لم يتفق الليبيون على قاعدة دستورية لإدارة انتخابات نهاية العام، وقال عماد السايح، رئيس مفوضية الانتخابات: "غيّرنا خطة عملياتها".
تأتي تصريحات "السايح" بعد ثلاثة أيام من إعلان البعثة الأممية في ليبيا عدم تمكن أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي من التوافق على قاعدة دستورية لإدارة الانتخابات القادمة، فهل المصاعب التي تأتي وتبرز خلال الإعداد للانتخابات الليبية هي بداية النهاية، أم هي سبيل للوصول إلى حل؟
يرى كثيرون أن الانتخابات القادمة جزء أساسي من إرساء الاستقرار في ليبيا، التي تشهد اضطرابات منذ أحداث 2011، التي أطاحت بمعمر القذافي، وهو ما تقوم به الجهود الدولية، التي أسفرت عن عملية سلام قادتها الأمم المتحدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار الصيف الماضي ثم تشكيل حكومة وحدة.
ويعتقد البعض أن فشل مؤتمر الحوار الليبي، والذي ركز على سحب المقاتلين والمرتزقة الأجانب من ليبيا وإقامة الانتخابات في وقتها، أتى من الفريق الرافض لسحب القوات الأجنبية -التركية- حيث يستقوي بها، كما أن تعطيل الانتخابات هو هدف وغاية لهؤلاء لعدم السقوط والخروج من المشهد، فكل المؤشرات تؤكد أن هدفهم الأول كان تأجيل الانتخابات وإبقاء الوضع على ما هو عليه، لضمان بقاء مصالحهم.
فخالد المشري مثلا، الذي يرأس مجلس الدولة الاستشاري، استبق اجتماع ملتقى الحوار السياسي في جينيف، بتهديد واضح يدوس على قرارات مجلس الأمن ومواقف المجتمع الدولي ومخرجات الاتفاقين السياسي والعسكري، وتوافقات برلين، ويعصف بجهود بعثة الأمم المتحدة، ويطيح بتطلعات الشعب الليبي في الأمن والاستقرار، حيث ذكر أن الحرب "ستعود من جديد، والانقسام سيتحول إلى حقيقة" حال فوز من يعتبره "الإخوان" عدوا لمشروعهم في الانتخابات.
هذه التصريحات فضحت جوانب لم تكن ظاهرة من دائرة الصراع مع مجلس النواب، فالإخوان حاولوا كثيرًا إقناع القوى الدولية بأن ليبيا "ليست جاهزة للانتخابات".
ويبدو أن الغرب لن يتوقف عن الدوران في ليبيا، فبعد أن حققت البلاد خطوة نحو التسوية السياسية بتشكيل سلطة تنفيذية جديدة وتحديد موعد واضح لإجراء الانتخابات، عادت الخلافات تتصاعد بصورة حادة، ما جعل بعثة الأمم المتحدة في ليبيا تعترف بلا مواربة بفشل ملتقى الحوار السياسي، الذي عُقد في جينيف الأسبوع الماضي، بسبب عدم التوافق حول قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات.
العارفون بما يجري في ليبيا يرون أن هناك تباعدا جليا بين أعضاء ملتقى الحوار، وإذا كانوا نجحوا في اختيار مجلس رئاسي وحكومة عنوانها الوحدة الوطنية، فهذا لأن المجتمع الدولي كان يريد إنهاء فترة فايز السراج، التي استنزفت أغراضها، إذ تم الدفع في هذا الاتجاه بصرامة حتى جاءت النتيجة إلى حد كبير متسقة مع رغبة غالبية أعضاء الملتقى من أصحاب التوجهات الإخوانية والمصالح المرتبطة به.
فالتباين حول القاعدة الدستورية كان التفسير الظاهر لما يمكن وصفه بـ"الانتكاسة السياسية"، بينما الخلاف الموجود والمتجذر هو منذ فترة طويلة.
لا شك أن من قاموا بإشغال الشعب الليبي بإشكاليات الانتخابات المتشابكة ودروبها القانونية، أرادوا صرف الأنظار بعيدا عن أزمات تمثل جوهر استعادة عافية وهيبة الدولة وإعادة الخيمة الليبية القوية والغنية بالنفط وشعبها إلى سابق عهده، فالشعب الليبي المتضرر يجد نفسه بلا خَيْمة "دولة" تصون حقوقه ومطالبه.
لكن هل فشل المتحاورون الليبيون في مؤتمر جينيف أم فشل المجتمع الدولي؟
أعتقد أن فشل ملتقى الحوار السياسي في مهمته هو نجاح للراغبين في تأجيل الانتخابات، العاملين على التمديد للحكومة، ومن ورائهما "الإسلام السياسي"، بجناحيه المتمثلين في أمراء الحرب وأباطرة الفساد، وسقوط للمجتمع الدولي بقراراته وبياناته المتعددة والجهود الثنائية والجماعية، والضغوط الإقليمية والدولية، وجهود البعثة الأممية، إذ تبيّن مرة أخرى أن الرهان على الدور الغربي لا يقود إلا إلى الفشل بسبب تناقض المصالح والأطماع.
والمخاض، الذي تعيشه ليبيا حاليًا، أضفى على المشهد الداخلي لها كثيراً من الضبابية، ما يؤكد أن ثمة أزمة دولية في ليبيا، وليست أزمة ليبية خالصة، حالة استقطاب إقليمي وتنافس دولي على إدارة التسوية السياسية هناك، في ظل وجود فوضى سلاح ومرتزقة لسنوات، تمكنت من خلالها قوى ودول كبرى من إحداث تمركزات لها في ليبيا.
خلاصة القول، إن عمق الخلافات والتغييب المتعمد للمرجعيات، وفي مقدمتها خارطة الطريق، وسوء إدارة البعثة الدولية لاجتماعات جينيف، أدت إلى الفشل وتأجيل الانتخابات حتى إشعار آخر، وواضح أن نجاحها سيكون مرهوناً باستبعاد عوامل ونقاط الفشل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة