على بعد نحو ثلاثة أشهر من قمة غلاسكو المرتقبة في أكتوبر/ تشرين الأول في اسكتلندا، والتي تقوم عليها الأمم المتحدة بشأن تغيرات المناخ.
لا يبدو أن البشرية واعية لما يحدث، وبخاصة في ضوء التقارير "الإيكولوجية" الخطيرة التي صدرت مؤخرا.
قبل بضعة أسابيع، تفاءل البعض بأن لقاء مجموعة الدول السبع سيكون مفيدا وخلاقا في تجاوز الخلافات الخاصة باستنقاذ مناخ الكرة الأرضية من المصير المرعب الذي ينتظرها، غير أن واقع الحال ونتائج القمة التي عقدت في بريطانيا لم تسفر عن إجراءات حقيقية لتحريك المشهد المتكلس منذ عقود.
ولعل الناظر إلى المشهد المناخي حول العالم قد تفاءل بدرجة كبيرة بعودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاقية المناخ، وقد كان ذلك أول قرار للرئيس جوزيف بايدن، غير أن خيبة أمل خيمت على المجتمع الدولي من جراء الموقف الأمريكي في قمة السبع الأخيرة؛ ففي أثناء المفاوضات المكثفة التي جرت قبل القمة، كان مساعدو القادة يرسمون اتفاقا بشأن إنهاء استخدام الفحم المحلي في اقتصادات مجموعة السبع، وذلك بعد أن وافقوا على تمويل مشاريع الفحم الدولية.
توقع الجميع أن الدولة الوحيدة التي ستقف في وجه المساعي الأممية للتقليل من استخدام الفحم هي اليابان، وذلك بسبب اعتمادها عليه بعد توقف استخدام المحطات النووية عقب انفجار مفاعل يوكوشيما.
غير أن المفاجأة جاءت من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يحتل فيها لوبي الفحم مكانة متقدمة، ويشكل حضورا سياسيا مهما في الداخل الأمريكي، وبخاصة عبر تمويل الحملات الانتخابية لأعضاء الكونجرس من الشيوخ والنواب.
في اللحظات الأخيرة، بدا مسؤولو إدارة بايدن المشاركون في قمة الدول السبع متوترين بشأن الموافقة على الالتزام الخاص باتفاقيات الفحم، وخوفهم من ارتدادات تلك الموافقة على التوجهات السياسية في الداخل الأمريكي، ولهذا رفض البيت الأبيض التوقيع على الخطة، والتي كان لا بد من تحديد المواقف بشأنها قبل قمة غلاسكو.
الثنائية الأمريكية تبدت مرة جديدة في مشهد عرقلة الولايات المتحدة لمجموعة السبع لجعل غالبية مبيعات سيارات الركاب الجديدة "مركبات عديمة الانبعاث" بحلول عام 2030، وهو هدف كان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مستعدين لدعمه.
هل أغنياء العالم على دراية بالخطر الجاثم على صدر البشرية والمهدد بانفجار كوكب الأرض دفعة واحدة؟
نهار الأربعاء 23 يونيو/ حزيران المنصرم، حذر مشروع تقرير أعده خبراء المناخ في الأمم المتحدة، ونشرته وكالة فرانس برس، من أن التغير المناخي سيدمر حتما الحياة كما نعرفها حاليا على كوكب الأرض في غضون ثلاثين عاما وحتى أقل.
ولعله من المعروف أن قادة العالم الذين يستعدون للقاء في غلاسكو في أكتوبر المقبل إنما يبغون التوصل إلى إجراءات خاصة تهدف إلى تخفيض درجة حرارة الكرة الأرضية بنسبة 1.5 درجة مئوية، والوفاء بتعهد توفير 100 مليار دولار سنويا لمساعدة الدول الأكثر فقرا على التكيف مع الإجراءات الجديدة لمحاربة أوضاع الكوكب المأزوم.
هنا يبدو المخيف في تقرير الأمم المتحدة الأخير أنه مهما كانت وتيرة تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، فإن التأثيرات المدمرة للاحترار المناخي على الطبيعة والبشرية ستتسارع، بحسب ما تؤكد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التي تتأرجح بين نبرة تشاؤمية للغاية وأخرى تحمل أملا للناس بإمكانية تغيير مصيرهم عبر تطبيق إجراءات فورية وجذرية.
وبالدخول إلى عمق التقرير المرعب الذي صدر عن الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ، نجد أن الأسوأ ومن أسف لم يأت بعد، ذلك أن التغيرات المناخية الماضية قدما وبسرعة هائلة لن تؤثر فقط على حياتنا في الحال، ولكنها ستمتد بالضرورة إلى حياة أبنائنا وأحفادنا في الاستقبال، ومع ارتفاع قدره 1.1 درجة مئوية منذ منتصف القرن التاسع عشر، باتت التداعيات خطرة من الآن، وستزداد حدة حتى لو لجمت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
لم تتوقف خيبة الأمل الخاصة بالتغيرات المناخية عند حدود إشكالية الفحم فقط، بل تجاوزتها إلى ما يشبه النكوص عن الإيفاء بالوعود من قبل السبع الأغنياء، وبخاصة وعد الـ 100 مليار دولار سنويا للدول الأفقر. وهنا أيضا لم يتمكن بايدن من الالتزام بالأرقام الجديدة المتعلقة بحجم مساهمة الولايات المتحدة، وذلك بعد أربعة أعوام فشل خلالها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في إنفاق المطلوب، ووافقت مجموعة السبع على أن يزيد كل عضو من حجم المبلغ الذي سيقدمه من أجل دفع 100 مليار دولار سنويا، ولكن من دون أن يعلن كل منهم عن المبلغ الأكبر الذي قد يدفعه.
بدا واضحا في قمة السبع أن الأوروبيين يين أكثر تفهما لأحوال الدول الفقيرة من الولايات المتحدة، ما يعني أن الأخيرة لا تزال تعطي من طرف اللسان حلاوة فقط، وفيما الكرة الأرضية مهددة بالحرق والغرق، تنفق 740 مليار دولار على فاتورة الأسلحة والدفاع، وتتهرب من استحقاقات بدا الأوروبيون أكثر شجاعة في مواجهتها، فقد وافقت المستشارة الألمانية ميركل، وقبل رحيلها من موقعها التاريخي على رفع مبلغ الـ 4 مليارات يورو التي تدفعها سنويا إلى 6 مليارات يورو بحلول عام 2025، كما تعهد رئيس وزراء كندا جاستن ترودو بمضاعفة المبلغ الذي تدفعه بلاده ليصل إلى 5.3 مليار دولار كندي، وهو الأمر الذي اعتبرته المملكة المتحدة انتصارا مهما.
وفي خضم الانشغال العالمي بالأزمة المناخية، وإدراكا بمدى خطورتها، بدا أن هناك مؤسسة أخرى في العالم تدعو للإسراع بمواجهة الخطر الداهم، إنها مؤسسة الفاتيكان وعلى رأسها الحبر الأعظم البابا فرنسيس الرجل الذي كرس رسالة بابوية منذ بضعة أعوام تحت عنوان "كن مسبحا"، والذي لم ينفك يحذر من الكارثة التي ستضرب الجميع.
قبل أيام قليلة، أعلن أن الفاتيكان سوف يستضيف حدثا مهما في شهر أكتوبر، وقبل قمة غلاسكو، والحدث عبارة عن مؤتمر يجيء تحت عنوان: "علم وإيمان"، وسوف يجمع نحو 40 قائدا دينيا من أنحاء العالم و10 علماء.
محور اللقاء هو التساؤل عن أي عالم نريد أن نترك للأجيال المستقبلية خلال العقود القادمة، وأي نوع من الحياة نريد أن نعيش في السنوات المقبلة، والعديد من الاسئلة المتعلقة بحماية الكوكب وبإيجاد حلول للنضال ضد تغير المناخ.
ومن بين الأحداث التمهيدية للمؤتمر، سيشهد الرابع من أكتوبر/ تشرين أول المقبل لقاء تحت عنوان: "إيمان وعلم: نحو المؤتمر السادس والعشرين حول تغير المناخ"، والذي تنظمه سفارة إيطاليا لدى الكرسي الرسولي وسفارة المملكة المتحدة على أن يجرى اللقاء في الفاتيكان وفي روما.
هل البشرية أمام لحظات مفصلية تتعلق بالنوع البشري وبقائه؟
ذلك كذلك بالفعل، وما من مصير سوى النجاة معا إن غلبت الإنسانية التعاون والتضافر، وطرحت من ورائها الأنانية والذاتية، أو الغرق إن بقيت الدول الكبرى متوهمة أن الطوفان سوف يوفرها، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة