير عن نفسه، فإنهم يستطيعون منع أي شخص أو جهة في العالم"!
يضيف "درويشط بسخرية: "بالفعل لا توجد مقاييس محدّدة على هذه الوسائل عما يمنعونه أو يصرحون به، رغم أنها يفترض أن تكون وسائل تعبير حرة ومفتوحة للتعبير عما لا يعاقب عليه القانون"، سوى منع من لا يكون على مزاجهم، أي من "لا يستخفّون دمه" بالمصري الفصيح".
الأمر، أمر الاحتكار، وصل لدرجة غير مسبوقة، ويذكّرنا عادل درويش أنه حتى عندما حاول بعضهم إطلاق منصات تواصل بديلة، اجتمع كارتيل وادي السيليكون ليخضع لضغوط الثلاثة ومنع إطلاق هذه الخدمات.
حسناً، من هم هؤلاء الذين يتحكّمون في كلامنا ومواقفنا، بل وجودنا المعنوي على منصات السوشيال ميديا، التي أصبحت هي لغة العصر؟
كيف نتعامل معهم؟ وبأي معيار؟
يتأمل الكاتب هذه المعضلة، فهذه الوسائل عندما تطلب منها جهات مسؤولة وضع فلتر مثلاً لحماية الصغار أو التدقيق في معلومات ضارة أو الدعوة إلى العنف، بل حسابات تابعة لـ"القاعدة" و"داعش" و"الحرس الثوري" والحوثي.. إلخ، يتحججون بأنهم ليسوا دار نشر بسياسة تحريرية، بل مجرد منصة مفتوحة للتعبير كركن المتحدثين في الهايد بارك.
لكن هل هذا صحيح، أنهم مجرد ساحة للتعبير المطلق، دون توجيه وتدخل وبرمجة مسبقة، ومعايير أيديولوجية محدّدة يراد تعميمها وفرضها على العالم؟
الواقع، كما يلاحظ "درويش"، أنه عندما تتعارض التغريدة على "تويتر" أو "البوست" على "فيسبوك"، مع الاتجاه الفكري الذي يحاولون فرضه على الرأي العام، يتحولون إلى ديسك التحرير والرقيب كدار نشر في دولة من دول العالم الثالث، بل ما بعد العالم الثالث.
إذن فإنَّ قضية ترامب، التي سبق وصفي لها هنا بـ"العظمى"، هي قضية القرن الحقيقية.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة