الجدل القائم حول ليبيا، بعيداً عنها في جنيف وغيرها من محطات الحوار المختلفة والمتعددة المكان والزمان.
بعضها كان في غياب وتغييب الليبيين أصحاب الشأن، كما حدث في مؤتمر برلين الأول.
وهذا يؤكد الحقيقة أن ثمة أزمة دولية في ليبيا وليست الأزمة ليبية خالصة، فحالة الاستقطاب الإقليمي والتنافس الدولي على إدارة التسوية السياسية، في ظل وجود فوضى سلاح تربت وترعرعت طيلة سنوات، تمكنت من خلالها هذه المليشيات من إحداث تموضع وتمركزات لها في ليبيا.
الأزمة الليبية عانت من عمليات الترحيل والتأجيل المتعمد، فالحروب بالوكالة وصراع الشركات النفطية على ثروة البلاد النفطية ومطامع تركيا في غاز شرق المتوسط وليبيا ورسمها خطوط حدود جغرافية وهمية تمكنها من نهب غاز ونفط وثروات المتوسط، من خلال "اتفاقية" باطلة، جعلت منها دولة حدودية مع ليبيا، وهي تفصلها عن تركيا بحار وجزر، جميعها ظروف عقّدت المشهد السياسي والأمني الليبي.
من أسباب تعثر وتعقد الحوار الليبي، عدم التوازن في التمثيل المجتمعي والسياسي في قائمة الحضور، ولكنه رغم هذا يبقى خطوة إيجابية مهمة أسكتت المدافع والبنادق وغلبت لغة الحوار والجدال، وإن كان يشوبها استبعاد شخصيات وطنية فاعلة، ما سيعكس حالة من المظلومية لأطراف تم تغييبها عن لجنة الحوار، فالتحيز "المتهمة" به البعثة الدولية وعدم توازن التمثيل في قائمة الأمم المتحدة لاقى اعتراضاً واسعاً حتى لدى ممثلي القبائل الليبية، حيث اعتبره المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية، عملية إقصاء وتهميش للقبائل ومحاباة لجماعة الإخوان، والتمثيل الواسع للإخوان في قائمة الحوار، رغم صغر حجمهم في المجتمع الليبي، يطرح استفهاماً كبيراً، وعدم التوازن المجتمعي في لجنة الحوار الليبي، سيشكل عقبة كبيرة أمام أي مخرجات ستنتهي إليها حوارات تمت بالمغالبة، في ظل اتهامات بوجود رشى قُدمت من أطراف خارج لجنة الحوار لأعضاء في لجنة الحوار لإحداث فارق في التصويت.
حوار جنيف بشخصيات جدلية بعضها متهم بالإرهاب، بل صدرت في حق بعضها مذكرات ملاحقة دولية، وشخصيات لا يُعرف المعيار الذي تم به الاختيار، يجعل من لجنة الـ75 من الصعب عليها إنتاج حل سياسي توافقي قابل للتطبيق والاعتراف به من جميع أطراف الصراع، فالحل في مؤتمر ليبي ليبي جامع، قادر على أن يحدث فرقاً إيجابياً يتبلور في حل سياسي ينتهي بانتخابات بعد أن سئم الليبيون من المراحل الانتقالية التي أهدرت المال والجهد من دون أن تحقق للمواطن استقراراً مستداماً.
معرقلو الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول المقبل لا يهتمون ولا يخشون تهديدات رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يان كوبيتش، الذي قال إن كل من يعرقل الانتقال السياسي وإجراء الانتخابات في ليبيا "سيخضع للمساءلة"، و"لا بد للانتخابات البرلمانية والرئاسية أن تتم حسبما اتفق عليه في خريطة الطريق التي أقرها الملتقى في العاصمة التونسية، وأن تقبل نتائجها من الجميع".
فالمشري الذي أعطي صفة رئيس مجلس الدولة هدَّد بشكل صريح وعلني بأنه وجماعته لن يقبلوا بنتائج الانتخابات إذا لم تأتِ على هواهم، بل هدد بتقسيم ليبيا بخطاب متلفز، دون أن نسمع أي إدانة من البعثة الدولية، خصوصاً أن المجاهرة برفض نتائج الانتخابات مسبقاً تعد بمثابة انقلاب مبكر على نتائج الصندوق الانتخابي والاحتكام لصناديق الذخيرة والرصاص، كما سبق أن فعلت جماعات الإسلام السياسي في عام 2014، عندما خسرت الانتخابات التشريعية، خاصة جماعة "الإخوان" التي ينتمي إليها رئيس مجلس الدولة، وفق اعترافه ومجاهرته الصريحة والمعلنة بالانتماء تارة للجماعة والاستقالة منها تارة أخرى.
الحل في ليبيا يكمن في إتاحة الفرصة أمام الليبيين لخوض انتخابات رئاسية مباشرة وتشريعية وإبعاد محاولات الحجر على خيار الشعب الليبي بمحاولات ملتوية كانتخاب الرئيس ضمن قائمة مشتركة مع رئيس الحكومة ونائبيه أو محاولات تنظيم "الإخوان" مصادرة حق الشعب في انتخاب رئيسه واختزال الحق الانتخابي في فئة، ما يجعله رئيس فئة أو جماعة وليس رئيساً يمثل الشعب الذي مُنع من اختياره.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة